كتاب كيف تسيطر على الآخرين

كتاب كيف تسيطر على الآخرين (المؤلف: بيرتون كابلان)
الحياة ما هي إلا مكان يتجمع فيه البشر، لذلك لا تظن بأن النجاح أو الفشل فيها مبني على القدرات العقلية والخبرات الفنية فقط! قد ينجح الأمر نظريًّا، ولكن الجانب الأكبر مبني على التفاعلات البشرية.
سنتحدث اليوم عن بعض النقاط التي ستجعل تفاعلاتك البشرية أفضل ما يمكن.
من العدوانية للجاذبية
دعونا نبدأ أولًا بتسليط الضوء على التسلط أو العدوانية.
هذه الصفة موجودة عند كل البشر بدرجة ما، ولكنَّ هناك أشخاصًا لديهم الذكاء الكافي ليبقوها تحت سيطرتهم؛ وبالمناسبة ليس شرطًا أن يكون التسلط بالشكل الواضح المتعارف عليه، يمكن أن يكون على شكل تصرفات وقحة كأن يريد شخص بأن يجبر الآخر على تنفيذ كلامه وأن يفوز بأي جدال، أو أن يعبّر عن مشاعره حتى لو كان ذلك سيؤذي الطرف الآخر.
الشخص العدواني يمتاز بصفتين:
- أولًا يظهر بأنه قوي ولكن تلك القوة لا تنبع من ثقة كبيرة بالنفس بل تنبع من الخوف. خوف من أنه لو لم يتصرف بتلك الطريقة وترك الأمور تسير كما هي فسيفقد السيطرة، فلو ترك للآخرين فرصة بأن يتساووا به فسيِظُهِر ذلك مدى ضعفه، لذلك يحاول دائمًا فرض سيطرته.
- أيضًا الشخص العدواني يلتبس عليه الأمر بين السيطرة على الآخرين بالعدوان التي يقوم بها وبين قوة الشخصية، بالطبع ما يقوم به ليس قوة شخصية؛ لأنه في حالة العدوانية بمجرد غيابك سيعطل الأشخاص الآخرون النظام؛ فالاطفال سيتصرفون بطريقة غير مقبولة والموظفون لن يعملوا، أما في حالة قوة الشخصية الحقيقية سواء كنت موجودًا أو غير موجود؛ فالنظام سيستمر وسيبقى أثرك موجودًا.
اتخذ من التأكيد على الذات بديلًا للاندفاعية
الحل هنا بأن تكون واعيًا لما تقوم به وتستبدل العدوان بالحزم والتأكيد على الذات، أي تشبع احتياجك من الموقف وتدافع عن حقوقك بالتأكيد على ذاتك من دون أن تسيء لأحد.
مثلًا أنت دخلت المخزن الخاص بك لكي تأخذ المفاتيح، ووجدت جارك قد أفسد المكان بالدهان.
في هذا الموقف أنت:
- إما أنك ستخضع ولن تأخذ أي رد فعل، وذلك سيجعلك حبيس نفسك وتعاني في صمت.
- أو أنك ستكون عدوانيًّا وتغضب بشدة، وذلك سيخلق مواجهة ويمكن أن تؤدي لفقدانك احترام الآخرين،
- ويمكن أيضًا أن تأخذ المسار الثالث، أي ستؤكد على ذاتك بدون انفعال.
هناك ثلاث خطوات لكي تفعل ذلك:
- أولًا: صف السلوك المشين دون تجريح أو إيذاء بل وضّح لماذا هذا السلوك هو اعتداء على مصالحك الشخصية.
- ثانيًا: صف له نتيجة هذا السلوك عليك، مثلًا أنت حزين وتعتبر ما حدث هو إساءة لك.
- ثالثًا: صف له باختصار عواقب ما فعله، مثلًا ستضطر لتخصيص وقت أكبر من وقتك كي تصحح تلك الفوضى.
بالثلاث خطوات تلك أنت أكدت على حقك بطريقة ستجعل الطرف الآخر يحل المشكلة، وفي الوقت نفسه ستبني علاقة أقوى وأمتن وأكثر تعاونًا معه في المستقبل عوضًا عن العدوانية التي كانت من الممكن أن تحل الموقف ولكنها ستؤثر على المستقبل.
تحكم بالانطباعات
أيضًا كي تدير التفاعلات البشرية بأفضل طريقة ممكنة من المهم أن تتحكم في الانطباعات التي ستتركها عند الآخر.
أفضل وأسهل طريقة لفعل وترك انطباعات إيجابية هي أن تتكلم من المنظور الذي يريده الآخرون.
من الحقائق الثابتة أن الناس يستمعون لأنفسهم أكثر مما يستمعون لأي شخص آخر وأن أفعال الناس سببها ومحركها هو مصالحهم الشخصية.
أنت عندما تتكلم يكون كل ما يهمك هو مصالحك الشخصية فتتكلم من منظور رغباتك واحتياجاتك الشخصية، ولكن لو جعلت كلامك من منظور الآخرين ستتمكن من التحكم بالطريقة التي تريدهم أن يروك بها.
لدينا عندنا عشرة دوافع أساسية تحرك الناس:
- العاطفة: الرغبة في التملك.
- الأنا: الإحساس بالاعتزاز الشخصي.
- الاحترام: الرغبة في محبة الآخرين.
- التفوق: الحاجة للفوز.
- الجشع: الرغبة في الحصول على أكثر من النصيب العادل.
- الحرية: الرغبة الشديدة في تحكم الشخص في مصيره.
- السلطة: الرغبة في السمو.
- الخصوصية: الرغبة في حماية الحيز الشخصي.
- التقدير: الرغبة في شعور الشخص بأهميته.
- الأمان: الرغبة في الحماية من التهديدات.
الناس تحتاج إلى كل ما سبق بنسب متفاوتة، افهم ما يحتاجه الطرف الآخر منهم وراعِه في كلامك.
تخلص من ما يمنعك
أيضًا كي تستطيع أن تتعامل مع الآخرين مهم أن تفهم نفسك، هل أنت أسير لعادات داخلية تمنعك من استخدام كامل موهبتك وقدراتك؟
العادات تلك يمكنك أن تستشفها من تصرفاتك (مدلولات تصرفاتك ستشير لك على المشكلات الموجودة لديك).
يعني مثلًا لو أنك من المستحيل أن تحكي أسرارك لأحد، فغالبًا أنت لديك عادة عدم الثقة بالآخرين.
أو لو أنك مثلًا دائمًا ما تستبعد المشاعر وكل حياتك قائمة على المنطق؛ فغالبًا أنت لديك عادة عدم التعاطف وهكذا..
بعد أن تتعرف على العادات الموجودة لديك، حاول أن ترى الحالات العقلية من خلفها.
أي على سبيل المثال: أحد الأسباب التي تجعل الشخص يحس بالضعف أو الخجل أو الجبن هي صورته المشوهة عن نفسه وعن العالم.
الحل يبدأ من عدم التسليم بتلك الصورة وأن يشكك فيها ويحاول أن يعكس تصرفاته حتى لو تصنّع.
مثلًا إن لم يكن لديك ثقة في نفسك ودائمًا ترجع للآخرين في كل تصرفاتك، فعاهد نفسك أنك لمدة أسبوع ستأخذ كل القرارات بنفسك بدون الرجوع لأحد.
الأسبوع سيكون صعبًا قليلًا ولكنه هو الحل.
اعكس العادات وتصنّع وكرر إلى أن تصبح جزءًا من شخصيتك.
أيضًا في أثناء محاولتك لمعرفة الحالات العقلية خلف العادات انتبه لأنه في بعض الأحيان تكون العادة نفسها قناعًا لمشاعر أخرى غير محلولة، والحل هنا أن تعكس المشاعر المخفية وليس فقط المشاعر الظاهرة.
فمثلًا يمكن أن كان لديك عادة التأخير عن المواعيد. ممكن ألا يكون هذا التأخير مقصودًا به التأخير عن العمل لذاته، ولكنه قناع خفي يخفي استياء متعلقًا بالغضب على وضعك أو الخوف من المسؤولية مثلًا، هذه الحالة العقلية التي من المفروض أن تتعامل معها وليس مع السبب الظاهري.
صعوبة المراس
أيضًا في الحياة نحن معرّضون للتعامل مع أشخاص ذوي طباع صعبة. هذه الصعوبة ممكن أن تكون استجابة سيئة للمنطق وممكن أن تكون حساسية تجاه أمور غريبة، فمثلًا تجدهم يتصرفون بعدوانية، بانسحابية، بصراخ، وغيرها من التصرفات التي لا تطاق بدون داعٍ.
أنت غالبًا ستحاول أن تتجنب هؤلاء الأشخاص بقدر المستطاع، ولكنك إن اضطررت للتعامل معهم، ما الحل؟
التعامل مع الأفراد صعاب المراس
كي تتعامل مع الأفراد صعاب المراس يجب أن تحاول فهم الشيء الذي يرغبون بتحقيقه من هذا السلوك الصعب الذي يفعلونه!
لا يوجد أي شيء بدون سبب أو هدف، هم يتصرفون على هذا النحو كي يصلوا لشيء معين، إن فهمت الموضوع بهذه الطريقة ستتمكن من أن تتعامل مع صعوبتهم بسهولة.
مثلًا، امرأة لديها طفل صغير يقوم بتصرفات مؤذية، فهي إن فهمت أن المقصود من سلوكه هذا هو إثارة انتباه الناس له، ستتمكن من التعامل معه وتعطيه الانتباه الذي يحتاجه وبذلك تنتهي المشكلة والطفل سيتعدل سلوكه، على عكس مثلًا لو هي حاولت معاقبته على شقاوته.
هناك بعض الأمور التي يقوم بها الفرد صعب المراس:
- مثلًا يتصرف بهذه الطريقة لأنه يحس بأن كبرياءه تأذى، ابحث عن طريقة مناسبة تجعله يحس بأنك تحترمه.
- وهناك أشخاص يتصرفون بتلك الطريقة كي يحموا أنفسهم من تهديد ما حقيقي أو خيالي في رؤوسهم، يجب أن تطمئنهم في البداية.
- وهناك من يقوم بذلك لأنه لا يشعر بالتميز، امنحه إطراء يجعله يحس به.
- وهناك من يفعل ذلك لأنه يشعر بالغربة، اقترب منه.
وهكذا عندما تفهم اهتماماتهم واحتياجاتهم سيكون التعامل معهم أسهل ما يمكن.
أيضًا إن اعترفت لهم باحتياجاتهم فسيشعرون بالارتياح. تقول مثلًا أنا أعرف بأنه لديك مشكلة أو تخوف من الموضوع الفلاني أو مثلًا تقول له من الطبيعي أن يحس الناس بالتهديد في الموقف الفلاني. بسبب وضوحك معه سيشعر بأنك متفاهم وهذا سيسهل التعامل معه.
شبه محق
هناك مواقف- أنت تعرفها- يكون فيها كل طرف محقًا أو شبه محق.
تخيل اثنان زميلان يعيشان في مكان واحد، الأول متضايق ويصرخ بوجه الثاني لأنه ترك الغسيل الخاص به على مائدة الطعام، والشخص الثاني سيرد عليه صارخًا بوجهه: أنت أيضًا تركت الصحون التي أكلت فيها في حوض المطبخ ولم أعترض على ذلك!
هنا الطرفان بدلًا من أن يتفاهما، أشعلا انفعالات بعضهما بعضًا والموقف انتهى بنهاية غير إيجابية.
معظم تصادمات الحياة تكون شبه ذلك الموقف، لا يكون الحق بالكامل بصف أحد، كل شخص شبه محق ولكن بسبب التهجم والعدوانية يتمسك كل طرف برأيه.
الحل هنا لو كنت مكان الأول: مثلًا بأن تجيبه أنا فعلًا تركت صحون الأكل في الحوض، ويبدو أن هذا الموضوع قد سبب لك الضيق بالطريقة نفسها التي ضايقني بها تركك لغسيلك، فما رأيك أن أصلح مهمتي بالنسبة للحوض وأتمنى منك أن تفعل ذلك بالنسبة للغسيل؟
أن تتعامل مع الآخرين باحترام
من المهم عندما تطلب من الآخرين القيام بأمر ما أن تشجعهم على تنفيذه بأن تطلب بأسلوب مقبول لهم. قرّ الحقائق في البداية، الحق يكون له جانبان، قل الجانب الخاص بهم أولًا ثم قل الجانب الخاص بك، بذلك سيظهر الموضوع على أنه يخدم مصالحهم وفي شكل تبادل منفعة، وبذلك لن تجعلهم يتصرفون باندفاعية وسيكون كلامك بمثابة حافز متبادل للنجاح.
استعادة العلاقات
أيضًا نحن معرضون أن نؤذي الناس أو أن نسبب لهم مشكلات، وبعد ذلك تسوء علاقتنا معهم. كي تستعيد علاقة تدهورت مع أحد ما:
خذ وقتًا كافيًا، لا تقم باحتكاك مع الطرف الثاني مباشرة بعد المشكلة لأنه من الطبيعي أن يحس بالحذر منك مباشرة بعد ما حدث. أيضًا، أنت محتاج لهذا الوقت كي تحلل ما حدث وترتب ما ستقوله.
بعد أن تأخذ وقتك وفي أثناء حديثك معه عليك أن تراعي ثلاثة أمور:
- تذكر بأنك تتحدث معه لأجل الاعتذار وليس لأجل الأعذار. ليس هناك عذر للتخطيط السيئ، وليس هناك عذر للفشل في الإيفاء بعهدك، وليس هناك عذر لقول شيء مؤلم بالرغم من نواياك الطيبة، لذلك ركز على الاعتذار وليس الشرح ورمي المسؤولية على أمور أخرى.
- عندما تعتذر راعِ مشاعر الطرف الآخر، قل له مثلًا مشاعرك تجاه ما حدث وعبر له عن حزنك أو ألمك لأنك سببت له إحباطًا.
- ركز على المستقبل وليس الماضي، وجّه انتباهه للمستقبل بأن تقول له خطوات ملموسة ستبدأ بفعلها كي تعوضه عن ما حصل أو كي تمنع تكرار الموقف مرة ثانية.