كتاب الزهرة والمريخ، عود على بَدء

Book-Cover

كتاب الزهرة والمريخ، عود على بَدء (المؤلف: جون جراي)

عندما تنتهي أي علاقة يكون أمام الرجل أو المرأة اتجاهان:

  • إما أن الشخص سينمو فكريًّا وتزيد خبرته في الحياة.
  • وإما أن تكون نهاية تلك العلاقة هي بداية الهبوط التدريجي، والدخول في حالات عاطفية غير محمودة مثل: الغيظ واللوم والذنب وعدم الأمان وفقدان الأمل. هذه الحالات العاطفية السلبية تسمى "الرمال المتحركة العاطفية"، كلما قاومتها أكثر غرقت فيها أكثر.

لكي نبعد أنفسنا عن الاتجاه الثاني علينا أن نتعلم مهارات التجاوز، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم. 


عواطف الشفاء الأربعة

دعونا نبدأ أولًا مع عواطف الشفاء الأربعة.

لكي تفكك ارتباطك بأحد ما، يجب أن تمر بأربع عواطف هي:

  •  الغضب. 
  • الحزن.
  • الخوف. 
  • الأسف.

علينا أن نكون واعين بتلك العواطف، نعبر عنها بطريقة ملائمة، ولا نكبتها.

الغضب

العاطفة الأولى هي الغضب. الغضب يسمح لنا عاطفيًّا بأن نكتشف ونعرف ما حدث وكان معارضًا لرغبتنا. 

عندما نعبّر عنه نتحرر من الارتباط القديم، ونبدأ نحس باحتياجاتنا الجديدة، ونكتشف فرصًا جديدة للدعم والحب.

إن لم تسمح لنفسك بالغضب، ستعلق بداخله، وسيستمر معك لبقية حياتك مؤثرًا في علاقتك المستقبلية.

الحزن

العاطفة الثانية هي الحزن.

الحزن يسمح لنا بأن نكتشف ونعرف ما لم يحدث وكنا نرغب في حدوثه.

الحزن عندما نعبر عنه، يجعلنا ذلك نتقبل خسارتنا تدريجيًّا، ويدفعنا للاستسلام وإنهاء مقاومتنا في محاولة التمسك بالعلاقة القديمة، معدلًا توقعاتنا وآمالنا المستقبلية.

الخوف

العاطفة الثالثة هي الخوف.

الخوف يسمح لنا باكتشاف ما قد يحدث في المستقبل ولكننا نكره حدوثه.

عندما نعبر عنه بصورة واضحة سنتمكن من تعديل احتياجاتنا ومتطلباتنا وفق لما هو متوفر الآن عوضًا عن الاستمرار بشعورنا لحاجتنا لأشياء لم تعد ملكنا.

الأسف

العاطفة الرابعة هي الأسف.

الأسف يسمح لنا بأن نكتشف ما نريد حدوثه، ولكنه للأسف لن يحدث.

هذا الشعور مهم لتخطي الارتباط ونسيانه. الأسف هو اعتراف بعجزنا على إبطال ما قد حدث، ويساعدنا على التحرر بأن نرمي آمالنا السابقة ونرى آمالًا جديدة.


خلق موقف شفائي

بعد الانتهاء من أي العلاقة أنتِ تحتاجين لخلق موقف شفائي لنفسكِ، ولكي تفعلي ذلك عليكِ أن تستكشفي تلك العواطف الأربع بداخلكِ.

  • أنتَ وأنتِ يحق لكما وتحتاجان أن تحسا بالغضب؛ لأن الطرف الآخر أفسد جزءًا من حياتكما أو خانكما أو حرمكما من الذي كنتما تستحقانه.
  • من حقك أن تحس بالحزن بعد انتهاء العلاقة التي لم تنجح، ولم يعد لديك شخص تحبه.
  • من حقكِ أن تحسي بالخوف لأنك خُدِعتِ. تحسين بالخوف لأنك قد تِخدَعين في المستقبل مرة ثانية!
  • من حقكَ أن تحسَ بالأسف لأنك لن تتمكن من إرجاع الزمن وجعل تلك العلاقة تنجح أو أن تمسحها تمامًا من قبل أن تبدأ وتضيع جزءًا من عمرك في أمر فاشل.

 من حقنا أن نعبر عن المشاعر الأربعة ولا نخفيها أو نتجاهلها وكأنها غير موجودة.

لو عبرت عن ماضيك بما يستحق من مشاعر، فذلك سيعطيك فهمًا أعمق للماضي ولنفسك وسيجعلك تتقبل ما حدث. لكنَّ هناك شرطًا مهمًّا! 

يجب أن تسامح.

 أن تستكشف مشاعرك السلبية تلك بدون نية التسامح ذلك قد يؤدي إلى زيادة شعورك بعدم الأمان.

هناك أوقات كثيرة لا نستطيع أن نسامح لأننا نكون غير مدركين لمعنى التسامح أساسًا.

ليس معنى أن تسامح شريكك السابق، وأن تحس تجاهه بمشاعر طيبة، هو أنه ينبغي عليك إعادة العلاقة معه من جديد، بالطبع لا!

التسامح يعني أن تقوم بإخلاء مسؤولية الغير على ما قد حدث لك، التسامح عكس اللوم، أن تسامح أحدًا ما يعني أنك تتوقف عن لومه. اللوم يجعلك تتمسك بالماضي، فعندما تتوقف عن اللوم ستتحرر وستنسى الألم.

اللوم يمنعك من إيجاد حل لوضعك!


التخلص من اللوم

بعد أي علاقة سنقوم ببساطة بلوم شريكنا السابق على المشكلات التي سببها لنا، اللوم هنا يعطينا شعورًا بالراحة- نحن ضحايا وليس لنا أي ذنب-. 

أنتِ عندما لا تسامحين شريكك السابق وتلومينه على عدم سعادتك الحالية، بذلك تكبتين -بدون علم منك- خروج مشاعرك المؤلمة التي تحدثنا عنها منذ قليل.

اللوم حل سهل للمشكلة، ولكنه لا يجعلكِ تتعاملين مع المشكلة نفسها، بل يجعلكِ حبيسة العلاقة القديمة تلك، ويجعلكِ تذهبين لعلاقة جديدة بمشكلات غير محلولة.

الحل هنا هو أن تجبري نفسك على تبديل تفكير اللوم بتفكير الشعور.

تفكير الشعور يقوم على أننا سنُحمل الآخرين أخطاءهم، ولكن لن نحمّلهم ما هو إحساسنا نتيجة أخطائهم تلك.

  • فبدلًا- مثلًا- من أن تفكري بطريقة: أنا غاضبة لأنه سبب لي الأذى، فكري بطريقة: أنا غاضبة لأنه عاملني بطريقة سيئة.

في الجملة الأولى أنتِ تحمّلينه نتيجة مشاعرك، ولكن في الثانية أنتِ تحمّلينه نتيجة تصرفاته فقط.

  • وهكذا بدلًا من أن تقولي أنا تعرضت للأذى لأنه جعلني أشعر بأنني غير مهمة قولي أنا تعرضت للأذى لأنه أهملني واعتبر الآخرين أكثر أهمية مني.
  • وبدلًا من أن تقولي أنا حزينة لأنه جعلني أشعر بأنني لا أستحق الحب، قولي أنا حزينة لأنه لم يحضر لي هدية أبدًا.

اللوم الصحيح هو أن نلوم الآخرين على ما قاموا به، وليس على إحساسنا تجاه ما فعلوه. 

لو لمناه على أحساسنا، سنصبح أسرى الألم، لكن لو لمناه على أخطائه سنتعلم ونكبر وسنتمكن من أن نغير مشاعرنا.


التخلص من الغيرة والحسد

أيضًا، عندما تنتهي أي علاقة أو زواج، في بعض الأحيان يكون رد فعلنا هو الغيرة أو الحسد، وذلك له أكثر من شكل، مثلًا عندما تكتشف أن رفيقة حياتك السابقة سعيدة وتقضي وقتًا طيبًا، وتجد نفسك تشعر فجأة بالانزعاج، هذا الإحساس مصدره الغيرة.

أو عندما تتخيلينه وهو يقضي وقتًا سعيدًا بدونك، فستشعرين بالضيق، هذا الإحساس مصدره هو الغيرة.

إن الحسد والغيرة يأتيان بأشكال مختلفة معظمها تقوم على الإحساس بالسعادة عندما يكون شريكنا السابق تعيسًا، والإحساس بالتعاسة عندما يكون سعيدًا، وممكن أيضًا أن تظهر في شكل تهكم. عندما تجد شخصين في حالة حب تحكم عليهما بأن علاقتهما تلك لن تدوم، (طريقة التفكير التهكمية تلك مصدرها الحسد).

الأحاسيس تلك ممكن أن نستخدمها في شفاء أنفسنا.

الحسد أو الغيرة هما مؤشر واضح على رفضنا وتجاهلنا لرغبات لم يتم البت في أمرها، ويمكن أن نعتبرهما مؤشرًا سيساعدنا على اكتشاف ما نخفيه بأعماق أنفسنا حتى عن أنفسنا.

لو أنني حسدت غيري على نجاحه فذلك معناه بأنني راغب في مزيد من النجاح. حسدي مؤشر لي على الشيء الذي ينقصني وأحتاجه فعلًا، فيكشف لي الرغبات التي أريدها في سري. من المفترض أن أواجه المشاعر العميقة تلك وأبدأ بالعمل على تحقيقها لنفسي كي أتحرر من قبضتها.


الثأر لا يساعد أحدًا

أول ما تشعر به المرأة عندما تكون في حالة استياء وعجز بعد انتهاء علاقة، هو أنها تريد أن تأخذ بثأرها، لأنها تعتقد بأنها لو فعلت ذلك ستجد الرضا والراحة، ولكن هذا الطريق يدفعها لأخذ قرارات خاطئة وتبنّي اختيارات سيئة، يمكن أن تؤثر عليها لبقية حياتها.

أشهر طريقة تسعى لها المرأة لأخذ الثأر هي أن تقول كلمات خسيسة عن شريكها السابق، ولا أقول هنا أن تفتري عليه كذبًا، ولكنني أتحدث عن جزئية أنها تتعمد فضحه! 

هي تريد بذلك أن تظهر للعالم كله حقيقة زوجها السابق، ولكن هدفها أن يسمع الجميع عن ألمها.

عندما تخبر الناس عن زوجها السابق هذا يكون مجرد محاولة غير مباشرة لكي تخبر العالم ما تشعر به، عندما يعرف الجميع ما فعله بها سيفهمون ما تشعر به. وذلك يجعلها تشعر براحة مؤقتة ولكنه لن يشفي جرحها. التفكير بهذه الطريقة بدون وعي منها سيدخلها في دوامة الجري خلف تعاطف الناس.

ضخامة ما قام به الشريك السابق سيظهر من الأثر الذي تركه عليها، لذلك يجب أن يكون تأثير الأذية لديها كبير! ستجعل نفسها وحيدة ومحرومة وغير سعيدة بإرادتها؛ فإن عاشت أيامها بطريقة عادية لن يكون لديها ما تشتكي منه، قضيتها انتهت، ولم يعد لديها شيء يستدعي التعاطف.

هي ستختار التعاطف كي تحتفظ بملف القضية لصالحها، ذلك معناه بأن تقضي عمرها كله رافضة أن تكون سعيدة مرة أخرى باختيارها.

هي تظن بأنها بذلك تعاقب زوجها السابق، ولكنها في الحقيقة تعاقب نفسها.


تقبل الرفض

يحب الرجل التحدي ويعتبره حافزًا له، فعندما يريد أمرًا ما ولا يحصل عليه، يتمناه أكثر. التحدي يخلق العاطفة وكلما ازداد التحدي والصعوبة ازدادت العاطفة.

ولذلك عندما تنتهي علاقة، قد تزداد عاطفته تجاه المرأة جدًّا. فمجرد رفض المرأة له، ذلك يجعله يريدها أكثر ويشعل ألمًا لفراق أكثر وأكثر.

إن لم يكن واعيًا لتحيّزاته ومشاعره تلك، فصورته أمام نفسه قد تهتز جدًّا، ويمكن أن يعاقب ذاته أو يدخل في حلقة تدمير ذاتي.


الانفصال له سبب ظاهري

هناك سبب محدد جعل شريكتك السابقة تريد الانفصال، يمكن أن يكون بسبب أنك لست غنيًّا كفاية، لست مثقفًا كفاية، لست حساسًا كفاية، أو بسبب أنك معقد بعض الشيء، أناني بعض الشيء، متهور قليلًا.

كل هذه الأسباب أنت تستنتجها أو حتى هي قالتها لك. أنت تبدأ من هنا وتعاقب نفسك لأنك لست مثاليًّا، وتدخل في دائرة تقلل تقديرك الذاتي.

ولكن في الحقيقة كل هذا الأسباب هي مجرد حجج وشروط سطحية. السبب الحقيقي لرفض امرأة لك هو أنك غير مناسب لها، كلاكما غير مناسبين لبعضكما، لو أنك فعلًا مناسب لها فهي لن تتأثر بتلك الشروط السطحية، ولن تركز عليها أساسًا وستتقبلك كما أنت.

 لا تلم نفسك، واجه حقيقة أنكما غير مناسبين لبعضكما، طبيعتكما غير مناسبة لبعضكما، أو أن الظروف والتوقيت جعلكما غير مناسبين لبعض، هذا هو السبب.

عندما تنظر للموضوع بهذه الطريقة ستصبح أكثر ميلًا للتسامح مع الماضي، ولن تحبس نفسك داخل اللوم وإصدار الأحكام، وستكون أكثر ميلًا للانفتاح لخلق حياة جديدة سعيدة لنفسك.