كتاب كيف تكون مفاوضًا أفضل؟

Book-Cover

كتاب كيف تكون مفاوضًا أفضل؟ (المؤلف: ريتشارد لوكى)

تعدُّ القدرة على التفاوض مهارةً حياتيةً مهمةً. أنت فاوضت عند شرائك سيارتك، فاوضت على المرتب الشهري في عملك، فاوضت زوجتك على المكان الذي ستقضيان فيه العطلة. كل تلك كانت مفاوضات؛ إذ إن معظم الأشياء التي نقوم بها في حياتنا يدخل فيها التفاوض.

ولكن على الرغم من أهمية هذا الموضوع؛ فإن الكثير من الناس ينزعجون منه، أو أنهم لا يعرفون كيف يقومون به بأفضل طريقة ممكنة، لذلك دعونا نتحدث عنه اليوم!

الإعداد للتفاوض

حدد بدائلك وسعرك المقبول

دعونا نبدأ من نقطة البداية: الإعداد. لا تدخل في التفاوض مع أي شخص إلا وأنت محدد أمرين:

  •  البدائل.
  •  السعر المقبول.

ما أفضل البدائل الموجودة لديك في حال فشل التفاوض؟

 إن لم تفكر في البدائل قبل خوضك المفاوضات؛ فبذلك لن يكون لديك أي شيء تساوم به، وستكون مضطرًا لقَبول أي عرض يقدم لك.

قبل الدخول في التفاوض فكر في السعر المقبول أيضًا؛ أي الحد الأدنى الذي تقبل به، وبالطبع عليك ألا تفصح عن هذا السعر، حتى وإن سألك المفاوض المقابل، بل حاول أن تعرف السعر المقبول للطرف الآخر، فإن عرفت ما هو أقل شيء يمكن أن يقبل به الطرف الآخر ستتمكن من معرفة حجم الضغط الذي تستطيع أن تمارسه عليه من دون أن تدفعه للانسحاب، وذلك سيجعلك تحقق أكبر مكسب ممكن.

إبرام الصفقة

للتفاوض ثلاثة أقسام:

  • تعرفُ أحدكم على الآخر

من المهم في البداية أن تتعرف على الطرف الثاني، ما قضاياه وما الذي يهمه، أنت تدخل للمفاوض ولديك افتراضات معينة عن الشخص، مثلًا أنت قد ترى بأنه يهتم بالمال فقط! افتراضاتك تلك عليك ألا تعتمد عليها، بل حاول أن تفهم منه شخصيًّا ما الأمور التي تهمه، وقارن بين الواقع وافتراضاتك وانظر إلى مدى تطابقهما معًا.

إظهار الخلاف في الرأي والصراع

أظهر الصراع على السطح! في أي تفاوض عادةً ما يحدث صراع، ذلك مفهوم بسبب اختلاف المصالح؛ لذا لا تحاولْ أن تتجاهل الصراع أو تخفيه، بل رحّب به!

 لا تنظر للصراع على أنه اختبار للقوة؛ بل على أنه فرصة لمساعدتك في اكتشاف احتياجات الطرف الآخر، لو استطعت ترجمة هذا الصراع ستتمكن من اكتشاف احتياجات الطرف الآخر واهتماماته وما إلى ذلك.

طرفا الصراع

وبما أننا نتكلم عن الصراع، دعونا نتحدث قليلًا عن طبائع الشخصيات في الصراعات.

هناك أربعة أنواع من الشخصيات- هذا طبعًا بافتراض أننا تجاهلنا الشخصيات المتفهّمة السلسة.

  • الماكر المتلاعب

أول شخص هو الشخص الماكر المتلاعب غير المباشر، صاحب الوجهين. هذا الشخص لديه حيل كثيرة منها مثلًا: حيلة الغضب. 

نوبة الغضب

في منتصف المفاوضات قد تجده ينفجر غضبًا؛ لو تعامل معك بهذا الأسلوب، أوقف المفاوضات وكن واضحًا بأنك لن تتحمل هذا السلوك، فيمكنك مثلًا أن تقول: لن نكمل المفاوضات بهذا الشكل! يمكن لنا أن نجتمع ثانية عندما تستعيد هدوءك.

لا تسمح له أبدًا بأن يرى بأن أسلوبه طبيعي ولا تتفاوض معه وهو بتلك الحالة، وإلا فإنك ستقع تحت ضغطه.

الانتزاع فى آخر لحظة

وأيضًا لديه أسلوب آخر؛ مثلًا أنت ستسافر بعد بضع ساعات، ستجده يماطل طوال الوقت ولن يتحدث عن بنود واضحة. ولكن في آخر لحظة، عندما اقترب جدًّا وقت سفرك، هنا سيبدأ هو بالمفاوضة بكل قوته، وسيضغط عليك للاتفاق، بتلك الطريقة سيكون ضغطه عليك قويًّا جدًّا وقد تقدم تنازلات كي تتمكن من الانتهاء والاتفاق قبل السفر.

الحل للتعامل مع هذا الشخص هو أن تكشفه من البداية.

لو كنت ملتزمًا بموعد محدد، فعندها لا تسمح بالتأجيل، ولا تترك التفاوض لآخر الاجتماع، يمكن أن تقسم البنود وتتحدثان عنها، جزءًا بعد الآخر.

  • المتنمر

الشخص الثاني هو الانتقامي العدواني، الذي يحب اختلاق المشكلات.

المقايض الصارم

تجده مثلًا يبدأ بموقف غير عقلاني، يتعامل معك بصرامة ولا يقبل بأي تنازلات. لو كنت جاهلًا بطبيعته وليس لديك الخبرة فقد تضطر لتقدم تنازلات أمام تلك الصرامة.

لو قابلتك تلك الشخصية وبدأ معك بذلك الأسلوب، بالغ أنت أيضًا في الاتجاه المعاكس، اطلب أكثر بكثير من المتوقع، بذلك أنت ستوسع مجال التفاوض الخاص بك؛ لأنك إن قللت القيمة الحقيقية التي تريدها لن يكون لديك مجال كبير للمناورة وستقبل بأقل مما كنت تطمح إليه.

يمكن أيضًا أن تتعامل معه بطريقة النظرات؛ فلو قال لك مثلًا سعرًا غير معقول، انظر إليه من دون أن تقول أي كلمة، وكأنك تقول: ما هذا هل أنا أتعامل مع شخص لا يفهم شيئًا أم ماذا؟! أو يمكن لك مع النظرة أن تقول له: هل هذا هو عرضك النهائي؟ مع نظرة ثانية تظهرك مستغربًا من دون أن تضيف أي كلمة أخرى. بذلك تكون قد وصّلت له رسالة مضمونها: إما أن يتصرف بعقلانية وإما أنك لن تكمل الصفقة.

الضعيف السلبي والمرضي للجميع

ثالث ورابع شخصية، هما الضعيف السلبي والمُرضي للجميع، وهما بالطبع لن يكونا مشكلة لو وُاجدا بالطرف الآخر، ولكنهما مشكلة لو كنت أنت من تمتلك تلك الشخصية.

قل "لا" بحزم

لو لديك صعوبة بأن تقول "لا" ودائمًا ما تقول "نعم"، فأنت مفتقد لمهارة الحزم وتحتاج أن تتعلمها. فمثلًا لو كان لديك عميل طلباته كثيرة أو أنه يحاول طلب أشياء غير متبعة في الشركة؛ رد عليه بهذه الطريقة، قسم ردّك لثلاثة أجزاء:

  •  قُل "لا". 
  •  وضح له لماذا رفضت باختصار.
  • قدم بدائل.

أنت تشعر بالإحراج لأن موضوع الحديث يكون عن كلمة "لا" أو عن التبرير؛ ولذا ستسهل على نفسك لو قدمت جزء البدائل.

 لا تجعل التبرير هو موضوع التفاوض، شتته بالبدائل، رشح له حلًّا مناسبًا لطلبه، وانقل التفاوض والكلام لتلك المنطقة، وقد يوافق الشخص على الأرجح لو أنك قدمت له بديلًا.

لو أراد عميل فترة ضمان إضافية، غير متاحة إلا مع العقود الطويلة بذلك تكون قدمت له بديلًا، فإما أن يختار البديل أو يقبل بالحل الحالي وبذلك تكون أنت قد حسنت وضعك، أو أن يرفض وبذلك يكون الرفض وكلمة "لا" قد جاءت من طرفه.

المواجهة بلطف

في بعض الأحيان تحتاج أن تواجه أمرًا ما غير موافق عليه، هناك بعض النقاط يمكن أن تطبقها ستساعدك.

  • أولًا صف بموضوعية السلوك غير المرغوب الذي لا يعجبك.
  • ثم حدد الآثار السلبية للسلوك من دون أن تهاجم الشخص الآخر حتى لا يسد أذنيه ويأخذ موقفًا دفاعيًّا.
  • لا تتصرف وكأنك تلقي محاضرة، لا يوجد شيء مكروه أكثر من الشخص الذي يتحدث مع الناس بتعالٍ أو بأسلوب وعظي.
  • لو أن الطرف الآخر لديه تعليق، استمع له ولا تحاول مقاطعته.
  • أخيرًا قدم الحل أو توقعاتك لاتفاق أفضل في شكل بنود محددة.

التوصل لحل

بذلك نكون انتهينا من النقطة الثانية من التفاوض، ولننتقل الآن لخطوة التوصل لحل. لدينا خمس تقنيات يمكنك استخدامها كي تصل لحل في صفك.

  • استمع

استمع وركز جدًّا في الكلام الذي يقوله الطرف الثاني. استمع خاصةً للجمل الشرطية مثل أن يقول لك: "ماذا لو…" – "بفرض أن هذا حصل ..".

 لا تتجاهل هذا الكلام، أو تهاجمه ربما يكون الطرف الثاني يلمح لإمكانية التحرك باتجاه معين، لو تجاهلته يمكن أن يتراجع وتخسر فرصة كانت متاحة لك.

أيضًا يمكنك إعادة صياغة كلامه بصيغة سؤال أو كأنك تتساءل وتريد أن تسمع منه التأكيد. لو قال لك مثلًا إن ثمن هذه السيارة هو ١٠٠ ألف جنيه. يمكن أن تقول له إذا أنت تعرض هذه السيارة للبيع مقابل ١٠٠ ألف؟!

عندما يسمع تلك الجملة من الممكن أن يقوم بتحسين عرضه لأنه سيعتقد بأن استجابتك تلك سلبية على العرض، أو يمكن أن يحاول تبرير موقفه وتبرير السعر وهذا سيمنحك فرصة أن تتحدى افتراضاته تلك وتكون مدخلًا لك للتفاوض.

  • تأطير القضية

أيضًا حاول أن تأطّر القضية لصالحك.

الناس يفكرون وفق شيء اسمه الإطار العقلي – لو أن هناك عالِمَ اقتصادٍ وعالِمَ اجتماعٍ وأحضرت لهما شخصًا من دولة ما، فستجد بأن الأول سينظر إليه من ناحية نصيبه مثلًا من الدخل القوي لدولته، وستجد العالم الثاني سينظر إليه من ناحية الاستقرار الأسري والخصائص السكانية للدولة التي يعيش فيها. إذ يرى كلا العالِمين الشخص نفسه، ولكن كل واحد بإطار عقلي مختلف.

أنت كمفاوض ستكتسب ميزة كبيرة جدًّا لو تمكنت من جعل الطرف الثاني ينظر للقضية من منطلق الإطار الخاص بك.

 مثلًا لو أنك تتفاوض مع موظف حول الراتب، لو تمكنت من أن تأطر الموقف من خلال جودة ما تقدمه الشركة وليس قيمة ما تدفعه فستكون بذلك بموقف أفضل.

أو لو أنك تبيع منتجًا والشخص المقابل لك يراه غالي الثمن، إن استطعت أن تعيد تأطير القضية في رأسه وتبعدها عن المال فمثلًا، تجعل كل كلامكما عن الأداء، أداء المنتج وفائدته ستكون في موقف أفضل.

الشخص الذي لديه القدرة خلال التفاوض على فرض نظرته لتأطير القضية ودفع الطرف الآخر لأنْ يتفاوض من منطلق الإطار الذي وضعه، ستكون له اليد العليا في النهاية.

  • وضع سعر مرجعي

هناك ما يسمى بالسعر المرجعي، ومعناه بلغة التفاوض هو نقطة المرجعية التي يدور النقاش حولها، الشخص الذي يستطيع تحديد السعر من البداية يحصل على ميزة مهمة.

 مثلًا ذهبت لشراء سيارة فقال لك الوسيط إن سعرها هو مليون جنيه، هذا سيكون السعر المرجعي والذي سيتم التفاوض على أساسه، أنت ستحاول أن تقلل السعر، ستعتقد بأنك حصلت على صفقة موفقة لو قللت من ثمنه ٢ في المئة.

السعر المرجعي كما رأينا يخلق فكرة عن النتائج المحتملة والشخص الذي يفرضه يمكنه توجيه الصفقات في الاتجاه الذي يرغب فيه؛ فلو قال لك مليون جنيه سيكون التفاوض حول المليون جنيه لو قال لك ٩٠٠ ألف سيصبح التفاوض حوله وهكذا.

حسنًا! ما الذي يمكنك فعله في موقف كهذا؟ 

تجاهل تمامًا السعر المرجعي الذي قاله، وحاول أن تفرض سعرك المرجعي، ممكن أن تقول مثلًا متوسط سعر السيارات من هذا النوع هو ٨٠٠ ألف وتدفعه لكي يقوم بالتفاوض من خلال سعرك المرجعي.

  • الوقت والضغط

من المهم أيضًا، أن تقرأ الدلالات المتعلقة بالوقت التي تحدث في أثناء التفاوض، حاول أن تستشف مثلًا مدى تقيد الطرف الآخر بوقف معين.

  • هل بدأت الإجراءات تسير بوتيرة أسرع، والكلام يصبح أسرع كي يصل الطرف الآخر للناتج بسرعة.
  • هل كان موقفه الأولي متشددًا وبعد فترة أصبح لينًا أكثر.
  • أو حتى أنه أظهر علامات مباشرة توضح التزامه بوقت!

لو لاحظت أي شيء من تلك الأمور فبذلك يكون لديك وسيلة ضغط يمكن أن تستخدمها كي تضعظ على المفاوضات للتقدم بشكل أفضل لصالحك. هناك الكثير من الطرق يمكنك أن تستخدمها هنا:

  • يمكن أن توضح للطرف الآخر بأن الشيء الذي يحتاج إليه عدده محدود ويتم سحبه بسرعة.
  • أو أن توضح له أنه سيكون هناك زيادة كبيرة وشيكة في السعر.
  • أو أن تقدم عرضًا محددًا في وقت محدد.

ولكن من المهم أنك إن طبقت تلك الأساليب أن تنتبه من نقطة خلق مواعيد نهائية مزيفة؛ فلو أن العميل أو الخصم المقابل لديه خبرة كبيرة قد يتحداك أو يتجاهل موعدك النهائي، وإن مر ذلك الموعد النهائي ولم يتحقق ما قلته بذلك ستكون قد خسرت مصداقيتك.

  • عرض بدائل للصفقة

أخيرًا ليس بالضرورة أن يكون أفضل شكل للاتفاق من خلال العروض الفردية، غالبًا الصفقات الذكية تكون عبارة عن حزمة من البدائل، بتلك الطريقة لو أن الطرف المقابل غير موافق مثلًا عن عنصر واحد من العناصر، وليكن مثلًا السعر فلن يرفض الصفقة كلها لأن لديه بديلًا بمميزات أقل وسعر أرخص يمكن أن يناسبه. كلما كانت الصفقات في شكل حزم زودت فرصة إجراء صفقات مربحة للطرفين.