كتاب لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم

كتاب لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم (المؤلف: ديوك روبنسون)
"محمود" لطيف جدًّا مع كل الناس، ودائمًا يراعي مشاعر أي شخص يطلب منه أي شيء في أي وقت.
هو يعتقد أنه بهذه الطريقة سيكون لطيفًا والناس سيتعاملون معه بالمثل، ولكن للأسف ذلك لن يحدث، بل على العكس سيبني علاقات غير سوية ستؤذيه وستؤذي حياته في النهاية.
أكبر من طاقتك
إن كنت شخصًا لطيفًا؛ فأنا أعرف تمامًا كم هو من الصعب عليك أن تقول "لا"! ولكنك إن لم تقلها فسوف تؤذي نفسك وتحملها أكثر من قدرتها، حتى إن استطعت الاستمرار بالموافقة فسوف تكون غاضبًا ومنهكًا، ومع مرور الوقت ستصبح مجهدًا ومكتئبًا، وستنهار في النهاية.
لو أن شخصًا ما يطلب منك أمرًا غير مناسب أو غير ممتع أو أنك لا تملك الوقت الكافي له، ارفض بمنتهى الوضوح.
عدم قول ما تريد
اليوم عاد "عبد الحميد" من العمل ليجد أن زوجته ليست سعيدة، سيسألها ما الأمر؟ ستجيب: لا شيء!
سيكرر وتجيب الإجابة نفسها.
هي تريد منه أمرًا معينًا، ولكنها تريده أن يعرفه بنفسه!
بعد إجابتها تلك هو اقتنع بأنه لا يوجد شيء خاطئ، ولكن زوجته ستظهر عدم سعادتها بشكل أوضح، وستضغط عليه، وتشعره بالذنب، هي لا تريد أن تجعله يشعر بالذنب أو تضغط عليه، كل ما تريده هو أن يعرف ما بداخلها بدون أن تقوله..
قد ترى بأن المثال السابق كوميدي، ولكن هناك الكثير من الناس يقومون بأشياء مشابهة بطرق مختلفة.
نحن نرفض أن نقول ما نريده إما لأننا نخاف من الرفض أو نخاف أن تهتز صورتنا أمام الناس، يمكن أن نرفض المطالبة بحقنا أو نرفض عرضًا قُدِم لنا، وفي الوقت نفسه نشعر بالضيق عندما لا يقوم الطرف الآخر بالأمر الذي نرغب فيه، بالرغم من أننا لم نقل شيئًا أصلًا!
مثل "مصطفى" الذي تعرض للسرقة، سيذهب لقسم الشرطة ويبلغ عن الحادثة، سيطلب الرسام هناك أن يوصف اللص كي يقوم برسمه، ولكن كلما سأل الرسام "مصطفى" سؤالًا ما عن تفصيلة محددة في ملامح اللص، سيجيبه إجابة خاطئة، وفي النهاية ستكون الصورة النهائية المرسومة بعيدة كل البعد عن صورة اللص الحقيقية.
عندما تظهر لأحد ما شخصية غير شخصيتك، فسيكون من الطبيعي أن يأخذ رد فعل يضايقك لأنه لا يعرفك.
كبت الغضب
"حسام" يمازح "أيمن" بطريقة لا تروق له، ولكن "أيمن" سيظهر الرضا ويضحك، وبذلك لم يشعر "حسام" بأي شيء غير طبيعي، وقد يكرر ذلك. يقوم "أيمن" بكبت غضبه أمامه، ولكنه عندما يذهب سينفجر غاضبًا بأي شيء آخر، كأن يصرخ في وجه أخته الصغيرة التي لا ذنب لها.
عندما تشعر بأن شخصًا ما يسيء معاملتك أو بأنه يستغلك وشعرت بالضيق لا تكبت غضبك، عبر عن نفسك حتى لو كان ذاك الشخص إنسانًا تحبه وتخاف أن يحزن.
أعطه على الأقل فرصة أن يعرف، لأنه لن يغير سلوكه من تلقاء نفسه طالما أنه لا يشعر بأن هناك شيئًا خاطئًا.
الكذب الأبيض
"عمر" مهوس بصيد السمك حياته كلها تدور حول هذا الموضوع، اليوم سيتصل بصديقه "حسن" كي يذهبان معًا للصيد، ولكن "حسن" يكره صيد السمك ويراه نشاطًا مملًا جدًّا هو شخص لطيف؛ فسيعتقد أنه إن قال رأيه لـ"عمر" سيجعله حزينًا، لذلك سيراعي مشاعره وسيكذب كذبة بيضاء سيقول له: كنت أود لو أستطيع الذهاب معك، ولكنني سأسافر لمدة ثلاثة أيام.
"عمر" سيذهب للصيد بمفرده وفي أثناء عودته سيلتقي بـ"حسن" مصادفة وسيكتشف كذبه!
لو قال "حسن" من البداية إنه ليس مهتمًا بالصيد، لكان من الممكن أن ينزعج "عمر" في البداية قليلًا، ولكنه سيحترمه لأنه لم يكذب عليه. الكذب قد يكون حلًا مريحًا جدًّا، ولكنه هش جدًّا وسيدمر الثقة التي هي أساس أي علاقة.
عندما يطلب أحد ما رأيك في شيء ما فكُن صريحًا، ممكن أن تقول رأيك بلطف بالطبع ذلك شيء جيد، ولكن مهما كانت الحقيقة مؤلمة فهي بكل تأكيد أفضل من النتيجة التي ستحصل في حالة الكذب.
لا تكن مثل "هدى" التي كلما شعرت بألم في ضرسها المكسور والمنخور أخذت مسكنات ألم لأنها تخاف من أطباء الأسنان، المسكنات لن تمنع الألم بشكل نهائي، ولن تحل المشكلة بل ستؤجلها فقط، وبدلًا من الألم ليوم واحد عند خلعها للضرس ستتألم ١٥ يومًا مع المسكنات وفي النهاية ستذهب لطبيب الأسنان وسيقتلع ضرسها.
إسداء النصح
"منة" وأهلها انتقلوا إلى مدينة جديدة وهذا هو اليوم الأول لها في المدرسة، ستجلس بجانب "منار" الفتاة اللطيفة جدًّا، التي أحبت "منة" كثيرًا لذلك ستساعدها وستنصحها دائمًا في كل الأمور سواء الكبيرة أو الصغيرة. كانت "منة" في البداية سعيدة ولكنها بعد مدة من الزمن سترفض تلك الطريقة وستشعر بأنها تقلل من شأنها، المشكلة أن "منار" لا تعطيها أي فرصة فإما أن تقبل نصيحتها وبذلك تكون "منة" مدينة لها أو أن ترفض نصيحتها، وبذلك "منار" ستنزعج وستقول لها أنا أفعل كل ذلك لأجلك وتردين عليَّ بهذا الجحود!
وفي النهاية ستضطر "منة" إلى أن تقطع علاقتها المزعجة بـ"منار".
النصيحة المباشرة لا تساعد أحدًا بصورة حقيقة وخصوصًا لو قيلت بطريقة مزعجة أو مبالغ فيها، فستكون ردة فعل المتلقي إما أن يهرب أو أنه سيبقى، ولكنه سيخفي عنك تصرفاته لأنك حكمت عليه بأنه مخطئ.
إن قلت لأحد، أنت مخطئ، عليك أن تفعل كذا وكذا! بذلك تكون قد أصدرت حكمًا على تصرفاته وأيضًا جعلته يشعر بأنك أفضل منه، وهذان سببان كفيلان بأن يغلق آذانه ويتوقف عن الاستماع إليك في أي شيء تقوله.
قد تبدو النصيحة حسنة النية، ولكن الشخص الذي يَنصح من الصعب جدًّا أن يظهر بدون أي دافع أو أن الأمر لا يتعلق به أولًا، أو أنه فقط مهتم لأمر الطرف الآخر وليس لأنه أفضل منه، أو أن يكون الغاية من نصيحته هو جعل الطرف الآخر مدينًا له.
إنقاذ الآخرين
اكتشف "خميس" أن "جمعة" صديقه يتعاطى مخدرات، ويتصرف بطريقة ستدمر حياته.
سينكر "خميس" في البداية ما حدث وسيقول: مستحيل أن يفعل صديقي هذا الأمر..
ولكن بعد أن يتأكد من ذلك سيحاول نصحه، سيأمره بالتوقف ولكن بدون فائدة، عندها سيبدأ "خميس" بتهديد "جمعة" بأن يخبر عائلته بذلك، ولكن "جمعة" سيقاوم أكثر وينقلب الموضوع بطريقة عكسية، وفي النهاية "خميس" سييأس ويتستر على تصرفات صديقه، ويحميه بالكذب.
إن كنت تعرف شخصًا ما يرتكب خطأ فلا تحاول أبدًا حمايته؛ لأنك لن تساعده بهذه الطريقة ويمكن أن تدفعه للتصرف بطريقة أسوأ. حاول ألا توبخه، وألا تطلب منه أي شيء بصورة الأمر، بل اشرح له المشكلة ووجّه نظره للضرر الذي سيسببه تصرفه، ولا تقل له افعل كذا أو لا تفعل كذا! بل دعه يأخذ القرار ويستنتجه بنفسه، لا تتحكم به ولا تأمره!
حماية من الحزن
"ندى" توفت أمها، وهي حزينة جدًّا بسبب ذلك، "أمل" صديقتها تريد التخفيف عنها، ستحاول أن تلهيها فستحدثها عن المدرسة، أو الموضة، أو أي شيء كي تخرجها من الحالة التي هي فيها. ستحاول أن تضحكها وتنصحها بأن الحزن لن يفيدها بشيء.
ذلك كان أسوأ شيء يمكن أن تفعله لشخص حزين، إن أردتِ مواساة "ندى" بصورة غير صادقة وخصوصًا لو أنكِ لا تفهمين ما تمر به، فأريد منك تخيل هذا المشهد!
لو كنت طبيبة! وأتت إليك طفلة صغيرة مصرّة بأن القلب مكانه داخل العقل! ستقولين إنها ساذجة ولن تهتمي بأي كلمة تقولها، أليس كذلك! هذا تمامًا ما يفعله الشخص الذي لا يدرك حجم المأساة التي يمر بها الشخص المقابل له، ويحاول نصحه ويعتقد أن الكلمات القليلة التي قالها عن الصبر ستساعده على حل المشكلة، وأن الموضوع سيكون بتلك السهولة!
من الأفضل ألا تسدي إليها بأي نصائح، دعيها تعبر عن ألمها وكوني موجودة معها بصورة حقيقة وليس بصورة جسدية فقط!
الخاتمة
-
لا تحمل نفسك أكثر من طاقتها وإلا ستنفجر في النهاية.
-
لا تعزل نفسك الحقيقية عن الأشخاص الذين تهتم لأمرهم عرّفهم حقيقتك وطبيعتك.
-
الكذب كالمسكن سيجعلك تشعر براحة مؤقتة ولكنه لن يحل المشكلة بل سيؤجلها.
-
محاولتك نصيحة وحماية شخص ما بالقوة لن تحل المشكلة ولن تساعد بأي طريقة.
-
الشخص المصاب بمصيبة لا ينتظر منك أن تخبره بأن الحزن لن يفيده وبقية الكلام البديهي ذلك! دعه يعبر عن ألمه ذلك سيساعده أكثر.