كتاب المنخفض

Book-Cover

كتاب المنخفض (المؤلف: سيز غودين)

الدائرة

تجلس "منة" الآن، تذاكر، ولكنها تشعر بالسخط، فهي لا تستطيع أخذ قرار تجاه دراستها، لأنها في بعض الأحيان تشعر بأن الأمور ستتحسن وأنه عليها ألا تستسلم أبدًا، وفي أوقات أخرى كل ما تشعر به هو الإحباط وأن كل المجهود الذي تبذله ليس له أي فائدة.

أحيانًا ترى بأن الانسحاب هزيمة وأنها لو أكملت دراستها وحاربت في سبيل شيء مقتنعة به فإنها ستصل.

وأحيانًا أخرى ترى بأن الحكاية بأكملها لا تستحق الحرب وأن تلك المهمة التي تقوم بها غير مناسبة لها والأفضل أن تنسحب وتبحث عن شيء آخر.

سأتحدث اليوم عن هذه الفكرة: متى يجب على الشخص أن يكمل ما قد بدأه ومتى عليه أن ينسحب.

أنت تختار

"أسامة" يرغب بأن يكون "سباكًا"، فلنتخيل نقطتين:

  •  نقطة البداية: هي محطة النية، هو اختار أن يصبح "سباكًا"، ولكنه في هذه النقطة لا يعرف أي شيء بعد.
  • نقطة النهاية: حلمه بأن يصبح شخصًا محترفًا بمهنة السباكة ويتحول عندها من مبتدئ لمحترف، ويصل إلى هدفه.

 دعونا نرسم خطًّا بين النقطتين، الخط يشبه النفق، ولكنه نفق غريب قليلًا، بدايته نور ونهايته نور والنفق نفسه عبارة عن حفرة كبيرة، فلكي يستطيع "أسامة" أن يجتاز النفق عليه أن ينزل لعمق الحفرة ويسير إلى أن يصل للنهاية.

"أسامة" في أول النفق، حياته مضيئة ويشعر بالشجاعة وحماس البدايات وفي نهاية النفق أيضًا الأجواء مضيئة وسعيد وفخور ومتحمس بالنتيجة التي حققها.

ولكنه لينتقل بين النقطتين عليه أن ينزل للحفرة المليئة بعمليات مكررة مملة. بالرغم من أنه يكتسب المعرفة، لكنه لا يرى نتائج لحظية ولا يحصل على مكافآت عليها بصورة مباشرة.

"أسامة" يمكنه أن يكمل مترًا داخل الحفرة وييأس ويعود أدراجه وقد يكمل عشرة أمتار أو حتى خمسين وييأس، ولكن أيضًا، يمكن أن يصل للطرف الآخر، وينجح.

النفق والحفرة والمراحل الثلاث يمكن أن نطبقها على كل شيء نقوم به تقريبًا.

يمكن أن نطبقها على الطالب الذي ما زال في سنته الأولى في الجامعة وهو عند النقطة الأولى، حيث يملؤه الحماس، مرورًا بالمذاكرة المملة وأخيرًا النتيجة والشهادة التي يريد الحصول عليها في النهاية. ويمكن أن نطبقها أيضًا على المنتج الجديد الذي نزل حديثًا للسوق وأنت كمالك للمنتج متحمس ومتشجع جدًّا، ولكن بعد قليل ستشعر بالملل والفشل بسبب الخطوات والحركة البطيئة إلى أن ينجح في النهاية ويحقق مبيعات.

الانسحاب

هل معنى ذلك أن كل المطلوب مني كي أجتاز النفق هو أن أتحمل وأستمر إلى أن أصل لنهاية النفق وأنجح وستصبح كل الأمور رائعة كما أريد؟!

لا طبعًا.

أولًا ليست كل الحفر ولا كل الأنفاق تؤدي إلى نتيجة إيجابية.

هناك أنفاق ليس لها نهاية وإن دخلتها فلن تستطيع الخروج منها، وستظل محبوسًا فيها بدون نتيجة. هذه النوع من الأنفاق موجودة كي تأخذ خطوة إلى الخلف وتستدير وتخرج منها، مثلًا: وظيفة تعمل فيها منذ سنتين؛ الأمور فيها لا تتحسن ولا تسوء بل هي بمنتهى الاستقرار، ومهما ضاعفت من جهدك وتعبك فلا تلاحظ أي تغيير فيها.

كيف تعرف بأنك بداخل هذا النوع من الأنفاق والجو من حولك مظلم وممل؟

اسأل نفسك ما الذي أفعله هنا؟ لو كانت الإجابة تدور حول أن هذا اختيار مضمون وبأنك في أمان أكبر، فأنت غالبًا بداخل نفق لا نهاية له، فأنقذ نفسك واخرج منه.

لا تنسحب!

ليست كل الحفر ولا كل الأنفاق مناسبة لك ولا أنك ستتمكن من اجتيازها.

قد يكون الأمر مربكًا بالنسبة لك وترى بأن الموضوع غير مناسب لك لمجرد أنه متعب أو أنه جعلك تحت ضغط كبير.

قبل قرار الانسحاب هناك بعض النقاط التي يجب عليك مراعاتها كي لا يكون قرارك لحظيًّا أي عاطفي؛ أي اندفاعي؛ أي أنك قد لا تكون حكمت على الموضوع بطريقة صحيحة.

في بضع سنوات فائتة كنت قد غيرت مجال عملي، وعملت في مجال البرمجة، المهم أنا أعرف عددًا لا بأس به من الناس الذين يعتبرون أن الموضوع لطيف وأرادوا أن يقومون بما قمت به.

دعونا نقسم هؤلاء الأشخاص لثلاث مجموعات.

ونبدأ معهم من مرحلة النية.

  • المجموعة الأولى: هي مجموعة المقاتلين هم أشخاص يحبون فكرة البرمجة نفسها والكمبيوتر بصورة عامة أو على الأقل هم ليس لديهم مشكلة معه، سيبدؤون التعلم ويتعبون وينجحون في النهاية.
  • المجموعة الثانية: هم أشخاص لا يحبون الأمور التقنية، الفكرة نفسها غير مناسبة لهم، ولكنهم سيخدعون أنفسهم ويجبرونها على التعلم، فالشخص في هذه الحالة سيشعر بضيق شديد في أثناء التعلم ولكنه قوي الإرادة سيضغط على نفسه وسيتعلم لمدة شهر كامل في أمر غير مناسب له، وفي النهاية لن يستطيع الاستمرار ولن يصل لأي نتيجة، فسينسحب في المنتصف بعد أن أضاع شهرًا كاملًا من عمره.
  • المجموعة الثالثة: الذين هم أشخاص يعرفون أنفسهم جيدًا من البداية وبأن البرمجة شيء جميل وواعد ولكنه غير مناسب لهم، فهذا الشخص لديه القدرة على قراءة المستقبل، واستشف بأنه لن يستطيع الوصول لأي نتيجة في النهاية فقرر الانسحاب قبل الدخول أصلًا، ووفر وقته ومجهوده لأمر آخر، وهذا هو الانسحاب الثالث الذي أقصده، الانسحاب من البداية بدون أي خسائر.

لا تقم باختيار أمر غير مناسب لك من البداية ولو اخترت ونويت، عليك أن تنتبه لكل المؤشرات التي ستساعدك في قراءة المستقبل وتميزها بسرعة وتنقذ نفسك قبل أن تبدأ بها.

"حاتم" عندما كان طفلًا كان مهووسًا بكرة السلة وكان يتمنى أن يكبر، ويصبح لاعب كرة مشهورًا مثل اللاعبين الذين يشاهدهم على التلفاز، ولكنه لا يزال جاهلًا تمامًا بلعب كرة السلة، الآن بديه ثلاثة احتمالات، بأن يتصرف أحد الثلاث تصرفات:

  •  التصرف الشجاع بأن ينزل للحفرة ويحضر مدربًا ليمرنه ويحضر التمارين كل يوم لن يتغيب وسيتحمل أي ألم أو معاناة إلى أن يصبح لاعبًا ماهرًا في النهاية.
  • وهناك التصرف الحكيم بأن ينسحب وألا ينزل للحفرة أساسًا، فهو يرى بأنه غير مناسب للعبة أساسًا، فهو قصير، طوله أقل من الطول المطلوب، أو بأنه لن يتحمل التمرينات الشاقة ولن يلتزم بها، فسيختصر الموضوع وسيوفر وقته وتعبه ويتابع المباريات ويستسمتع بها ويتعامل مع ممارسته اللعبة على أنها حفرة جانبية ستمنعه من عبور حفرته الأساسية التي سيبدأ البحث عنها، وسيركز كل جهده في عبورها.
  • وهناك التصرف المتهور، الشخص الغبي الذي سينزل الحفرة ويحبس نفسه بالأسفل، هو يعلم بأن تلك اللعبة غير مناسبة معه أو أنه لا يحبها بدرجة كافية ولكنه سيتحمل الألم بصورة مستمرة في سبيلها، أو أنه لن يستطيع أن ينتظم فيها أو أن طبيعة حياته لا تسمح له بأن يكمل، وبعد مدة سينسحب انسحابًا غبيًّا ويضيع جهده ووقته، فهو لم يستمتع بالوقت ولا بالمشاهدة ولم يصل للنهاية التي أرادها ولم يحترف اللعبة.

الخاتمة

عندما تبدأ أي شيء مهم في حياتك، سترى بأن الموضوع جميل وستكون متحمسًا، ولكنك ستقع في حفرة، وبعد عبورك الحفرة سيكون الموضوع جميلًا مرة أخرى، وسيكون أجمل من البداية أيضًا لأنك ستحصل على النتيجة!

المشكلة كلها في الحفرة!!

هل ستتمكن من اجتيازها! وهل أنت مؤهل أن تتحمل التعب والعناء إن كنت كذلك فرائع! أكمل!

 أم أنك لن تتمكن من اجتيازها وستحبس نفسك في الأسفل وفي النهاية ستنسحب وتخسر!

 دائمًا انظر إلى الحفرة من الأعلى وقرر إن كانت مناسبة لك أم لا! وإن كانت غير مناسبة فابحث عن حفرة أخرى تكون مناسبة وتكون لديك القدرة على اجتيازها.