كتاب علم نفسك التفكير

Book-Cover

كتاب علم نفسك التفكير (المؤلف: إدوارد دي بونو)

العام والمحدد

كان هناك قرد صغير يلعب الغابة، ولكن لسوء حظه أمسك به الصيادون وحبسوه داخل قفص.

القرد مستاء جدًّا ويريد الهروب واستعادة حريته. كان القرد يشاهد الصياد كل مرة يفتح القفص بمفتاح؛ فسيفكر جاهدًا لإيجاد طريقة كي يسرق المفتاح، ولكنه في النهاية سييأس لأنه لم يستطع وسيفقد الأمل تمامًا بالهروب. 

القرد بدأ بداية خاطئة ورأى بأن مشكلته هي في المفتاح إلا أن مشكلته هي القفص كله بصورة عامة، ولكنه عندما بدأ بمعطيات محددة وبتوصيف محدد للمشكلة قلل فرصته في حلها ولأنه لم يستطع الحصول على المفتاح اعتبر بأنه لا يوجد حل للمشكلة، بينما لو أنه بدأ بدون تحديد أي تفاصيل معينة للمشكلة لكان زوّد فرص وصوله لحل. 

كان ربما سيحاول خلع باب القفص أو الشباك الكبير أو حتى الحفر في الأرض، ولكن تركيزه كله كان منصبًا على الحصول على المفتاح.

غالبًا عند مواجهتك للمشكلات ستجد نفسك تركز على التفاصيل المحددة، اخرج خارج التفاصيل وانظر للمشكلة بصورة عامة. أول مهارة سأتحدث عنها اليوم هي مهارة الهروب من المحدد للعام. عندما يواجهك أي تحدٍ لا تجعل تركيزك منصبًا على التفاصيل أبدًا، بل انظر للمشكلة بصورة عامة جدًّا.

فمثلًا لو أنك قلت: مشكلتي هي أنني أحتاج ١٠٠ جنيه كي أتعلم كذا. اسأل نفسك هل تلك هي مشكلتك فعلًا؟ أم أنك بذلك حددت تفاصيل المشكلة؟

ربما عليك أن تقول بدلًا من ذلك: الحقيقة أنني أحتاج أن أتعلم كذا، سواء قمت بذلك عن طريق ١٠٠ جنيه، أم عن طريق العفريت الأزرق! ولكن بمجرد تحديدك لطريقة معينة بجانب المشكلة العامة بذلك تكون قد أضعت البدائل وصعّبت الحل على نفسك.

لو لدي صورة انكسرت نصفين، وقلت لنفسي: أنا أحتاج بعض الصمغ كي ألصق هذين الجزءين. 

هنا التوصيف محدد جدًّا الصمغ هو الحل فإن لم يتوفر فذلك معناه بأنه لا يوجد حل، ولكن عندما أقول أنا أحتاج أن ألصق هذين الجزءين بأي طريقة، هنا أنا أوصف الموضوع بطريقة شاملة وحتى لو أن الصمغ غير موجود، فيمكنني أن أبحث عن طرق بديلة أخرى ويكون لدي مرونة أكبر.

نحن معتادون على فكرة أن الدقة هي الأمر الصحيح في وصف التحديات والمشكلات حتى في أثناء تفكيرنا بيننا وبين أنفسنا ولكن تلك الطريقة ستحبسنا داخل دائرة صغيرة وستقلل الخيارات الموجودة أمامنا. 

الأفضل أن تنتقل من الواضح المحدد للمشوش. نعم! المشوش هو ما سيجعلك تبحث بمرونة أكبر وسيتيح لك خيارات أكثر بكثير، بينما المحدد الواضح سيكون خيارًا واحدًا فإن لم تستطع الحصول عليه فبذلك لن تستطيع حل مشكلتك.

التصور

يتابع "يوسف" قناة اسمها "أخضر"، واليوم عندما وصل للمنزل ووصّل هاتفه بشبكة الإنترنت، ظهر على شاشة هاتفه إشعار بأن هناك حلقة جديدة نُشِرت، "يوسف" سيضغط على الحلقة وستبدأ الحلقة من الدقيقة صفر.

لاحظ أن "يوسف" لديه سلطة بأن يرى المستقبل- بالنسبة للحلقة- فهو يستطيع تمرير المؤشر وتقديم التوقيت ومشاهدة نهاية الحلقة مثلًا! 

المهارة الثانية هي التصور، بأن تتخيل وجود مشغل مقاطع فيديو في رأسك وأن تضغط على زر التشغيل وتسحب المؤشر لتشاهد المشهد في المستقبل، وترى الأشياء هناك ستصل إلى أين! 

ستجلس مع نفسك وتستخدم مخيلتك لتبني تخيلات مركبة لتشاهد إلى أين ستوصلك الفكرة في المستقبل، فتتخيل حدوث أمر وتسأل نفسك ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وماذا سيحدث كرد فعل عن ذلك وهكذا. من الممكن أنك لن تكون دقيقًا في تخيلك كثيرًا أو قد يكون هناك جزء من تصوراتك ليس صحيحًا، ولكن عليك أن تتخيل التجربة وتستعرضها في رأسك وتقدّر ما قد يحدث.

ما الذي سيحدث لو أنني صبغت حذائي باللون الأبيض؟ سيصبح شكله أجمل، هل سيصبح معرّضًا أكثر للاتساخ؟ هل لدي القدرة على تحمل تنظيفه المستمر؟ 

موجهات الانتباه

بفرض أنك تريد شراء هاتف جديد، ولكنك في حيرة من أمرك بين شركتين، وطلبت من "أدهم" المتخصص بالهواتف بأن يقوم بمقارنة بين الهاتفين اللذين يعجبانك. وقمت بدفع المال مقدمًا مقابل تلك الخدمة، سيعود إليك "أدهم" بعد ثلاثة أيام ومعه ورقة صغيرة فيها مقارنة من بضع نقاط فقط.

ستقول له: ما هذا! دفعت لك المال كي تعطيني هذه المقارنة البسيطة، وستطلب منه أن يقوم بالمقارنة مرة ثانية، ولكن هذه المرة ستستخدم التوجيه، ستعطية ورقة بها أسئلة شاملة لكل النقاط التي تريد معرفتها:

  • ما قياس الشاشة؟ 
  • ما دقة الشاشة؟
  • ما مساحة التخزين للهاتف؟

 وغيرها من الأسئلة الشاملة لكل نقطة ترغب بمعرفتها.

عندها سيعود إليك بمقارنة تناسبك تمامًا.

قد ترى بأنك قادر على تغطية أو توجيه الانتباه داخليًّا، ولكن عمليًّا فأنت لن تستطيع فعل ذلك وهناك أشياء ستفلت منك وستنساها.

المهارة الثالثة هي الأسئلة الموجهة للانتباه، التي عليك استخدامها عند تحديدك لأبعاد المشكلة كي تتمكن من تغطية كل النقاط التي تريدها.

التمييز والمطابقة

 تعمل "رنا" كابتن طائرة، في بداية الرحلة تقود الطائرة بنفسها، ولكنها بعد ذلك ستشغل وضع الطيران الآلي. هذا النظام سيكمل الرحلة بدون تدخل منها إلى أن يصلوا إلى الوجهة المطلوبة.

ما حدث في المثال السابق هو تقريبًا نفس طريقة عمل الدماغ، فعندما تتعلم قيادة السيارة في البداية ستمر بمرحلة التمييز. أنت تتعلم القيادة لأول مرة، عقلك سيفكر قبل كل عملية تقوم بها، بداية من التفاتك لجهة اليمين واليسار وصولًا لتغيرك النقالات، ولكنك بعد مدة من الزمن ستعتاد على الأمر وستدخل في مرحلة المطابقة وستقود السيارة وتأخذ رد فعل بدون تفكير، أو على وجه الدقة بأقل مجهود عقلي ممكن.

عندما يواجه عقلك أي تحدٍ جديد، ليس لديه أي خبرة عنه سيبحث في الملفات الموجودة في داخله عن أي حل لمشكلة مشابهة فإن لم يجد فسيعمل ويبدأ بخلق نمط جديد لحل تلك المشكلة، ومن ثم يحفظها باسمها. كي لا يكرر تكوين وظائف متشابهة، في المرات التالية عندما يواجه مشكلة مشابهة سيستخدم نفس آلية الحل القديم من الذاكرة.

ولكنْ؛ هناك أمر مهم يجب الانتباه له، وهو أن اعتماد العقل على تلك العملية وبالذات عندما تتم بصورة غير دقيقة بما يكفي فذلك سيغطي على جزء كبير من الإبداع.

المهارة الرابعة هي عدم التسليم للأنماط وصورها بصورة مطلقة. يجب أن يكون لديك مرونة كسر الأنماط وعدم التسليم بها بشكل مطلق طوال الوقت.

فليس من الضرورة بأن الحل الذي نجح مرة سينجح كل مرة مع كل شيء أو أنه لا يحتاج لتحديث أو أنه كافٍ لبقية حياتك.

 شخص ظهر لك من بعيد وبدأ بالتلويح لك! أنت لست متأكدًا بعد من هويته وباقترابه ستبدأ بعض ملامحه بالظهور وستخمن من هذا الشخص ولكنك لو جزمت بصورة نهائية بالرغم من عدم رؤيتك الواضحة له فهناك احتمال كبير أن تخطئ وهذا يعتبر قصورًا في تفكيرك، الأفضل أن تقتنع بأنه مجرد تخمين. يمكنك أن تخمن كيفما تريد، وقلل تخمينك كلما اقترب منك إلى أن تتأكد من هويته عندما تستطيع أن تقول: أجل هذا "عبد السلام" صديقي.

لا تسلم مسبقًا لأي حل أو نمط معين لمجرد رؤيتك له من بعيد وإحساسك بأنه صحيح جرب وخمن وقلل الاحتمالات شيئًا فشيئًا إلى أن تتأكد من أنه الحل المناسب.

الخلاصة

  • ما مشكلتي الأساسية؟ 

كي لا أغرق نفسي بالتفاصيل سأسأل نفسي ما الهدف الذي أريد الوصول إليه، وهذا سيكون هو مشكلتي التي سأجد لها حلًّا.

  • المرحلة التالية هي مرحلة المعلومات سواء المعلومات التي أملكها أو التي أحتاج إلى معرفتها.

سأجمع المعلومات من الإنترنت، أنا لا أبحث عن إجابات لأسئلتي الآن بل ما زلت أجمّع الأسئلة نفسها وأحاول أن أصبح ملمًا بتفاصيل المشكلة بشكل أوسع. لم تأتِ مرحلة اختيار الحلول بعد ولو فعلت ذلك في هذا الوقت سأكون قد خسرت حلولًا وإجابات عن أسئلة ما زلت أجهلها.

  • كيف أحل المشكلة؟

سأبدأ بالإجابة عن الأسئلة التي كنت قد جمعتها من المرحلة السابقة وأتخيل تبعات اختياراتي.

  • كيف سأطبق الحل على أرض الواقع؟

 قبل أن آخذ القرار العملي سأتأكد من توفر هذا الحل على أرض الواقع، وسأقرر ما أنسب طريقة لتنفيذ الاختيار.