كتاب فن أن تكون دائما على صواب

Book-Cover

كتاب فن أن تكون دائمًا على صواب (المؤلف: أرثر شوبنهاور)

كانت هناك قبيلة تمتلك بئر ماء؛ فأتت قبيلة ثانية عرضت عليها أن تشاركها ماء الشرب. وافقت القبيلة الأولى، لكن بعد مرور زمن ازداد عدد الناس وأصبح واضحًا أن البئر لن تكفيهما معًا. وفي النهاية انتهى الموضوع بإعلان كل قبيلة الحربَ على الأخرى.

إن سألتك يا تُرى أي قبيلة ستكسب هذه الحرب؟ هل القبيلة صاحبة الحق التي هي صاحبة البئر الأصلية؟ أم أن الحق هنا لا علاقة له بالطرف الذي سينتصر، وأن القبيلة التي تمتلك أسلحة وجنودًا أكثر هي التي ستنتصر؟!

يعدُّ النقاش أو الجدال معاركَ كلامية مثل المعارك الحربية بالضبط، ليس شرطًا أن الطرف المُحق هو الذي سيكسب المعركة، ولكن من سيفوز هو الطرف الذي يملك ترسانة أسلحة قوية يهاجم ويدافع بها.

سأتحدث اليوم عن تلك الأسلحة وعن أنواعها وكيف تقوم الأطراف بالمهاجمة والدفاع، لكي تتمكن من رؤية الضربات في وسط الكلام وحماية نفسك من الطعن إن تعرضت في يوم من الأيام لمعارك مشابهة.

هدف كبير

يتعلم «هيثم» و«خالد» الرماية، ويحاولان التصويب على هدف على بعد ٥٠٠ متر. «هيثم» هدفه كبير جدًّا لدرجة أنه لو وجّه بندقيته لأي مكان سيصيب الهدف بمنتهى السهولة، لكن «خالد» هدفة صغير جدًّا لدرجة أنه لا يستطيع رؤيته أصلًا؛ فبالتالي ستكون إصابة مهمته شبه مستحيلة.

الجزء الذي تتكلم فيه أو تدافع عنه حاول أن تجعله محددًا جدًّا وضيق المعنى لأصغر مدى، على عكس الجزء الخاص بخصمك، قم بتأويله بأكبر معنى ممكن وعمم كلامه كي يشمل أكبر جزء ممكن. كلما كانت مساحة هدفك أكبر كانت إصابته أسهل، وكلما كانت مساحة الجزء الذي تحميه صغيرًا سيكون من الصعب إصابته.

  • نقول مثلًا كل الرجال كاذبون، هنا الهدف كبير جدًّا ولو أحضرتُ دليلًا واحدًا لرجل واحد صادق بذلك أكون هدمت الجملة بأكملها.
  • ولكن عندما نقول «محمد» كاذب، الهدف الآن صغير جدًّا وفرصة إثباته أصبحت أقل وأصعب.

دليل واحد

كانت هناك دولة في حالة حرب، ولديها حائط صد من الصواريخ يحميها من طائرات العدو لمسافة ١٠ كيلو مترات، أي طائرة تدخل هذا المدى تقصف وتسقط.

تلك الدولة طالما أنها تحارب داخل المساحة المحمية فهي الرابحة في المعركة، وإن أرادت الدولة الأخرى النصر عليها يجب أن تستدرجها خارج المساحة الآمنة.

خصمك يبدأ كلامه بإثباتات قليلة ومحمية، دورك يكمن في دفعه لأن يتطرف في رأيه، ويحاول أن يثبت صحة كلامه ويستشهد بعشرة مصادر وليس بمصدر واحد.

ادفعه لكي يبالغ وفي أثناء مبالغته وبنائه للمبنى سيستشهد بمصادر ضعيفة، ستستفيد منها أنت في هدم المبنى بأكمله.

اختر مصدرًا واستشهادًا ضعيفًا قاله، وركز كل هجومك عليه، أنت لست مضطرًا للرد على كل الكلام ابحث عن الكلام الخاطئ والضعيف وهد به كل كلامه.

وإياك أن تقع في ذلك الخطأ نفسه، اجعل كل كلامك كلامًا محسوبًا ومدروسًا، وليس مهمًّا أن تستشهد بمائة مصدر لتثبت صحة كلامك، ابحث عن مصدر واحد قوي واستخدمه فقط.

الاستجواب

«صلاح» شخص ثقيل الظل، يريد أن يطلب شيئًا من صديقه ويريده أن يوافق، سيتصل عليه هاتفيًّا وأول شيء سيقوله: 

  • أين أنت؟
  • هل أنت مشغول أم لا؟
  • ماذا تفعل؟ 
  • هل لديك أمر مستعجل اليوم؟ 

سيحاول أن يجمع معلومات عن طبيعة يوم صديقه لكي يستخدمها عندما يقول طلبه، ويطلب منه بصورة يصعب الهروب منها.

أسهل طريقة للحصول على التنازلات وتجميع المعلومات هي الاستجواب، ولكن من المهم أن تكون هناك غيمة كبيرة من دخان المقدمات لكي تخبئ خلفها الدوافع والنتيجة التي تريد الوصول إليها.

وعليك أيضًا أن تقسم الأسئلة لأسئلة صغيرة وغير مترتبة. فبدلًا من أن يطلب المحقق من المتهم أن يجيب عن سؤال: ما الذي قمت به في يوم الجريمة؟

  •  سيسأله: أين ذهبت؟
  •  من كان معك؟ 
  • متى حدث ذلك؟
  • كيف وصل؟ 

أسئلة فرعية صغيرة ستسمح لك بتجميع معلومات متسلسلة عن خصمك من دون أن يعرف ما غايتك من ذلك.

نظري وعملي

«فادي» يقول لـ«عمر»: ما تقوم به حقًّا سيئ، عليك أن تعامل الناس بطريقة أفضل!

بالطبع «فادي» معه حق و«عمر» لا يمكنه مناقشة حجته تلك لأنها قوية جدًّا وصعب الهجوم عليها.

سيرد عليه: أنا متفق مع كلامك نظريًّا، ولكن عمليًّا هذا الأمر لا يمكن تطبيقه.

الهروب أعاد صياغة الكلام بحيث جعل الطرف الآخر يشعر بالانتصار وبأنه موافق على كلامه، ولكنه هاجم قلب الفكرة نفسها وقضى عليها من الداخل.

المقاطعة

 يمكن أن نشبّه النقاش بكرة تسقط من قمة جبل كلما كان وقت سقوطها أطول أصبح مقاومتها أمرًا أصعب، لذلك نحتاج إلى مقاطعة الكلام وقطع حبل الأفكار والرابط العاطفي الذي يتم بين الفكرة وصاحبها والعناد الموجود بين الطرفين.

عندما تشعر بأن الطرف الآخر سيطر على الجدال ليس أمامك سوى التشتيت. شتته وأوقف النقاش بسرعة وانتقل لنقطة جديدة.

قل له: أجل ولكنني أود أن أضيف نقطة مهمة جدًّا، وتحدث عن جزء جديد تمامًا.

«محمود» في أثناء عودته ليلًا فاجأه كلب ضخم واتجه نحوه، «محمود» سيرمي أي شيء بين يديه باتجاه بعيد عنه ويتمنى أن يركض الكلب خلفها لينشغل بها ريثما يهرب وينجو بجلده.

الصوت العالي

«عبير» و«منة» في مناظرة متلفزة، «عبير» استغلت الفرصة وقبل المناظرة أظهرت عدم الاحترام لمنة وتجاهلتها وتعاملت معها بتعالٍ.

كل ما كانت تريده هو أن تغضب «منة» بحيث إنه عند بدء النقاش «عبير» ستكون عقلانية وستتحكم بكلامها أما «منة» فستتمكن منها عاطفة الغضب وستسيطر عليها.

الغضب أو العواطف المحفزة تؤثر في الناس وخصوصًا لو تمت بصورة مفاجئة؛ فإنها تقلل من قدرتهم على المنطقية وترتيب الأفكار. الشخص في هذا الموقف سيندفع معك بالصورة التي تريدها وحتى وإن هدّأ من روعه بعد ذلك فيكون الأوان قد فات لأنه قال ما قال وأفلت لسانه معلومات غنية جدًّا، كان من الصعب جدًّا عليك الحصول عليها في الحالات الطبيعية.

الصوت العالي دليل ضعف الموقف، لو تمكنت من دفع خصمك للغضب، عندها سيكشف عن نقاط ضعفه التي ستمكنك من الهجوم عليه بها.

المصالح أولًا

«شروق» اكتشفت بأن زوج أختها «رباب» لص، أول شيء ستفعله هو أن تظهر الأدلة التي تملكها وتريها لأختها، ولكنها ستتفاجأ بأن أختها لن تصدقها. 

ستتجاهل العقل تمامًا ويمكن أن تصدق أدلة غير منطقية بالرغم من أنه يوجد أمامها أدلة منطقية، لمجرد أن هذا ليس لصالحها أو أنه سيشكل ضررًا كبيرًا لها.

لو كنت تتناقش مع شخص واستطعت أن تفهمه بأن هذه الحجة هي لمصلحته وعكسها سيسبب له الضرر، ستجده يراها بأنها حجة قوية وجيدة مهما كانت ضعيفة.

مصالح الناس نقطة ضعفهم وتحركهم أقوى مئة مرة مما يحركهم عقلهم.

الضحك والمنطق

«وائل» تورط في جدال وبعد بضع دقائق اكتشف بأن الطرف الآخر أقوى منه بكثير، وأكثر منه علمًا ولو أكمل معه بهذه الطريقة فسيخسر، لذلك سينقل الجدال بدلًا من أن يكون بينهما سيجعله بينه وبين الجمهور.

الجماهير عاطفية ولا تفكر بمنطقية؛ فلو كان الشخص المقابل لك يملك حجة قوية، وأنت رددت عليه بحجة ضعيفة وغير صحيحة ولكنك وجّهتها للجمهور، وقلتها بصورة مضحكة عندها ستكسب الجدال من وجهة نظر الناس.

لا أفهم

اليوم في الفصل الدراسي، كان هناك طالب يتناقش مع مدرسه عن قضية كان المدرس متبنيًا لها.

المدرس لا يملك ردًّا فسيقول: ما تقوله لا أستطيع فهمه، فهو أكبر من قدرتي على الاستيعاب.

هنا، المدرس بدلًا من أن يخسر المناظرة، سيستهزئ بالطالب، وسيوصل فكرة لبقية الطلبة أن ما يقوله هذا الطالب هو مجرد حماقات ليس لها أي معنى.

التظاهر بعدم الفهم سلاح قوي؛ ولكن عند استخدامك لهذا الأسلوب عليك أن تكون متأكدًا بأن الحضور يعرفون تمامًا بأنك أكبر من خصمك وإلا فسيكون سلاحًا عليك وليس معك.

نقطة الضعف

«كريم» يصطاد السمك، وقد مضى نصف ساعة وهو منتظر أن تلتقط صنارته أي شيء! وفجأة شعر بأن شيئًا ما علق بالصنارة. هنا، عليه أن يشد الصنارة بسرعة وإلا فإن السمكة ستأكل الطعم وتترك الخطاف وتهرب.

في المجادلة وأثناء طرحك لسؤال ما أو حديثك بموضوع معين إن شعرت بأن الخصم يتهرب ويحاول تغيير الموضوع أو أنه يرد بصورة غير مباشرة اعلم بأنك اقتربت من نقطة ضعف، وأنه عليك أن تصر على تلك الجزئية وتركز كل كلامك عليها.

  • فتقول: أجل ولكنك لم تجب عن سؤالي!
  • هل تحب أن أعيد صياغة السؤال؟ 
  • سأكرر السؤال مرة ثانية؟

تصنيف سيئ

دعنا نتخيل شخصًا يمشي في الشارع ويكلم الناس أو يقترح عليهم شيئًا. ولكن الناس يرونه بصورة شيطان بقرون وذيل، هل ستجد أحد يثق فيه أو يصدق أي شيء من كلامه، بغض النظر إن كان كلامه صدقًا أم كذبًا؟! 

ليس مهما ما يقوله الطرف الثاني إن استطاع الطرف الأول أن يشكك في نيته ويتهمه بالإلحاد أو العنصرية أو يتهمه بالجنون، خيانة الوطن، أي تهمة أو تصنيف تجعله هو وأفكاره في خانة سيئة السمعة عند الناس.

بهذه الطريقة مهما حاول ذلك الشخص الدفاع عن نفسه، سيستمر الناس بالنظر إليه بشك وريبة ولن يصدقوا كلامه مهما قال.

كلام ضخم

يمكنك أن تنوم خصمك مغناطيسيًّا بأن تستخدم كلمات ومصطلحات ضخمة وتفترض بنتهى الثقة بأن ذلك شيء بديهي وأنه بالطبع يفهم ما تقوله، وبذلك ستحرجه ولن يقول بأنه لا يفهمك!

 فتقول: «آخر الدراسات السوسيوفسيولوجيا تقول كذا كذا وهذا شيء بالطبع أنت تعرفه، وبالتالي الموضوع آمن جدًّا للقيام بكذا».

الناس لا يحبون أن يظهروا بأنهم غير أذكياء أو غير مثقفين وعندما تقول شيئًا معقدًا، ولكنك تفترض بأنه بسيط جدًّا وهو وكل الناس بالطبع يعرفونه سيخاف أن يُناقِشك في تلك الجزئية. أهم ما في الأمر أن تقوله بمنتهى الثقة.