كتاب كيف تكذب باستخدام الإحصاءات

Book-Cover

كتاب كيف تكذب باستخدام الإحصاءات (المؤلف: داريل هوف)

٨٢٪ من الناس يكونون أكثر ميلًا لتصديق أي معلومة لو وُضِع قبلها نسبة مئوية أو رقم تحديدًا.

المعلومة السابقة غير صحيحة ولكن وقعها على الأذن والعقل قوي بسبب الأرقام المئوية! 

ولو تخيلنا أن تلك الإحصائية حقيقية، أي قمنا باستبيان والنتيجة كانت النسبة نفسها تلك فعلًا! فهل النتيجة تعبر عن الواقع؟

معظم الناس يرون بأن الأرقام لا تكذب، ويعتقدون بأن الأرقام محايدة وهذه نقطة ضعف يمكن استغلالها لخداعنا والكذب علينا.

أنا هنا لا أقصد الكذب المباشر أو استخدام أرقام غير حقيقية ولا إحصاءات لم تتم، الكذب سيكون بأرقام حقيقية وإحصاءات ودراسات غير مزورة، ولكنها وُظِفت بصورة لتوصل للاستنتاج الذي أريده أنا في النهاية.

 الكذب باستخدام الإحصاءات منتشر جدًّا، سواء الذي يقوم به كان سياسيًّا يريد دعم الناس، أو شركة تجارية تروج لعملها.

عينة غير كاملة


قبل الانتخابات الرئاسية أغلب الاستفتاءات كانت تشير لنجاح "زكية" على "عباس" وأصبح الأمر مسلمًا به، فقد كانت المسألة مجرد مسألة وقت و"زكية" ستصبح رئيسة الجمهورية، لكن عند الانتخابات الحقيقية الكثير من الناس سيتفاجأون بفوز "عباس" على عكس كل الاستبيانات التي تمت.

لكي تقوم بإحصائية سيكون من الصعب جدًّا أن تجمع آراء سكان الدولة كلهم، هذا أمر مكلف ماديًّا، لذلك يلجأ من يقوم بالإحصائية للعينات.

"محمود" يريد أن يعرف مقدار السكر في الشاي سيرتشف رشفة واحد ويقدّر كمية السكر فيه، الشاي هنا مشروب متجانس؛ فأسلوب القياس ذلك دقيق، ولكن لو أحضرنا جزءًا من جسم جمل مثلًا وطلبنا من "محمود" أن يخمن نوع الحيوان، فهناك احتمالية كبيرة أنه لا يستطيع التخمين بدقة.

لكي تقوم بإحصائية أقرب للصواب يجب أن تكون العينة التي ستبني عليها النتيجة موزعة عشوائيًّا وشاملة، ممثلة من كل جزء على حسب حجمه، وبالرغم من كل ذلك فستكون فيها نسبة خطأ.

جامعة تدرّس الطب وتسوق لنفسها على أنها أفضل جامعة في المنطقة والدليل أن متوسط دخل خريجي الجامعة الشهري بعد عشر سنوات من تخرجهم يصل لـ ٥٠ ألف جنيه، هذا وفقًا لإحصائية حيادية قامت بها الجامعة، وأشرفت عليها جهات محايدة شهدت لها بالشفافية التامة.

نحن أمام بيانات بأرقام وإشراف سليم مئة في المئة وحياد تام، ولكن دعونا نحلل الإحصائية، ونرى كيف تمت.

الجامعة تتواصل مع الخريج وترسل له الاستبيان ومن ثم تجمع الاستبيانات، وفي النهاية تخرج بالنتيجة.

ولكن كيف تتواصل الجامعة مع خريجيها؟

بيانات التواصل مع الخريج التي تملكها الجامعة قديمة من عشر سنوات، فالحل هو أن تحاول البحث عنهم على وسائل الاتصال الحديثة، وهنا أول خدعة! فرصة أن تجد بيانات التواصل مع طبيب مشهور أكبر بكثير من فرص طبيب غير مشهور أو شخص فشل تمامًا بعد التخرج.

المشهور والناجح سيكون الوصول إلى عنوانه سهلًا وستجد اسمه في دليل الهاتف، ستجد اسمه في أول صفحة في نتائج جوجل؛ بذلك نكون فلترنا بعض الناس غير الناجحين الذين سيقللون المتوسط (متوسط الرقم النهائي).

كم شخصًا سيجيب ويرد على استبيان الجامعة؟ هنا الخدعة الثانية!

احتمالية أن يجيب الشخص الناجح أكبر، لأنه سيكون سعيدًا وسيشعر بأنه كوّن نفسه وقام بأشياء جيدة، وبذلك نكون فلترنا مرة ثانية بعض الأشخاص الذين فشلوا، والذين سيقللون من المتوسط.

والآن (الخدعة الثالثة) بعد أن وصلوا إلى الشخص الذي لديه النية بأن يرد على استبيانهم، فما احتمالية أنه لن يكذب أو يبالغ في حجم دخله الشهري وأن يحاول مثلًا الظهور بصورة أفضل من الحقيقة، ويزيد في رقم مرتبه، لكي يحسّن من صورته الاجتماعية.

نحن هنا أمام دراسة تمت بمنتهى الحيادية، القائمون عليها لم يكذبوا ولم يخترعوا أرقامًا، ولكنهم صمموا الدراسة بحيث تفلتر النتائج على ثلاث مراحل حتى تؤدي لنتيجة لصالحهم، وفي النهاية سيأخذون تلك النتيجة ويعممونها على أنها متوسط دخل طلاب الجامعة بعد عشر سنوات من تخرجهم.

دعنا نتخيل دولة اسمها الإكوادور متوسط رضا الشعب فيها عن أداء الحكومة ٥٠ بالمئة مثلًا، وهناك مؤسسة حكومية تقوم باستبيانات ومحايدة جدًّا.

المؤسسة تقدم إحصاءات عن مدى رضا الشعب عن أداء الحكومة، واليوم ظهرت نتيجة آخر استبيان قامت به حيث يقول بأن نسبة رضا الشعب عن أداء الحكومة هو ٩١٪.

النسبة لا تعبر عن الواقع، ولكن المؤسسة وصلت إليها بدون أي تزوير أو تدخل أو عبث بالأرقام.

العملية كلها تم تصميمها للوصول إلى النتيجة لتظهر بهذا الشكل، تمامًا كما في مثال الجامعة.

يتصل مندوب المؤسسة بالناس على الهاتف الأرضي ويعرفهم بأنه من مؤسسة حكومية محايدة ويشرح لهم الاستبيان ويعدهم بأنه سيحافظ على سرية المكالمة – طبعًا المواطن العادي لا يعلم من الذي يكلمه، ولن يثق بالمتصل وخصوصًا لو كانت الحكومة معروفًا عنها القمع لأي صوت مخالف، وبالتالي الناس سيجيبون أجوبة لصالح الحكومة.

 الخدعة ليست في تزوير الأرقام، لكن في تصميم العملية وهندستها، بحيث تصل للأرقام التي أريدها في نهاية المطاف.

تقوم الشركة التجارية الفلانية بدراسة على منتج من منتجاتها وترسل مشرفي الدراسة لرحلات مع إقامة في فندق فخم على حسابها وتصرف عليهم مصاريف الطعام والشراب، والرحلات. بالطبع تلك الشركات تطلب من القائمين على الدراسة أن يعملوا بحيادية، ولكن هل ستكون حيادية فعلًا؟ في النهاية ستُأخَذ النتيجة وتُقدَم للناس على أنها حقيقية وتعبر عن الواقع.

التحيز موجود في كل الإحصاءات تقريبًا حتى مع "وفاء" صديقتنا التي تتحيز لنفسها.

هي تشارك على الفيس بوك نتيجة اختبار الشخصية الذي قامت به، بعد أن أجابت عن الأسئلة التي تقيس شخصيتها، وهل النتيجة تلك تعبر عنها فعلًا؟ أم عن الشخصية التي تتمنى أن تكونها؟

هندسة المتوسط


تخيل أنك تملك ٧ قطط وزن كل قطة كيلو جرام ولديك بقرة وزنها ٢٠٠ كيلو – وتريد أن تعبر عنهم بالمتوسط فستقول بأن متوسط وزنهم هو مجموعهم مقسوم على عددهم أي نحو ٢٦ كيلو لكل حيوان، ولكن هل هذا الوزن يعطيك انطباعًا حقيقيًّا عن طبيعة كل حيوان منهم؟ أكيد لا!

"وائل" سمسار شقق، يعرض على خالد شقة. لكي يجعله يشعر بأنه سيسكن في حي راقٍ، سيقول له بأن متوسط دخل الناس في هذا الحي هو ٢٠ ألف جنيه في الشهر.

مما يعطي انطباعًا لخالد أن ذلك الرقم يمثل كل الناس، في حين أن المتوسط هو ٥ آلاف لا غير، ولكن يوجد عائلتان تسكنان على طرف الحي مرتباتهما أكثر من المليون، وذلك ما سيرفع المتوسط جدًّا.

"وائل" وصّل لـ"خالد" انطباعًا خاطئًا وتلاعبًا بالحقيقة بالرغم من أنه لم يكذب رياضيًّا بأي معلومة، هذا الجزء يتم تطبيقه بصورة كبيرة من قبل السياسيين وعلى مستوى الدول مثل هندسة أرقام متوسط الدخل- الناتج المحلي - الدخل القومي وبقية المصطلحات الكبيرة تلك.

التوجهات الفكرية


كان هناك مجموعة من الناس يعيشون في زمن قديم، كانوا يعبدون ٤ أصنام بالتساوي ولا يفضّلون صنمًا عن الآخر، هؤلاء الناس لم يهتموا كثيرًا بتوثيق حياتهم كتابيًّا، ولكن الجيل الذي جاء من بعدهم سيسجل حياة الجيل الأول وكتاباته ستنتقل إلينا.

الجيل الثاني كان حياديًّا جدًّا وسيعطينا صورة كاملة عن حياة الجيل الأول ستمكننا من أن نتصور حياتهم وكأننا نعيش معهم. 

ولكن لحظة؛ الجيل الثاني بالرغم من كونه حياديًّا، ولكنه كان يفضل صنمًا عن الأصنام الأخرى وبسبب ذلك سيخصص له جزءًا كبيرًا من الكتابة التي سيكتبها، سيسجل كل تفصيلة مهما كانت صغيرة كان الجيل الأول يقوم بها تجاه ذلك الصنم، وسيصبح نصف الكتاب عن ذلك الصنم والنصف الآخر عن الثلاثة الباقية.

أنا بعد ألفي عام عندما أقرأ الكتاب سأتوصل لاستنتاج مختلف تمامًا عن الحقيقة، هنا بالرغم من حياديتهم، تدخلت توجهاتهم الفكرية وتحيزوا عن جهل من دون أن يقصدوا ذلك.

 هذا الجزء منتشر جدًّا، ويمكن القول بأننا جميعًا نمارسه بصور مختلفة، كل فئة في المجتمع مقتنعة بأيديولوجية أو فكرة معينة تقوم بإحصاءات على مزاجها وتختار من الأحداث الراهنة أو السابقة في التاريخ ما يدعم ويثبت صحة آرائها ويدعم فكرتها وتخفي أي فكرة مخالفة لها تحت السجادة، حتى تخلص إلى النتيجة التي تريدها في النهاية.

أسئلة ضرورية


هناك خمسة أسئلة عليك أن تعرف إجابتها قبل أن تسلم بصحة نتيجة إحصائية معينة:

  • من يقول ذلك؟ من يقف وراء تلك المعلومة هل هو مكان له؟ سمعته جيدة؟

  • كيف أعرف ذلك؟

  • هل هناك حلقة مفقودة؟

  • هل قام أحد بتغيير الموضوع؟

  • وأخيرًا؛ هل النتيجة منطقية أصلًا؟