كتاب التفكير النقدي

Book-Cover

كتاب التفكير النقدي (المؤلف: ليندا إيلدر)

لا يوجد شيء نقوم به في حياتنا من دون استخدام التفكير. التفكير هو الذي يحدد لنا المكان الذي سنعيش فيه، يحدد شركاء حياتنا وأصدقاءنا وأعداءنا، ببساطة هو المسؤول عن كل شيء نقوم به.

بالرغم من أهمية التفكير؛ فإن معظم الناس لا يفهمون أمرًا مهمًّا عن طبيعته. هناك سوء فَهم منتشر بأن التفكير الحيادي عمل فطري؛ فالأشخاص الأذكياء سيفكرون بوضوح وعقلانية من تلقاء أنفسهم، ولكن في الحقيقة ذلك ليس صحيحًا، التفكير هو عمل مهاري مثله مثل مهنة النجارة…

 من دون المعرفة والممارسة والتدريب لن تكون نجارًا ماهرًا، وكذلك لا تتوقع من نفسك أن تفكر بمنطق ووضوح بدون المعرفة والممارسة.

إن لم تقم بذلك فتوقع من تفكيرك أربعة أمور، وهي:

  • منحرف. 
  • أو مشوه. 
  • أو متحيز. 
  • أو متحامل.

التفكير النقدي

لكي تُنمي تفكيرَك

افهم التفكير الأناني

إن أول أمر عليك أن تفعله هو أن تعرف طبيعة العقل البشري، إذ إن أهم صفة في العقل تمنعنا من التفكير الواضح هي التبرير الذاتي.

التفكير مخادع فلو كان أنانيًّا سيظهر لك على أنه حيادي، ولو كان متحاملًا سيظهر لك على أنه عقلاني. ليس معنى أنك ترى تفكيرك بصورة معينة أن تكون تلك الصورة هي حقيقته! غالبًا يكون ذلك الاستنتاج الذي وصلت إليه بسبب التبرير الذاتي.

هناك مثال واضح جدًّا عن هذا الأمر: تخيل أن موظفة تسرق المال من الشركة التي تعمل فيها، سنجدها تخدع نفسها وتقول إن هذا المال من حقها وإن الشركة تكسب الكثير من المال ولا تعطيها ثمن تعبها كما ينبغي، بررت سلوكها وتفكيرها بشكل عقلاني كي تحجب عن نفسها التحيز لذاتها الذي قامت به على حساب الناس الآخرين. 

جميعنا يقع في التبرير الذاتي ولكن بنسب مختلفة وهو الذي يدفعنا لأن نفكر بشكل أناني؛ كي نشبع رغباتنا وفي الوقت نفسه لا نظهر كأشخاص متحاملين أو كأننا نقوم بشيء خاطئ.

أنت لن تدرك تلك الأنانية إلا بالمراقبة والتحليل، كن واعيًا لوجود هذه الجزئية فيك.

لاحظ نفسك عندما تؤمن بمعتقد وتتصرف عكسه، لاحظ كيف أنك ستبرر التناقض في سلوكك وكيف أنك ستجعله منطقيًّا.

اسألْ أسئلة عميقة

النقطة الثانية هي أن تسأل أسئلة عميقة – التفكير يشبه السيارة وأداة التوجيه الخاصة بها هي الأسئلة، نوعية الأسئلة وشكلها هو الذي سيحدد نوعية التفكير. 

الأسئلة السطحية ستؤدي إلى تفكير سطحي، وإن كانت أسئلتك عميقة فذلك سيؤدي إلى تفكير عميق.

  • على سبيل المثال سؤال مثل هل هناك تفاح في الثلاجة؟ للإجابة عن هذا السؤال فأنت تحتاج أن تذهب وتلقي نظرة داخل الثلاجة لتعرف الجواب.
  • ولكن سؤال مثل ما أفضل طريقة تتصرف بها كوالد لو كنت في الموقف الفلاني؛ فهو سؤال يدعوك إلى التفكير في مفهوم الأبوة والأمومة نفسه، وتفكر في المهام والخيارات المتاحة.

الأسئلة العميقة ستجعلك شخصًا لا تقبل بالتعريفات التي يقدمها لك الآخرون، ولا تقبل بالضرورة العالَم في شكله المقدم لك، وذلك سيساعدك على المدى البعيد في تحسين قراراتك وحل مشكلاتك.

راقب ولاحظ الطريقة التي تسأل بها، وكلما كنت تسأل بطريقة عميقة جعلت عقلك حيًّا أكثر.

التمييز بين أسئلة الحقيقة والخيار والحكم

النقطة الثالثة هي الفرق بين أنواع الأسئلة المختلفة.

عندما يخطر في رأسك سؤال؛ فإن أول ما عليك فعله هو أن تحدد نوعه كي لا تختلط عليك الأمور، وحتى تعرف طريقة التفكير المطلوبة للإجابة عنه.

لدينا ثلاثة أنواع من الأسئلة:

  • سؤال بإجابة واحدة نهائية.
  • سؤال التفضيل الشخصي. 
  • سؤال يستلزم دراسة الإجابات المقدمة. 

سؤال بإجابة واحدة نهائية

 وتلك الإجابة الوحيدة نستطيع الوصول إليها من خلال الحقائق، مثل:

  • ما درجة الحرارة التي يغلي عندها الماء؟
  • ما حجم هذه الحجرة؟

سؤال يدعو إلى تفضيل شخصي

وهذا السؤال ليس له نظام ولا إجابة ثابتة، بل نجيب عنه بناءً على التفضيل الشخصي، مثل:

  • كيف ترغب في قَصة شعرك؟
  • ما اللون الذي تفضله في بيتك؟
  • ما طعامك المفضل؟

سؤال يستلزم دراسة الإجابات المقدمة 

السؤال الثالث يتطلب الحقائق والبرهان والمنطق مثل السؤال الأول، ولكن له أكثر من إجابة، مثلًا:

  • ما أفضل طريقة لمواجهة المشكلات الاقتصادية الأساسية للبلد في هذه الفترة؟
  • هل علينا إلغاء عقوبة الإعدام؟

هذه الأسئلة يكون لها أكثر من إجابة، ولكي نفرق فيما بينهم نقسم الإجابات، ونقيّمها من خلال استخدام مقاييس فكرية مثل الوضوح والدقة ومدى مناسبته للموضوع.

انتبه للخلط الذي يحدث بين الأنواع الثلاثة من الأسئلة في تفكيرك.

مثلا انتبه كي لا تخلط بين الأسئلة من النوع الثاني التي لا يوجد لها إجابة ثابتة، والأسئلة من النوع الأول فتحاول أن تفرض على نفسك أو على الناس إجابة أنت تراها صحيحة، وأن تجبر الآخرين على تبنيها.

كلما لاحظت ذلك الخلط الذي تقوم به بنفسك كان تفكيرك منطقيًّا أكثر.

وضّح الاستدلالات من الافتراضات

أيضًا عليك أن توضح الاستدلالات من الافتراضات.

بشكل روتيني يقوم الناس بالاستدلالات تقريبًا طوال اليوم، الاستدلالات تلك قد تكون مبرّرة أو لا تكون. تبنى الاستدلالات على الافتراضات التي هي الاعتقادات والتي يعتبرونها أمرًا مفروغًا منه.

أمامنا مثلًا الموقف الآتي: زوجة تتهم زوجها بأنه خائن؛ لأن المشرفة في عمله تتصل به هاتفيًّا بشكل متكرر.

هنا الاستدلال: بأنه على علاقة مع مشرفته.

بسبب الافتراض الموجود لديها: عندما يتحدث رجل وقتًا طويلًا مع مشرفته فى غير أوقات العمل؛ فلا بُدَّ أنهما على علاقة عاطفية.

عندما نقسم تفكيرنا بتلك الطريقة ونوضح الاستدلال من الافتراض سنكسب المزيد من التحكم في تفكيرنا، وسنبدأ نلاحظ العديد من الافتراضات والمعتقدات التي كنا نعتبرها أمرًا مفروغًا منه توجّه تصرفاتنا من دون أن ننتبه لذلك، وستوضح أيضًا جذور التحامل والقولبة والتحيز وأنواع أخرى من التفكير غير المنطقي.

فلو أنني افترضت على سبيل المثال أن كل المشرفين متسلطون، ويتحكمون في الآخرين فسيكون ذلك رأيًا في كل مشرف أقابله ولن يكون عندي الدافع كي أدرس هذا الافتراض، كي أحكم عليه إن كان مبرَرًا أم لا.

لا تكن ممن يحدث لهم غسيل دماغي

أيضًا هناك نقطة مهمة وهي أن وسائل الإعلام مثل الأخبار والصحف، هي مجرد شركات هدفها الربح، تعامل معها وَفق هذا المبدأ، قد يكون ذلك الربح يأتي منك ومن الناس، فبالتالي كي تدفعك أنت كعميل للشراء منها ستنقل لك الأخبار بصورة متحيزة لطرفك ومن وجه نظرك، ستعرض القصص التي تدعم طريقتك في النظر للأمور، وستخبرك بما ترغب أنت فيه تمامًا، كي تنال إعجابك.

ويمكن أن يكون الربح الخاص بها يأتي من ممول مثلًا؛ فهنا ستنقل لك الأخبار بطريقة تراعي فيها الأجندات والمصالح الخاصة بهذا الممول.

المشكلة تظهر عندما تقرر أن تتجاهل تلك الجزئية وتستخدم الوسائل الإعلامية لتشكل إدراكك ومعتقداتك؛ فبالتالي فكرك يتشكل أصلًا بصورة متحيزة.

كي تنمي مهارات التحليل الإخباري لديك ولا تكون مجرد مستهلك، لا تنظر للمحتوى الخاص بالوسائل الإعلامية على أنه تمثيل شامل للواقع؛ لأنها مجرد طريقة واحدة لعرض الواقع. 

بطريقة عقلانية أعد كتابة القصص الإخبارية من خلال إدراك كيفية تأثير وجهات النظر عليها كما رأينا قبل قليل.

حدد الأفكار التي تأخذها من التلفاز والإنترنت

كل يوم الإنترنت والتلفاز يلقيان علينا آلاف الرسائل، هذه الرسائل ليست بريئة، بل هي تتلاعب بنا وبحالتنا النفسية، معظم البرامج التلفزيونية والأفلام والإعلانات تجذبنا من خلال اللعب على معتقداتنا العاطفية البسيطة، وتحاول إشباع رغباتنا الفطرية بغض النظر عن كون ذلك أمرًا صحيحًا أم لا.

أيضًا تجد التركيز فيها على الأمور غير المنطقية، لاحظ مثلًا، متى كانت آخر مرة شاهدت فيها على وسائل الإعلام أشخاصًا عقلاء يقومون بأشياء عقلانية، مقابل تصوير السلوك غير المنطقي على أنه عادي فتجد الفيلم أو المسلسل كله قائمًا على فكرة مثلًا: أنا أكرهك لأنني أحبك، وإن لم تحبني سأقتلك! سلوك غير منطقي يُصدّر لنا على أنه عادي.

هل تعلم بأن معظم برامج التلفاز، كي تزيد من عدد الشريحة المستهدفة من المشاهدين تختار أن تخاطب سن مستوى فكري بعمر ١١ سنة. تخيل أنه يتم مخاطبتك وكأنك طفل عمره ١١ سنة طوال الوقت!!

هل تعتقد بأن تلك هي طريقة مناسبة لتنمي بها تفكيرك؟ فكر في أثرها عليك وفكر في الأمور التي تستطيع إنجازها بدلًا من مشاهدتها – من السذاجة أن تضيع عليها كل تلك الساعات يوميًّا. 

لا تكن لوامًا – الحقيقة والمعتقد

أخيرًا لا تكن لوامًا، الكثير من الناس يقضون أوقاتهم في تصيد أخطاء الآخرين وإلقاء اللوم عليهم بدلًا من تولي المسؤولية الكاملة لتصرفاتهم.

 هناك فرق كبير بين الحقيقة والمعتقد، الحقيقة هي أمر قد حدث أو أنه يحدث فعلًا، ولكن المعتقد هو رأيك عن ذلك الأمر، الذي قد يكون خاطئًا. أهمية المعتقدات هنا هي أنها تكوّن نبوءات تحقق نفسها لو آمنا بها، فلو أنك تعتقد مثلًا بأن هناك ضررًا قد وقع عليك فذلك سيؤدي إلى حدوث ضرر فعلي عليك حتى لو لم يكن حقيقة في البداية.

مثلًا لو أنك ترى بأن أهلك حطموا فرصة مواصلتك لتعليمك العالي؛ فذلك المعتقد الخاص بك سواء أكان صحيحًا أو خاطئًا فأنت ستحوله إلى حقيقة.

ممكن مثلًا أن تفشّل نفسك بنفسك في مواصلة التعليم العالي؛ لكي تنتقم منهم أو على الأقل أن تستسلم بحيث إنك لا تحاول أن تصلح الوضع.

كلما وجدت نفسك تلوم الآخرين تذكر بأنك لم تعد طفلًا؛ بل أنت شخص بالغ كبير. يمكنك التحكم في حياتك كما تشاء.

استغل كل لحظة تستخدمها في إلقاء اللوم على الآخرين، وحوِّل تلك الطاقة لفعل يؤدي إلى نجاح محتمل، أو على الأقل حوله إلى انفعالات إيجابية ستفيدك.

مثلًا: أضعف الإيمان أن تتساءل بينك وبين نفسك، ما الذي تعلمته من الأخطاء التي ارتكبها أهلك؟ وما الأمور التي يمكنك فعلها كي تكون مختلفًا عنهم فتكون أكثر رحمة وأكثر حكمة مما كانوا هم عليه إن كنت مكانهم في التجربة نفسها؟