كتاب توقع لا عقلاني

Book-Cover

كتاب توقع لا عقلاني (المؤلف: دان آريلي)

تريد "منال" أن تشتري مروحة صغيرة، دخلت المحل ووجدت نوعين من المراوح، المروحة الصغيرة التي تحتاجها وكان سعرها ٢٠ جنيهًا، ومروحة كبيرة سعرها ٥٠ جنيهًا. فستشتري الأولى التي تحتاجها، ولكن في أثناء خروجها ستجد عرضًا لا يفوت لفترة محدودة، المروحتان الصغيرة والكبيرة معًا بخصم كبير وسعرهما ٥٠ جنيهًا. ستشتريهما بدون تفكير وتشعر بالسعادة على الصفقة الجيدة التي قامت بها.

ما لا تعرفه "منال" هو أنني- أنا صاحب المحل- وضعت المروحة الكبيرة التي رأتها في البداية للتوجيه فقط، ولا أهتم ببيعها هي مجرد طعم لكي أدفعها لشراء العرض في النهاية.

هي دخلت لتشتري منتجًا وأنا دفعتها لشراء منتج إضافي معه، بالرغم من أنها فعليًّا لا تحتاجه، وبذلك دفعت ضعف المبلغ الذي كانت ستدفعه، وهي سعيدة جدًّا.

العقل يحب المقارنات ويحاول البحث عنها، ويحكم على الأمور من خلالها، وتلك تعتبر نقطة ضعف يمكن أن يمرر من خلالها الكثير من الأفكار. "منال" في الحالة الطبيعية تحكم على المنتج الذي ستشتريه من خلال خصائصه، لكن لو أدخلنا المقارنة، عندها سنعطل حكمها على المنتج وستهتم فقط بالمقارنة بين العروض الموجودة.

"فتحي" مدير محل ساعات لديه منتجان فقط من الساعات نوع منهما يُباع بشكل جيد، والآخر لا يباع كما يجب. وتلك كانت مشكلة تزعجه فكان يرغب بالتخلص من النوع الذي لا يريد أحد شراءه، ويوجه الناس لاختياره، فسيقرر أن يزيل المنتج المرغوب من فوق الرف بحيث أن العميل عندما يصل يجد المنتج الآخر فقط ويختاره. 

ولكنك بعد قراءتك أو مشاهدتك للحلقة ستذهب لـ"فتحي" وتسأله، لماذا تقوم بذلك؟ العميل لو دخل محلك ووجد منتجًا واحدًا بسعر واحد غالبًا سيحكم عليه بناء على خصائصه وسعره، وعندها جزء كبير من العملاء سيتردد ولن يأخذ قرارًا وسيرى بأنه يحتاج أن يفكر؛ لكي تدفع العميل لأخذ القرار بسرعة، ستحتاج أن تعرض أمامه أكثر من اختيار، ليتمكن من المقارنة ويأخذ القرار.

سيجيبك "فتحي" ماذا سأفعل إذًا؟ ستطلب منه أن يرجع المنبه المرغوب مرة ثانية، ولكن عليه أن يجعله اختيارًا سيئًا. كأن يرفع سعره بصورة مبالغ فيها مثلًا، المهم أن يبقي المقارنة موجودة وواضحة، ولكن في صف المنبه الذي يريد بيعه. 

العقل يفكر بالمقارنة، وستساعده على أخذ القرار عندما تساعده على المقارنة، ولكن انتبه لأن تكون المقارنة واضحة وسهلة، أما إذا كانت المقارنة صعبة فستؤدي لنتائج عكسية.

فلو طلبتُ منك أن تختار واحدًا من عشرة منتجات متشابهة جدًّا؛ فبذلك تكون اخترت واحدًا وخسرت ٩. الناس يكرهون الخسارة ويرون الاختيارات على أنها احتمالات يمكن أن يكون فيها مكاسب، واختيار منتج معناه رفض آخر الذي يعتبر نوعًا من أنواع الخسارة؛ لذا، إن أردت دفع العميل لأخذ قرار قلل الخيارات أمامه واجعلها واضحة جدّا، واحد جيد والثاني سيئ.

الارتكاز

ذهب "نبيل" لشراء منشار. البائع قال له إن سعره ٥٠٠ جنيه، سيشعر "نبيل" بأن السعر غالٍ وسيبدأ معه الفصال، وسيصلان في النهاية إلى سعر مقداره ٤٠٠ جنيه. "نبيل" سعيد جدًّا اشترى المنشار بسعر يراه جيدًا، والبائع سعيد لأنه باع المنشار بالسعر الذي كان يريده منذ البداية.

البائع هنا قام بما يطلق عليه اسم الارتكاز، فقد وصّل إلى "نبيل" انطباعًا أوليًّا بسعر غالٍ في البداية.

السعر الأول يتحكم في حكمنا على الأشياء في المستقبل. الارتكاز قوي جدًّا ويمكنك أن تجده في التفاوض بمنتهى الوضوح. المفاوض المتمرس يجعل الصفقة السيئة أو المنتج الأغلى أولًا، بذلك يخلق ارتكازًا ويمكنه أن يمرر صفقته بعد ذلك بصورة أسهل. يمكنك أن ترى الارتكاز أيضًا مع الناس كبار السن، العم "عزمي" مثلًا الذي ما زال يقيّم كيلو اللحمة بسعر الزمن الماضي الذي عاشه، عندما كان سعره ٥ جنيهات، ويمكن أن تراه في الانطباع الأولي الذي تأخذه عن شخص معين، وتقوم بمقارنة سلوكه وتصرفاته طول الوقت بأول انطباع لك عنه.

السعر: صفر

المجاني محفز قوي جدًّا، أي شيء مجاني يعتبر غير قابل للمقاومة. العقل يتصرف بناء على مبدأ طالما أنه مجاني فلا يوجد تكلفة أو مخاطرة من ورائه. لذا، وجود منتج مجاني مع المنتج الأصلي يؤثر في تقييمنا وحكمنا على المنتج، وتصبح فرصة تجاهلنا للعيوب فيه أكبر.

القطيع

خرج "عبد الرحمن" مع أصدقائه ووجدوا مطعمين؛ الأول فارغ والآخر مزدحم. لذلك سيتأثر هو وأصدقاؤه بالقطيع ويترجمون ذلك بأن المطعم المزدحم هو الأفضل. حتى وإن كان الطعام في المطعم المشهور سيئًا مثلًا، فهناك فرصة كبيرة أن يراه "عبد الرحمن" جيدًا ويقيمه بطريقة أفضل من حقيقته، تقييمه سيتأثر بقرارات الناس بدون أن ينتبه لذلك.

الناس يقيّمون ويعتمدون في تقييمهم على تقييمات الآخرين. فعندما يشارك أحد ما شيئًا على الإنترنت وكل التعليقات في البداية كانت في اتجاه معين، تشتمه مثلًا، عندها معظم الأشخاص الذين سيدخلون لاحقًا سينظرون للأمر من منظور الناس الذين شتموا، وسيتأثرون بالقطيع وسيحكمون على الموضوع بدون تفكير طويل، سيقلدون الباقي، بل حتى أن بعض الناس سيأخذ قرارًا بدون قراءة المنشور أصلًا.

المحفز

"هند" ستوقف سيدة في الشارع وتطلب منها أن تملأ استبيانًا مقابل ٢٠ جنيهًا، السيدة ستنظر للاستبيان وتجد حجمه عبارة عن ١٠ صفحات؛ فستشعر أنه حجم كبير وسترفض.

"هند" ستطلب ذلك من سيدة أخرى، ولكن بطريقة مختلفة ستقول لها: هذا استبيان من أجل بحث لخدمة المجتمع. السيدة ستقبل وتشترك بدون أي مقابل.

لدينا معياران:

  •  معيار السوق. 
  • معيار المجتمع.

الطريقة الأولى كانت ضمن معيار السوق - أي أن هذا عمل تجاري - والسيدة ستحكم عليه بناء على ذلك وتقيم المبلغ إن كان يستحق الوقت المبذول فيه أم لا. الثانية؛ بمعيار المجتمع ستحكم بناء على هدف المنتج نفسه، لو كان مفيدًا ستكون سعيدة وتعمل بدون مقابل. 

أنا الآن أتحدث عن المحفزات. لو أن شخصًا ما يعمل بمرتب وفي الوقت نفسه يؤمن بهدف، عندها سيحقق أكبر إنتاجية ممكنة.

دمج معياري السوق والمجتمع يعتبر سبب نجاح شركات حديثة كثيرة. ولكن من المهم جدًّا الحكمة في الدمج؛ فلو طبقت العملية بطريقة خاطئة فستؤدي إلى نتائج عكسية. لو كنت أجلس على كرسي في سيارة نقل عام وهناك رجل عجوز واقف، وقمت لأجلسه مكاني، فأراد الرجل العجوز أن يكافئني وعرض عليَّ بعض المال عندها سأشعر بالإهانة. حدث ذلك لأنني تصرفت معه وفقًا لمعايير المجتمع، ولكنه ردّ على تصرفي وفقًا لمعايير السوق.

الالتزام

الناس يمكن أن يتصرفوا تصرفات معاكسة لمصلحتهم، فهم لديهم مشكلات مع التسويف والكسل، لذلك تعامل مع الناس على أنهم لا يملكون القدرة على التحكم في أنفسهم. مهما كانت النوايا سليمة؛ يجب أن توجد مراقبة؛ يجب أن يوجد موعد تسليم؛ ويجب أن توجد غرامة؛ وعقاب في حالة عدم الالتزام.

"حسن" يريد أن يعطي درسًا مجانيًّا لمدة شهر، الكثير من الأشخاص سيسجلون للانضمام، وسيلتزمون في البداية في أول درسين، ولكن بعد ذلك الالتزام اختفى! كان من الأفضل لـ"حسن" أن يجعل الدروس مدفوعة مع فرصة إعادة المال للأشخاص الذين ينهون الدروس كاملة، ذلك سيدفعهم للالتزام أكثر. أسهل علاج لموضوع عدم الالتزام هو فرض عقاب وموعد تسليم محدد من سلطة أعلى.

التملك

"طلعت" يريد شراء قميص، فذهب للمحل واختار قميصًا معينًا، ولكنه كان مترددًا، لأنه لم يُعجبه اللون كثيرًا، البائع سيلاحظ تردده وسيطلب منه أن يقيسه ويجربه. "طلعت" بعد أن يجربه سيقرر أن يشتريه، البائع دفعه لأخذ القرار والتمسك بالقميص عندما طلب منه أن يجربه بسبب تأثير التملك. فعندما قاسه "طلعت" شعر بأنه ملكه، وذلك ما يدفع الشركات لتقديم عروض فترة تجريبية لمنتجاتها.

نحن نحب ونتعلق بما نملكه، ونقدره بصورة أكبر من قيمته الطبيعية؛ تأثير التملك نجده على مواقع بيع المنتجات المستعملة عندما تجد "محمود" يضع إعلانًا لبيع سيارته بسعر مبالغ فيه جدًّا، لأنه يقيّم ممتلكاته بطريقة مبالغة فيها ويتوقع من الآخرين أن يقيّموا منتجاته بطريقته نفسها، ونراه مع "طلعت" الذي تحدثنا عنه منذ قليل، عندما اختلف مع البائع في الحساب على عشرة جنيهات؛ فالبائع يريد بيع القميص بـ ٢٦٠ و"طلعت" يريد أن يدفع ٢٥٠ جنيهًا، البائع سيقول له إن العشرة جنيهات ليست بالأمر الجلل!! و"طلعت" سيرد عليه بالجملة نفسها.

كلاهما يقيّم العشرة جنيهات التي في جيبه، بصورة مختلفة عن العشرة جنيهات الموجودة في جيب الآخر، وينتظر الآخر لأن يقيّم الموضوع من وجهة نظره هو..

نراه أيضًا في تأثير إيكيا، من الأمور الغريبة أنك لو سهّلت على الزبون أو قدمت له منتجًا مريحًا فلا يعني ذلك بالضرورة أن نسبة الرضا لديه ستزيد أو أنه سيحب منتجك أكثر!

الناس لو تعبوا في تركيب منتجك سيقدّرونه أكثر، ويقيمونه بصورة أفضل، وسيرون أن الكرسي الذي ركّبوه بأنفسهم وبأيديهم هو إنجاز من إنجازاتهم وسيقيمونه بصورة أكبر من الطبيعي ويحبونه أكثر.

الخاتمة

المقارنة ستساعد العقل على أخذ القرار بسرعة، ولكن المهم أن تكون واضحة جدًّا، مثل القائد الذي سيعبر بجيشه البحر، وعندما يصل إلى ضفة العدو سيحرق سفنه كي يجبر جنوده على مقارنة واضحة جدًّا بين اختيارين فقط الحياة أو الموت.

الارتكاز سيخلق انطباعًا أوليًّا، ولو كان انطباعًا سيئًا فممكن أن يمرر بعده انطباعًا متوسطًا؛ فيظهر على أنه ممتاز.

لا تفترض أنه طالما النوايا طيبة فهذا معناه أن يكون الشخص ملتزمًا. الناس كسالى ويحبون التسويف ويجب أن يكون هناك مراقبة وغرامة من سلطة عليا.

"القرد في نظر أمه غزال" نحن نتعلق بما نملكه ونقيمه بصورة أكبر من قيمته الحقيقية.