كتاب الانطباعات الأولية

Book-Cover

كتاب الانطباعات الأولية (المؤلف: آن ديماري)

يقابل معظمنا الكثير من الناس في حياته، وخلال تلك المقابلات تتشكل الانطباعات الأولية التي قد تكون كل ما يمتلكه الشخص عند التعامل مع الآخرين- لمساعدته على تقييم الطريقة المناسبة للتعامل معهم- لهذا السبب؛ فإن الانطباعات الأولية مهمة؛ فهي الفرصة الأولى ويمكن أن تكون الأخيرة التي تسمح للآخرين بتكوين رأي عنك، الرأي الذي سيحدد هل سيقرر هذا الشخص أن يتعرف عليك بشكل أفضل أم سيتوقف عند هذا الحد. 

المقايضة الاجتماعية

حسنًا ماذا أفعل لأترك أفضل انطباع ممكن عني؟

ببساطة ضع احتياجاتك الخاصة جانبًا، وركِّز على احتياجات الطرف الثاني. لو ركّزت طاقتك في جعل الطرف الآخر يشعر بمشاعر طيبة عن نفسه، عندها سيُسقط تلك المشاعر عليك وسيردها لك.

تتبع الناس نظامًا يسمى "المقايضة الاجتماعية"؛ فهم يبحثون عن الشخص الذي يعطيهم المشاعر التي يحتاجون إليها أي يفي باحتياجاتهم، وعندما يجدونه سيردون على ما فعله بأكبر قدر من حبهم؛ أي لكي تكون شخصًا مرغوبًا اجتماعيًّا، قُم بتلبية احتياجات الناس.

الهبات الاجتماعية

لدينا أربعة احتياجات يقابلها أربع هبات يمكنك أن تقدمها. 

  • التقدير

أول احتياج هو التقدير،كل إنسان يريد أن يحس بتقدير الآخرين له؛ فلو أظهرت للطرف الآخر تفهمك وتقديرك واحترامك له على صفاته الإيجابية، ذلك سيعود عليك بالنفع.

 مثلًا لو رأيت شخصًا ذكيًّا أو مرحًا وقلت له ذلك، هذا هو التقدير، تقديرك له الذي سيجعله يشعر بالفخر، والنتيجة فإن مشاعره الطيبة تجاه نفسه ستؤدي لمشاعر طيبة تجاهك.

  • الترابط

الاحتياج الثاني هو الترابط. كل إنسان يريد أن يشعر بالترابط مع الآخرين، لذلك وضّح نقط الترابط أو الالتقاء بينك وبين الشخص الآخر. يمكن مثلًا أن توضح التجارب المتماثلة، إشارات الالتقاء بينكما، سيجعله ذلك يشعر بالاندماج معك، وأنك تشبهه وتفهمه.

  • رفع المعنويات

الاحتياج الثالث هو رفع المعنويات. الناس بصورة عامة يريدون أن تكون حالتهم النفسية جيدة لذلك سينجذبون لأي شخص يجعلهم يشعرون بهذه الطريقة، يمكنك أن ترفع معنويات الشخص بطرق كثيرة، مثل الابتسام أو توجيه الانتباه للأشياء الإيجابية، وهكذا.

  • التنوير

الاحتياج الرابع هو التنوير. البشر كائنات من أهم صفاتهم الفضول. نحن نحب أن نعرف أشياءَ جديدةً وحقائقَ مثيرةً للاهتمام،سواء أكانت أفكارًا أو وجهات نظر مختلفة. 

سيجعلك تنوير الآخرين شخصًا مثيرًا للأذهان ومحفزًا للانتباه، وتلك مواصفات الشخص الجذاب، وبالمناسبة ليس شرطًا أن تكون المعلومات التي ستقولها مأخوذة من كتاب صعب قرأته أو موضوع في السياسة الدولية، بل قد يكون الكلام مجرد شيء غريب وجدته في طريقك أو شيء عن فيلم كنتَ قد شاهدته.

أهمية الموازنة

إن استطاع شخص توفير هذه الاحتياجات الأربعة فيمكننا أن نقول إنه يتمتع بشخصية ساحرة، وإنه شخص كارمزي من الدرجة الأولى، ولكن هناك نقطة مهمة، هي أنه يجب الموازنة فيما بينها؛ أي إنني إذا كنتُ أتحدث مع أحدهم فيجب أن يكون كلامي مقسمًا لأربعة أجزاء، وكل جزء يركز على احتياج واحد. ستسأل لماذا؟ 

سأجيبك بهذا المثال: تخيلْ شخصًا يحاول أن يكسب ودَّ فتاة أُعجب بها، وفي أثناء حديثهما ركّز معها على آخر احتياج فقط، التنوير مثلًا، وبدأ يسرد لها معلومات تعلمها من التجربة الفلانية، ونقل لها أفكارًا وآراء كثيرة ولم يبحث عن الأمور التي تربطهما معًا، ولم يحاول رفع معنوياتها كأن يضحكها مثلًا ولم يعطِها شعور التقدير فكان كل تركيزه على هبة اجتماعية واحدة.

بهذه الطريقة، هذا الشخص سيبدو أقل جاذبية بالنسبة لها من شخص آخر قدم لها احتياجين، والأكثر جاذبية منهما هو شخص ثالث قدم لها ثلاثة احتياجات، أما المثالي فهو الذي سيحقق الأربعة.

المشكلات

بذلك نكون عرفنا الاحتياجات وعرفنا أهمية الموازنة بينها، ولننتقل لنقطة جديدة مهمة وهي الأخطاء التي نقع فيها.

أوراق الكشف عن الذات

في أثناء الحوار أنت معرض للكشف عن بعض المعلومات الشخصية، هنا عليك أن تساوي بين ما تتلقاه وبين ما تقوله.

مثلًا شخص يقول لك إنه لم يلتقِ بأهله منذ مدة طويلة وتواصله أصبح قليلًا معهم؛ فلو رددت: أجل بسيطة!

سيشعر بعدم الارتياح والتعري. في هذا الموقف؛ الشخص المقابل لك تعرّى أمامك وجدانيًّا؛ فأنسب رد تقوم به هو أن تفعل مثله وتتعرى بالقدر نفسه، فلو تعريت أكثر وقلت له مثلًا أنا أيضًا لم ألتقِ بأهلي من عشر سنوات وعلاقتنا سيئة ولن أسامحهم أبدًا على ما فعلوه بي وأنا صغير، سيشعر بعدم الارتياح أيضًا.

أقصى ارتياح يمكن أن يحدث، عندما يكون هناك مساواة فيما يكشفه كل طرف للثاني لا أقل ولا أكثر.

الوعظ

هناك تصرف آخر يفسد الانطباعات الأولية، بالطبع أنت لديك أساليبك وقيمك وآراؤك وفلسفتك عن الحياة أو عن قضية معينة. أنت تشعر بالحماس الشديد تجاهها، وتريد أن تخبر الطرف الآخر عنها وتحاول إقناعه بها.

للأسف هذا التصرف غير مفيد لترك انطباع جيد فلا تحاول أن تقوم به.

تخيل شخصًا يحاول إقناعك بمدرسة فنية معينة، في البداية ستكون مهتمًا، ولكن بعد أن يُغرِقك بالتفاصيل ويستمر بالإصرار ستشعر بأن المحادثة لم تعد مشتركة بالقدر الكافي، وأصبحت خُطبة أو محاضرة، بعد أن كان الحوار في البداية متبادلًا فيما بينكما، أصبح الآن عبارة عن رسالة ضمنية مفادها أنك على خطأ وأنه المحق، ماذا ستفعل؟ بالطبع ستتركه وتذهب في حال سبيلك.

النرجسية الحوارية

من الطبيعي أنك في أثناء حديثك أن تجعل جزءًا منه عن نفسك، ولكن غير الطبيعي - وهو ما يحدث كثيرًا- أن تتمادى في حديثك عن نفسك.

الشخص الأناني في الحوار له أربع صفات:

  •  التباهي والتفاخر بنفسه دائمًا.
  • تحويل مجرى أي حديث لكي يصبح حديثًا عنه.
  •  معظم جمله تبدأ بالضمير أنا.
  • وأخيرًا تجده شاردَ الذهن عندما يتحدث أحد غيره، فهو غير مهتم بما يقال، بل ينتظر فقط دوره؛ كي يكمل الكلام عن نفسه.

معظم الناس تتفاعل مع هذه الشخصية باستجابة أكثر سلبية، فلا يعيروه أي اهتمام، وقد يشعرون بالملل منه عندما يتكلم ويبحثون عن أي فرصة لإنهاء الكلام.

الشكوى

وبمناسبة الحديث عن الملل، هناك صفة أخرى يمكن أن تسبب الملل بشكل كبير وأيضًا تعدُّ نوعًا من الأنانية السلبية. عندما يحدث لك بعض الأمور السيئة في يومك، ستقوم باستخدام الشكوى كوسيلة للشرح، ولكنك عندما تشتكي لشخص قابلته توًّا، فكل ما ستوصله له عن نفسك هو:

  • أنك شخص مستغرق في ذاتك.
  • أو أنك شخص يحتاج إلى الكثير من الرعاية.
  • أو أنك شخص ممل.

لذلك كن منتبهًا لهذه النقطة، إذ إن الشكوى تترك انطباعًا سيئًا جدًّا، وهي تعدُّ السبب رقم واحد في أن يراك الناس شخصًا مملًا.

الإطراء

أيضًا هناك نقطة مهمة كنت قد ذكرتها سابقًا، وهي أنك إن أردت ترك انطباع جيد لدى الناس فستحتاج أن تجعلهم يشعرون بالتقدير، ومن البديهي أن تستنتج بأنك ستفعل ذلك بالمديح؛ رائع! ولكن المديح له شرط مهم، أن يكون غير مباشر. دعونا نرى المثال الآتي:

لو أردتِ أن تمدحي امرأة وأخبرتها بأن جسمها مثالي، هذا مديح مباشر، كيف ستكون استجابتها؟ ستكون:

  • إما أن تشكركِ بطريقة مهذبة، ولكنها ستكون محرجة.
  • أو أنها ستُنكِر المديح وتبدأ بذكر عيوب لا تعجبها في الجزء الذي كنت قد مدحتِه.

في كلتا الحالتين، أنتِ خلقتِ جوًا من الإحراج مما سيمنع انسيابية المحادثة. لو أردتِ أن تستفيدي من المديح بدون أن تقعي في هذا الخطأ، عليكِ بالمديح غير المباشر، بأن تقولي لها مثلًا: "من الجميل أنكِ تمارسين التمارين الرياضية، من الواضح أنها ساعدتك كثيرا". بذلك تكونين قد وصّلتِ الرسالة نفسها، وفي الوقت نفسه سيكون الطرف الآخر مرتاحًا ولن يشعر بالإحراج، مما يساعد على تدفق المحادثة أكثر، كما سيولّد إحساسًا بالانسجام والترابط أيضًا وليس التقدير فقط.

الإصغاء الزائف

عليك الابتعاد عن الإصغاء الزائف. عندما يتحدث إليك شخص ما، وأنت ولا تصغي إليه أساسًا، أنت تتركه يتحدث فقط لتستطيع ترتيب أفكارك وكلماتك وفي أول فرصة سانحة تقوم بمقاطعة الموضوع الذي يتحدث عنه، مثلًا تقول تعليقًا سريعًا ومن ثم تغير الموضوع.

تخيل شخصًا يتحدث بحماس عن قضايا معينة في مجال عمله، أنت سترد عليه بكلمة حسنًا، ثم تدلو برأيك في موضوع آخر، أنت بذلك تكون قد قتلت انسيابية الحوار. من المفترض أن تكون تعليقاتك عبارة عن أسئلة مفتوحة عن الموضوع الذي يتحدث عنه، يمكن مثلًا أن تسأله ما أكثر قضايا عمل عليها يحبها.

التعليقات من نوع الأسئلة المفتوحة تفيد في أمرين:

  • أولًا تعطي فرصة للآخرين لأن يتحدثوا بحرية ويعبروا عن رأيهم ووجهات نظرهم مما يعطيهم انطباعًا بأن هناك اهتمامًا حقيقيًّا من طرفك وليس اهتمامًا سطحيًّا.
  • أيضًا هي تنقل المحادثة من مجرد تواصل بالكلام ينقل الحقائق إلى تواصل على مستوى المشاعر.

التفاخر

يسعى بعض الأشخاص جاهدين لاقتناص أي فرصة في الحوار لكي يتحدثوا عن:

  •  مكانتهم.
  • أو عن وظيفتهم التي يتفاخرون بها.
  • أو عن رحلة سافروا إليها، ليظهروا وضعهم المادي.

عادةً ما نقوم بفعل ذلك لكي نوصل رسالة تظهر أننا أكثر إثارةً وأهميةً، ولكن هل يصل ذلك فعلًا كما نرغب؟

الشخص الذي يستمع من الممكن أن ينبهر بالسيارة الفاخرة التي تمتلكها أو بمنصبك الإداري، ولكنه أيضًا سيحكم عليك بأنك مغرور أو متباهٍ، ويراك بأنك لا تشعر بالأمان.

يعدُّ عرض المكانة نوعًا ما مهمًّا، ولكن إن قمت بذلك فحاول ألا تفعله بطريقة صريحة، بل اكشف عن ذاتك بتعليقات اعتراضية مرتبطة بالمحادثة بطريقة غير مباشرة، انتظر ولا تستعجل إلى أن يأتي الوقت المناسب لعرضها في المحادثة وإلا فلا تقل شيئًا عن تلك الأمور.

 وكما أن عرض التفاخر مهم؛ فالعكس أيضًا مفيد، لو بيّنت بعض الأخطاء أو بعض نقاط الضعف لديك فذلك له تأثير قوي في الانطباع الذي ستتركه.

الغريب أن نقاط الضعف تجعل صاحبها يظهر بمظهر القوي الواثق من نفسه، إضافة إلى أنها تزيد احتمالية انفتاح الطرف الآخر لك.

عندما تظهر ضعفك ذلك سيجعل الناس يشعرون بالمزيد من الارتياح تجاهك وسيجعلهم يعرضون عليك بعض الصعوبات الشخصية والتحديات التي كانوا قد واجهوها هم أيضًا، وذلك سيؤدي إلى زيادة الارتباط فيما بينكم في النهاية.