كتاب الأطفال من الجنة

Book-Cover

كتاب الأطفال من الجنة (المؤلف: جون جراي)

بدأت "هند" منذ مدة بادخار المال، واليوم اشترت الغسالة التي كانت تتمنى الحصول عليها، الغسالة متطورة تقنيًّا، بها الكثير من الأزرار، وفيها ذكاء اصطناعي يمكنكم أن تعتبروها "كمبيوتر".

"هند" قبل أن تستخدمها ستبحث عن معلومات التشغيل، ولن تجازف بأن تخمّن وتجرّب تشغيلها بدون معرفة، لأنها تخاف من أن تخربها.

افهم المهارات التربوية


عندما يشتري المرء أي شيء مهم بالنسبة له، يحاول البحث عن العلم الكافي وعن طبيعة هذا الشيء ليتعامل معه بشكل مناسب، وبالرغم من ذلك الكثير من الناس ينجبون الأطفال بدون أن يحاولوا فهم أي مهارات تربوية أو أساسيات التعامل مع الأطفال، والنتيجة خروج أطفال غير أسوياء، وتكون مرحلة الطفولة فترة صعبة للطفل وللأهل.

قوالب مختلفة


"أستاذ مربع" شكل هندسي كبير لديه ثلاثة أطفال صغار، الثلاثة بالترتيب هم: "مثلث" و"دائرة" و"مربع"؛

"أستاذ مربع" يخاف على أطفاله ولكي يشعر بأنه قام بتربيتهم بشكل جيد سيوجّه كل طاقته بأن يجعلهم مشابهين له - ثلاثة مربعات - وناجحين مثله، وهنا ستبدأ المعاناة عند الأطفال وعند الأب أيضًا.

الأب سيواجه مقاومة شديدة وغالبًا ما سينتهي به الأمر بشعور الذنب لأنه لم يستطع أن يؤدي الرسالة التي يراها صحيحة، وبالنسبة للأطفال، "المربع الصغير" محظوظ وسنتركه جانبًا، ولكن "الدائرة والمثلث" سينتهي بهما الأمر بأن يصبحا مشوهين لأنهما لم يصبحا مربعًا سليمًا ولا مثلثًا أو دائرة سليمة.

الأطفال مختلفون، ويمكن أن يكون ابنك أو ابنتك مختلفة عنك ومختلفة عن القالب الذي كنت ترغب فيه.

 كل طفل يولد بقالب محدد، ولا يحتاج منك أن تصنع له قالبًا جديدًا، ولكن كل دورك محصور في مساعدته على إيجاد القالب الخاص به، وأن تدعمه أن يكوّن أفضل نموذج في شكله المميز.

لأنك في كل الأحوال لن تستطيع تغيير قالبه وإن أجبرته فستشوّه، وحتى إن تمكنت من الوصول به للقالب الذي تتمناه فلن يكون ابنك سعيدًا بذلك.

"أستاذ مربع" بدلًا من أن يسعى لتربية مربعات جيدة، يمكنه أن يربي أفضل دائرة وأفضل مربع وأفضل مثلث.

كل طفل سيكون أفضل طفل في القالب الذي هو طبيعته.

العدل ليس المساواة


الأطفال مختلفون أيضًا في احتياجاتهم.

"مي" لديها ولد وبنت وتحب كل منهما بالقدر نفسه، ولأنها تحبهما جدًّا فهي مهتمة بكل تفاصيل حياتهما، ما الذي فعلاه في المدرسة اليوم؟ هل هناك شيء ضايقهما؟ هل يحتاجان إلى أي شيء؟ وهكذا.

ابنتها ستكون سعيدة جدًّا، وستشعر بأن أمها مهتمة بها ولكن ابنها سيشعر بالعكس!

فالاهتمام المبالغ فيه من قبل أمه، سيعطيه شعورًا بأنها لا تثق به ولا بقدراته.

أن تعدلي بين أولادك لا يعني بالضرورة أن تساوي بينهم، الأفضل أن يكون هناك موازنة بين العطاء والاحتياج لأن احتياجات الأطفال مختلفة.

المساندة


"عباس" عاد اليوم من العمل ووجد طفله جالسًا يذاكر، وهو مستاء لأنه لا يعرف كيف يحل مسألة معينة، ابنه سيطلب من أبيه أن يحلّها له وسيعتاد على فعل ذلك في كل مرة يواجه مسألة صعبة سيعتمد على أبيه، ولكن في امتحان نهاية العام الدراسي الطفل سيواجه المسألة وحيدًا، ولن يتمكن من حلّها.

هناك فرق كبير بين مساعدة الطفل على مواجهة تحدياته بنفسه وبين أن تواجهها أنت بدلًا عنه، فلو قام "عباس" بحل المسألة مع ابنه وشرح له القانون والطريقة التي يمكنه استخدامها، وتركه يحلها بنفسه، لكانت تلك المسألة أو أي مسألة مشابهة سهلة بالنسبة للطفل، وسيتمكن من حلها في أي وقت وفي أي مكان.

فكما أن طفلك يحتاج إلى الحب والمشاركة منك؛ فهو يحتاج أن تتركه يواجه تحدياته في الحياة بنفسه.

 نمو بدون تحديات = نمو غير صحي 

هذا الجزء صعب وخصوصًا بالنسبة للأمهات؛ فلا أحد يحب أن يرى طفله يعاني، ولكن ألمه البسيط على المدى القريب سيحميه من ألم أكبر على المدى البعيد.

لو جعلت كل الأمور سهلة فأنت بذلك تضعفه، الأفضل أن توضّح له أنسب طرق التعامل وتتركه هو ليتعامل مع المشكلات، ويخطئ ويتعلم من الخطأ بنفسه.

الرفض والصبر


"هشام" متزوج منذ عشر سنين وطوال هذه المدة وهو يتمنى أن ينجب طفلًا، لهذا عندما أتاه طفله كان سيطير من الفرحة! وكان مهتمًّا جدًّا بتربيته وبألا يحرمه من أي شيء في الحياة، وأي شيء يحتاجه طفله يقوم بإحضاره فورًا ويلبي كل طلباته ولكن في النهاية، ابنه سيصبح طفلًا مدللًا من دون أن يقصد الأب ذلك.

 هناك نقطتان يجب مراعاتهما.

  • أول نقطة هي أن الطفل لا يستطيع القياس بشكل طبيعي. 

فهو لا يملك المقدار الطبيعي الذي يكون عندك وعندي، هو يريد كل شيء، ومن كل شيء يريده يرغب في أخذ كل الكمية.

  • والنقطة الثانية والأهم هي تأجيل إشباع الرغبات. 

حتى لو أن ما يطلبه الطفل طبيعي ولديك القدرة على إعطائك له، عليك أن تُشعِره بالرفض بين الحين والآخر؛ فالطفل عندما يكبر لن يحصل على كل شيء يريده، وإن اعتاد وفهم ذلك في صغره سيكون أكثر رضا وسعادة في الحياة.

الحياة الحقيقية ليست كاملة لذلك إن خلقت له بيئة مثالية كاملة؛ فأنت تجعله معرضًا لمواجهة صعوبات أكثر عندما يكبر.

 عندما تقول له "لا" سيتعلم الصبر والتحمل وسيتمكن من مواجهة ألم الرفض، وسيتقبل عدم الكمال في الحياة.

فإن رغب في شراء لعبة معينة الآن، قل له "لا"، ولكن الشهر المقبل سنشتريها، تعليمه الصبر بالتجربة أفضل مئة مرة من أن تحقق له رغباته في ذات الساعة، وتقوم في اليوم التالي بالكلام معه عن أهمية الصبر وتعطيه محاضرة عنه.

القدوة


تجربة واحدة تهزم مائة محاضرة. 

"وسام" طفلها صوته عالٍ وعنيف مع أخته الصغيرة، وهي متعبة جدًّا لأنها طلبت منه أكثر من مرة بأن يكون مؤدبًا ويفعل كذا ولا يفعل كذا…

الشيء الغريب هو أنها تصرخ في وجهه وهي تقول لا؛ لا ترفع صوتك!

الطفل يتعلم بالتقليد والمحاكاة.

لو أخبرته مليون مرة احترم الناس، ولكنه رأى بأنك لا تحترم الغير، فلن يحترم غيره وسيفعل مثلك، ابدأ بنفسك وراقب المشكلات التي تريد أن تصلحها فى ابنك إن كانت موجودة عندك أولًا، عندها عليك أن تصلحها في نفسك وبعدها سيقلدك هو.

اختيارات أقل


"منة" هي طفلتكِ، عمرها أربع سنوات وتريدين أن تسأليها إن كانت تحتاج إلى شيء ما! فبدلًا من أن تقولي: "منة"؛ ما الشيء الذي تحتاجين إليه؟

اقترحي عليها أن تختار بين أمرين؛ مثلًا: ما رأيكِ في كذا؟ ستجيب بنعم أو لا. و"لا" ستنقلنا لسؤال آخر، حسنًا ما رأيكِ بكذا؟ وهكذا..

 بدّل صيغة السؤال الأول غير المحدد، والذي هو مفتوح الاختيارات بأسئلة اختياراتها قليلة – نعم ولا – وأعطِ لطفلك كامل الحرية بأن يختار فيما بينها.

ابتعد عن الأسئلة غير المحددة والأسئلة مفتوحة الاختيارات.

الاختيارات الكثيرة تربك الطفل، في الحقيقة ليس الطفل فقط بل حتى الكبار يواجهون صعوبة مع الأسئلة التي تحتوي على اختيارات كثيرة.

الأوامر


الأوامر والطلبات من أكثر الأمور التي تضعف التواصل بين الطفل وأهله، فلكي تطلب من الطفل شيئًا ما، هناك أربع نقاط يجب مراعاتها:

  • تجنب العنف

العنف هنا يدخل فيه معنى العنف المادي والمعنوي بدرجاته، كالتخويف مثلًا، بأن تقول الأم لطفلها: إن لم تفعل كذا سأخبر أباك عندما يعود من عمله وهو سيتصرف معك.

إجبار طفلك على رغباتك بدون مشاركة منه سيخلق طفلًا خانعًا، أما إشراك الطفل في أخذ القرار فسيخلق طفلًا متعاونًا.

العنف يولّد عنفًا! وليس شرطًا أن يكون عنف الطفل بالصورة نفسها التي يأخذها من الأهل، بل قد يكون عنفه في صورة عناد ومشاكسة وسوء سلوك في المجمل، سيكبر الطفل بشخصية مهزوزة ستظهر بأوضح صورة في مرحلة المراهقة.

 افتقاده للإحساس بالقوة والثقة بالنفس في مرحلة الطفولة سيجعله عنيدًا ومتمردًا باستمرار في مرحلة المراهقة، ستكون هذه هي الطريقة التي يعبّر عن وجوده.

  • لا تأمر طفلك

بل اجعله في صورة طلب، وسيكون من الرائع لو كان الطلب فيه تحدٍ غير مباشر لقدرة الطفل.

  • اجعل الطلب واضحًا ومباشرًا وبدون مبالغة في التبرير وبدون محاضرة عن أهميته.

التبرير الكثير والمحاضرة سيخلقان مزيدًا من المقاومة، وسيبدأ الطفل بمناقشة المبرر معك، ولن ينفذ الطلب في النهاية.

  • عدم وضع أي مشاعر في الطلب تحديدًا المشاعر السلبية.

"هبة" تقول لطفلها: هل يمكنك أخذ الدواء فأنا خائفة عليك ولكي لا أغضب منك.

"هبة" ربطت طلبها بمشاعر سلبية، وتحاول السيطرة على ابنها بجعله يشعر بالذنب. هذا الجزء الكثير من الأمهات تستخدمنه فمثًلا، بعد أن تطلب شيئًا من ابنها تقول له:

  • لقد أضعت عمري كله في تربيتك!

  • أنا أفعل كل شيء لأجلك وأنت ترد الجميل بأن تعذبني هكذا.. ووصلة طويلة من هذا النوع من الكلام.

أنا أقدّر تعبك ومجهودك في التربية، ولكن تكرار الموضوع سيؤدي لإضعاف التواصل بينكما وستدفعينه مع مرور الوقت لأن يستخف بمعاناتك ومشاعرك. هذه الطريقة فعّالة على المدى القريب فقط، ولكن على المدى البعيد الطفل سيهرب ولن يهتم بمشاعرك.

الخلاصة


  • الأطفال مختلفون، مختلفون في احتياجاتهم ومختلفون في طبيعتهم، فلا تجبر الطفل على طبيعة معينة، بل ساعده على أن يكتشف طبيعته.

  • الصعوبات في مرحلة الطفولة أشبه بالتطعيم من الفيروسات، مواجهة الطفل لمشكلاته بنفسه سيعلمه كيف يتعامل مع مشكلات الحياة الحقيقية.

  • الحياة الحقيقية ليست كاملة، عوّد ابنك وبنتك على ذلك بألا تحقق لهما كل ما يريدانه.

  • الطفل يتعلم بالمحاكاة، بدلًا من إعطائه مئة محاضرة دعه يراك وأنت تفعل الأمر.

  • العنف سيخلق أطفالًا مطيعين ولن يخلق أطفالًا متعاونين، وسيوسع الفجوة بين الطفل وأهله.

  • لا تحاول السيطرة على الأطفال بالمشاعر السلبية، سينجح الأمر في البداية ولكن بعد فترة سيرفض الطفل هذه الطريقة، ولن يكترث لمشاعرك وسيستخف بها.