كتاب تأثير إبليس

Book-Cover

كتاب تأثير إبليس (المؤلف: فيليب زيمباردو)

الفترة السابقة كانت مليئة بالأحداث الساخنة، رأينا دولًا يقتل فيها المسؤولون الناس العزّل، ورأينا جماعات تصور عمليات إعدام قاسية جدًّا على الهواء، ورأينا موت مدنين بدون ذنب، رأينا حتى حروبًا أهلية.

حلقة اليوم عن الشر والناس مرتكبي الشرور، وما قد يدفع الفرد لارتكاب أعمال غير أخلاقية.

معظم الناس الذين يرتكبون الشر هم أشخاص عاديون، ولكنهم يتصرفون في مواقف معينة تصرفات شريرة، فأنا لو سألتك هل يمكن أن تقوم بالتصرفات تلك ستنفي وتستنكر سؤالي.

هل تعلم أنه مثلك تمامًا؛ فلو سألته قبل تنفيذ تلك التصرفات الشريرة سيستنكر وينفي أنه يمكن أن يرتكبها.

 من السهل أن نشجب مرتكب الشر، لكن من الصعب أن نتمكن من فهمه، والفهم هنا لا أقصد به مبرر الارتكاب فقط. 

التفاح


لو كان لدينا صندوق فيه تفاح واخترنا تفاحة بصورة عشوائية، التفاحة سليمة ويمكنك أكلها. بعد ذلك، تركنا التفاح والصندوق، وبعد فترة زمنية عدنا للتفاحة نفسها؛ فوجدناها هذه المرة قد فسدت وأصبحت غير قابلة للأكل!

هناك ثلاث طرائق كي نفهم التحول الذي حصل للتفاحة:

  • ممكن أن نتهمها أنها أصلًا فاسدة من البداية، ولكن الفساد لم يكن ظاهرًا وظهر مع أول فرصة.

  • وممكن أن نوسع الصورة التي ننظر منها ونجد بأن هناك تفاحًا فاسدًا حولها فسنتهمه بأنه السبب في فساد التفاحة. 

  • وممكن أن نوسع الصورة أكثر بأن ننظر للصندوق نفسه والأشخاص والنظام الذين يصنعون الصناديق في بيئة ملوثة؛ فكل التفاح سيكون أكثر عرضة للإصابة بالمرض.

التفاح الفاسد هو الأشخاص الذين يرتكبون الشر، والصندوق والتفاح المجاور المصاب هم العوامل الخارجية المحيطة، وصانعو الصناديق هم النظام الذي يخلق الظروف.

من المسؤول؟ دائمًا ما نسأل هذا السؤال ودائمًا تكون الإجابة خاطئة، أساسًا لأن السؤال خاطئ، فنركّز على التفاح الفاسد، ونتجاهل الصناديق والنظام الذي يصنعها.

السؤال الصحيح هو ما المسؤول وليس من المسؤول.

تأثير إبليس


تحول الفريقين

تخيل أنه يوجد نهر عرضه كبير وعلى الجانب الأيمن يسكن فريق من الناس في منطقة كلها حدائق وأراضٍ خضراء، وعلى الجانب الأيسر يسكن فريق ثانٍ من الناس في منطقة جرداء وخالية من أي حياة. الفريق الأول يمثل الأشخاص العاديين الطيبين، والفريق الثاني يمثل الأشرار، يظهر من أول وهلة بأن الفريقين مختلفان تمامًا عن بعضهما بعضًا.

المتعارف عليه أن عبور النهر صعب، وأن الفريق الأول كان هكذا طوال حياته والفريق الثاني كان هكذا طوال حياته أيضًا، ولكن الحقيقة أن أي شخص من الفريقين يمكن أن يجد نفسه في لحظة على الضفة الثانية، ويجتاز الخط الفاصل بين الخير والشر.

الشخص الطيب المسالم يتحول لشخص عنيف يمكنه أن يقتل ويعذب بدون تأنيب للضمير. يتحول الجار الطيب إلى شخص متوحش يذبح جاره في الحروب الأهلية.

تتحول الفتاة الأمريكية النباتية التي تدافع عن حقوق الحيوان إلى جندية تعذب المعتقلين بمنتهى القسوة في سجن أبو غريب.

بسبب تأثير إبليس؛ سُميَ على اسمه لأنه تقريبًا أول مثال نعرفه وقع في التأثير هذا، فتحول في لحظة ولسبب صغير جدًّا من الخير ومن كونه مخلوقًا يعيش في الجنة وقمة في الطاعة للشر المطلق، والعكس تمامًا، كل المطلوب منك لتتنقل من ضفة النهر للضفة الأخرى هو ضغطة زر واحدة!

اختبار ملغرام ١٩٦٣


مجموعة أشخاص عاديين طُلِبَ منهم أن يشتركوا في تجربة. سيجلس المتطوع فيها في غرفة، وفي الغرفة الأخرى يجلس شخص آخر مطلوب معاقبته إذا قام بخطأ ما.

 وكان أمام كل شخص من المجموعة عدة أزرار مرتبة تصاعديًّا، أول زر سيصعق الشخص الآخر بتيار ضعيف وآخر زر سيصعقه بتيار قوي جدًّا مكتوب عليه (خطر صعقة شديدة جدًّا).

المشتركون لم يعرفوا أن الشخص الموجود في الجانب الآخر، ممثل.

مع مرور الوقت كان المشتركون يرفعون درجة الصعق والممثل على الجانب الآخر يصرخ أنا مريض قلب أخرجوني من هنا، وكان المتطوع عندها يتردد للحظات ويسأل ممثل السلطة المسؤول عن التجربة من الذي سيتحمل المسؤولية فيرد عليه أنا، أكمل ولا تهتم للصراخ.

ما نسبة الأشخاص الذين وصلوا إلى الضغط على زر الصعق شديد الخطورة بحسب توقعاتك؟

أكثر من نصف الأشخاص أكملوا للنهاية سواء كانوا رجالًا أم نساء.

اختبار بسيط نُفِذ في الستينيات على أشخاص عاديين مثل الناس الذين تقابلهم في الشارع، أي تفاح سليم! ولكنه يظهر لنا مقدار الألم الذي قد يسببه شخص طبيعي لديه مبدأ عدم إيذاء الآخرين، لشخص آخر طالما أن هناك سلطة أصدرت له أوامر بذلك، حتى لو كانت السلطة مجرد مشرف التجربة.

اختبار سجن ستانفورد ١٩٧١

ما الذي يجعل الناس يسيرون في الطريق الخطأ؟

ما الذي يجعل السجن مكانًا مليئًا بالعنف والجريمة؟ هل لأن المساجين طبيعتهم العنف؟ حسنًا، ماذا لو أحضرنا مجموعة أشخاص عاديين ووضعناهم في سجن؟ هل الشر في المسجون نفسه أم في السجناء الآخرين الذين سيكونون معه أم في المكان نفسه أم في نظام السجن؟

مجموعة طلبة صحتهم النفسية سليمة - أي تفاح سليم - سنطلب منهم الاشتراك في تجربة لمدة أسبوعين وسنقسمهم إلى فريقين؛ فريق حراس وفريق مساجين.

سنعطي للحراس نظارات عاكسة كي نمنع أي تواصل بشري بينهم وبين المساجين. كما سنزودهم بعصي كي يحسوا بالقوة والسلطة وسنطلب منهم أن يستخدموا السلطة لفرض النظام بدون أي مساءلة. فريق السجناء سنعطيهم أرقامًا بدلًا من أسمائهم الطبيعية حتى ننزع عنهم صفاتهم البشرية.

اليوم الأول سيحصل فيه اضطرابات عاطفية بين السجناء؛ اليوم الثاني سيحصل فيه عصيان وتمرد، والغريب هنا أن الحراس تطوعوا بدون سبب للقضاء على التمرد وكانوا سعداء بالدور الذي يقومون به.

فريق المساجين انهار تمامًا وفريق الحراس تحولوا لجلادين وعبروا للجهة الثانية من النهر في أقل من يومين. 

 مع مرور الوقت الحراس ازدادوا سادية وخصوصًا ليلًا عندما شعروا بأن كاميرات المراقبة لا تعمل. 

وصل الحراس لما وصل إليه الجنود الأمريكان في أبو غريب في ٥ أيام، والتجربة كلها اضطروا لإنهائها في ٦ أيام بسبب خروجها عن السيطرة، ومعظم الحراس تضايق عندما انتهت قبل وقتها المحدد.

الحراس الذين كانوا قبل عدة أيام أشخاصًا عاديين بنوايا جيدة، الطبيعي أن يتعاطفوا مع المسجونين ولكنهم بدلًا من ذلك أظهروا تصرفات عدوانية ونرجسية.

العوامل المؤدية إلى السلوك الشرير


التغيرات النفسية والسلوكية الكبيرة الدرامية التي تحدث للفرد ليست بسبب حوادث كبيرة ولا تنويم مغناطيسي ولا بسبب غسيل دماغ، بل بسبب تلاعب منظم بصورة صغيرة ولكنه مستمر، ومع الوقت وفجأة ستعبر الشخص النهر وهو غير منتبه لذلك.

الظروف المحيطة هي التي تسبب التغيير.

 إن أردت أن تدفع شخصًا للعبور للجانب الشرير:

  •  أعطه سلطة بدون مراقبة

وتفرج على أسوأ استغلال للسلطة وأسوأ ما في النفس البشرية وهو يخرج في تصرفاته التي ستتغير، الطريقة التي ينظر بها لنفسه ستتغير، حتى طريقة مشيته ستتغير.

  • جرد الآخرين من إنسانيتهم

قُل عبر الراديو إن القبيلة الفلانية أهلها ليسوا مواطنين أصليين أو أنهم كفار ليسوا مؤمنين بالدين الخاص بدولتك، وبأنهم مختلفون عن بقية الشعب، مختلفون عنا بل هم خطر على المجتمع وعلى الدين وعلى الوطن. 

  • جرد الشخص من فرديته

بعد أن تجرد الطرف الثاني من إنسانيته، جرّد طرفك أنت من فرديته، بأن تلغي أي تواصل بشري بينهم، وتخفي ملامحهم. نسبة العدوانية والقتل لمجرد القتل ستتضاعف أكثر من أربعة أضعاف لو كان المحارب وهو ذاهب للمعركة مجهول الهوية مرتديًا قناعًا.

  • وزع المسؤولية الفردية

أنت عمدة قرية وتريد أن تنكل بمجموعة ينافسونك على السلطة أي ترتكب مجزرة جماعية.

وزع المسؤوليات والمهام على الرجال التابعين لك؛ مجموعة تقوم بنهب أموالهم، ومجموعة تقبض عليهم، ومجموعة تنقلهم من مكان لمكان، ومجموعة تحرسهم في السجن ومجموعة تنقلهم لمكان المحاكمة، ومجموعة تحكم عليهم ومجموعة تنفذ الأحكام، وهكذا.

كل مجموعة لن تشعر بأنها تنفذ مجزرة حقيقية بل سيشعر كل شخص بأنه ينفذ الأمر المحدد الذي صدر له، هو ليس مسؤولًا عن الباقي، فلا يشعر بأي تأنيب للضمير.

الأبطال أشخاص عاديون


مثلما أن الأشرار أشخاص عاديون؛ فالأبطال أيضًا أشخاص عاديون، لا يمتلكون قدرات خارقة بل هم أشخاص نراهم في الشارع كل يوم.

  • شخص عادي هو الذي أوقف تجربة سجن ستانفورد ومنعها من أن تكمل الأسبوعين.

  • شخص عادي هو الذي وصّل صور أبو غريب وبلّغ عن المشكلة وأوقف الانتهاكات.

العالم مليء بالأبطال الذين يصححون الخطأ.

"عباس" يسير ليلًا ووجد شخصًا على الأرض مغمى عليه، المارون بالشارع لم يكترثوا لأمره، كل واحد منهم لديه أسباب تمنعه من التدخل، كل شخص منهم يرى بأنه بالتأكيد هناك شخص آخر سيساعده.

لكن "عباس" لن ينظر للأمر بهذه الطريقة، وسيقوم بمفرده بالأمر الذي كان من المفترض أن يقوم به ويساعده.

الخاتمة


  • أثر إبليس يقدم نظرية بديلة لتفسير الشرور، بدلًا من التفسيرات التي كل تركيزها على الأمراض الفردية أو النقلات الكبيرة مثل غسيل الدماغ.

  • المتحكم الأكبر في صحة التفاح هو الشخص الذي يصنع الصناديق التي يوضع فيها التفاح، أي الجهة المسؤولة عن الظروف المحيطة هي المتحكمة في سلوك الأفراد. 

  • ما بين الخير والشر خيط رفيع جدًّا يمكن أن تتخطاه بسلوكيات بسيطة بدون أن تنتبه لذلك.

  • منح الأشخاص السلطة بدون مراقبة سيؤدي لأسوأ استغلال للسلطة، يجب ألا نثق بأحد ونراهن على طيبة إنسان ونعطيه سلطة مطلقة لأننا بذلك نساعد الوحش المحبوس داخله على الخروج.

  • يمكنك أن تكون بطلًا، المهم ألا تضيع الفرص عندنا تأتيك.