كتاب من الصفر إلى الواحد

Book-Cover

كتاب من الصفر إلى الواحد (المؤلف: بيتر ثييل)

التوسع العمودي والتوسع الأفقي

لو طلبت من الناس الآن أن يتوقعوا شكل الحياة بعد ١٠٠ أو ٢٠٠ سنة ستجد أن الناس مثلًا ستتخيلون شكل السيارة المعروفة ويحسّونها (وبقية الاختراعات كذلك)، فهم لن يخرجوا خارج هذا الإطار.

الناس لا يمكنهم التوقع إلا بطريقة التقدم الأفقي؛ أي الانتقال من واحد لاثنين، نسخ الموجود وإضافة تعديلات بسيطة عليه، على عكس التقدم الرأسي أو العمودي الذي هو الانتقال من الصفر إلى واحد من اللاشيء إلى الشيء.

 "عبد العال" و"تامر" كلاهما يعملان في مجال السفر الجوي، الوسيلة الوحيدة للسفر هي المناطيد، "عبد العال" سيحضر منطادًا ويعدل عليه فيصنع نسخة أكبر تطير لوقت أطول، سيقوم بتوسع أفقي، أما "تامر" فسيقوم بتوسع عمودي بأن يصنع أول طائرة أو بأن يدخل الطائرة في السفر لأول مرة.

التوسع الرأسي الذي قام به "تامر" هو الذي يصنع التطورات الكبيرة التي تغيّر شكل العالم.

لكن للأسف؛ الناس الطبيعيون لا يمكنهم الخروج خارج تفكير الدوائر الاجتماعية التي يخلقونها فيفكرون بطرائق تقليدية.

 "عبد العال" مثلًا يرى بأن المنطاد ممتاز فهو يقوم بمهمته جيدًا، ليس هناك عطل فيه ليبحث له عن حل ويصلحه! لماذا عليه البحث عن حل جديد طالما أن الحل القديم موجود ويفي بغرضه؟!

لا يستطيع الخروج خارج هذه الدائرة سوى نسبة قليلة من الناس مثل المصابين بأنواع اضطرابات طيف التوحد متلازمة أسبرجر مثلًا أو بصفة عامة الناس الأقل حساسية للدوائر الاجتماعية؛ عدم اندماجهم يعطيهم فرصة كي ينظروا للأمور بطريقة مختلفة عن بقية الناس. 

الأسرار ما زالت موجودة

أهم شيء أنك تظل محافظًا على إيمانك أن الأسرار لا تزال موجودة وتنتظر من يكتشفها.

لا يوجد وصفة جاهزة لريادة الأعمال. 

فيمكن أن تجد شخصين يطبّقان قاعدة معينة وعكسها وكلاهما ناجحان. القاعدة الوحيدة التي أجمع عليها الجميع أن الناجحين هم من يستطيعون رؤية القيمة في أشياء غير متوقعة، المؤمنون بأن الأسرار لا تزال موجودة، فلا يكتفون بالحلول القديمة بل يبحثون عن الجديد حتى لو كان القديم يعمل بشكل جيد.

فريق العمل

أنا معترف بأنك شخص- فنان أنت بارع كبيكاسو؛ حسنًا! يمكنك رسم لوحة جميلة، لوحتين، ثلاث لوحات أو حتى عشرين لوحة، ولكنك لن تتمكن من إنشاء صناعة كاملة بمفردك.

مهما كنت عبقريًّا فلن تستطيع إنتاج سوى بضع لوحات، عمل فني فردي ولكنك كي تحول عملك لصناعة كاملة ستحتاج إلى فريق.

ولكن دعونا قبل أن ندخل في جزء الفريق والتوظيف؛ فلنتحدث قليلًا عن الشراكة، الشراكة التي يتعامل معها الكثير من الناس بإهمال شديد.

الشراكة تشبه الزواج في البداية وأنت في مرحلة الخطوبة، لا تستطيع الرؤية بشكل واضح، فتكون متفائلًا لأبعد حد، أنت وشريكك متفاهمان، كل المشكلات ستصغر بنظريكما والاختلافات التي تظهر بينكما- إن تمكنت من ملاحظتها أساسًا- لن تفكر فيها بمنطقية وتلاحظ الأخطاء التي قد تحدث.

ولكن بعد مدة من الزمن سترى الاختلافات الصغيرة على حقيقتها.

تعامل مع الشراكة على أنها زواج، فلا يجوز أن تتسرع أبدًا في الشراكة، كما أنه لا يصح أن تتزوج من شخص بدون أن تعرفه بشكل جيد؛ فإن لم تكن تعرفه، عليك أن تأخذ وقتك بالتعرف عليه قبل البدء حتى لا تصلا للطلاق! أقصد فض الشراكة، ويكون الضحية وأكثر من سيتأذى هو ابنكما أو الشركة التي أسستماها معًا.

وبالنسبة للتوظيف؟!

ليس بالضرورة أن تختار من هو الأكثر موهبة أو الأذكى، بل عليك ألا تتجاهل الاجتهاد، والاهتمام والأشخاص الذين يشاركون الشركة الاهتمامات نفسها.

القيمة المخلوقة ونصيبك منها

"جلال" فلاح لديه أرض صغيرة يزرعها بالبصل، وتُنتج في المحصول ١٠ كيلو بصل؛ فيبيع المنتج ويربح ١٠ جنيهات، في حين أن "منصور" التاجر الذي يشتري منه، يبيعهم ويربح ٤٠ جنيهًا.

ما قيمة المشروع الذي تملكه، ولا أقصد ما القيمة التي يرجعها المشروع بل قيمة المشروع نفسه. المشروع يمكن أن يقدم قيمة كبيرة بدون أن يكون هو نفسه ذا قيمة كبيرة.

"جلال" وأرضه يقدمان قيمة كبيرة جدًّا، ولكنه لا يعرف كيف يأخذ سوى جزء بسيط من هذه القيمة في حين أن "منصور" يقدم قيمة صغيرة ولكنه يعرف كيف يستحوذ على جزء كبير جدًّا منها؛ فيجني ربحًا أكبر بكثير من "جلال".

لا يكفي أن تخلق قيمة، الأهم هو قدرتك على الاستفادة من أكبر جزء من القيمة لنفسك. فمن الممكن أن تجد منتجًا كبيرًا جدًّا يقدم قيمة كبيرة، ولكنه من المنظور التجاري هو منتج سيئ.

شركات الطيران في أمريكا لديها آلاف الطائرات وتخدم آلاف المسافرين، ويدخل لها ربح ببلايين الدولارات كل سنة، وتلك هي القيمة التي تقدمها شركة الطيران، لكن القيمة التي تستحوذ عليها كمكسب صافٍ هي أقل من نصف دولار على كل مسافر، على عكس جوجل التي تقدم قيمة أقل منها ولكنها تعرف كيف تمسك أكبر جزء من القيمة التي تقدمها؛ فحجمها أكبر من حجم كل شركات الطيران مجتمعة.

والسبب هو الاحتكار. الشركات تلك يوجد لديها منافسون كثر فتقدم تنازلات، على عكس جوجل التي تلعب بمفردها في الملعب.

الاحتكار

عندما يسمع شخص ما كلمة احتكار، يتكون لديه انطباع بأن هذه شركة فاسدة وكسولة.

الاحتكار ليس بالضرورة أن يؤدي للكسل؛ بل على العكس يمكن أن يؤدي لمزيد من التطور.

الشركات المحتكرة تكسب الكثير من الأرباح، ووفرة المال التي تحققها تعطيها الرفاهية بأن تصرف على أكبر قدر ممكن من الابتكارات والتخطيط وتنفيذ الرؤى الطموحة. 

ابتعد عن المنافسة

عائلة "وهدان" تعمل في القصب وعائلة "همام" تعمل في القطن، في البداية كانت كل عائلة تركّز مجهودها كله في عملها، وذلك سمح لهما بالنمو والنجاح، ولكن مع استمرار النمو بدأت كل عائلة تنظر للعائلة الأخرى بطمع وشخصن أفراد كل عائلة المنافسة التجارية وحولوها إلى حرب وثأر أدى للقضاء على شباب العائلتين في النهاية، وخسروا أمام عائلة جديدة صغيرة.

العائلة الأولى هي مايكروسوفت التي كانت تحتكر أنظمة التشغيل، والأخرى هي جوجل المحتكرة محركات البحث والمنافسة بين جوجل ومايكروسوفت (ويندوز وكروم أو إس) (اكسبلورر وكروم) لم تتوقف الشركتان إلا في عام ٢٠١٣ عندما استطاعت شركة أبل التي كانت قيمتها أقل من أي واحدة بينهما وأصبحت أكبر منهما مجتمعتين.

في وسط المنافسة الناس يمكن أن يفقدوا القدرة على رؤية ما هو فعلًا مهم ويركزوا على المنافسين بدلًا من ذلك. نحن معتادون على سماع أن المنافسة مفيدة وتساعد على التحسن، ولكننا ننسى بأن المنافسة وسيلة وليست هدفًا والمبالغة فيها ستعود عليك بالسلب وستضرك أكثر.

ابتعد عن المنافسة إن استطعت. المنافسة تحطم المكسب، فإن لم تستطع الفوز على منافسك فالأفضل أن تندمج معه.

سوق صغير

لو كان أمامك سوق حجمه ١٠٠ مليون جنيه وسوق حجمة مليون جنيه وأنت في بداية مشروع؛ فهل سيكون من الأفضل لك استهداف واحد في المئة من السوق الأول أو أن تستهدف ١٠٠ في المئة من السوق الثاني؟

غالبًا ستميل للاختيار الأول، صح! هذه غلطة كبيرة يمكن أن تقع فيها.

لا تنخدع بحجم السوق، بل ما عليك حقًّا الاهتمام به هو معرفتك لكيفية احتكاره.

الهدف أن تبني احتكارًا جديدًا بعيدًا عن المنافسة، حتى يكون لديك شركة ناجحة يجب أن يكون لديك احتكار ناجح.

استولِ على سوق صغير بحيث تستطيع أن تأخذ منه حصة كبيرة وتحتكره، سوق بمنافسة ضعيفة أو غير موجودة ومنتجك يجب أن يكون أفضل على الأقل بعشر مرات من أقرب منافس لك وإلا سينظر لمنتجك على أنه تحسين على المنتج الأول والاحتكار سيكون أصعب وبعد أن تسيطر عليه، كبّر مشروعك واتنقل لسوق أكبر. 

"ماجد" سيبني موقعًا عبارة عن شبكة اجتماعية وسيختار سوقًا صغيرًا ويبدأ في جامعته، سيحتكر هذا السوق ويسيطر عليه، وبعد أن يكبر السوق ويصبح ثلاث جامعات ويسيطر عليها وبعد ذلك ستصبح كل الجامعات سوقه وهكذا إلى أن يحتكر جزءًا كبيرًا من السوق العالمي- الفيس بوك-.

المحتكر يتظاهر بأنه ليس كذلك وغير المحتكر الصغير يتظاهر بأنه محتكر!

إن كنت لم تصل للاحتكار بعد تظاهر بالاحتكار؛ أي صغَّر دائرة سوقك قليلًا، بحيث تظهر بأنك أنت الأول، وإن استطعت احتكار سوق تظاهر بأنك تواجه منافسة قوية، تظاهر بعدم احتكارك له بأن تكبّر دائرة سوقك.

"علي" لديه شركة بحث وهو مسيطر على ٨٠ في المئة من سوق البحث على الإنترنت، سيقدم نفسه على أنه شركة تقنية متعددة ولا تسيطر سوى على ٢٠ في المئة فقط من السوق التقني.

و"حامد" لديه مطعم يسيطر على ١٠ في المئة فقط من سوق الطعام، سيصغّر الدائرة الخاصة به ويقدم نفسه على أنه أكبر مطعم كشري في المنطقة.

لا تتحرك أولًا إن لم تكن مستعدًا

هناك قاعدة، الجميع مقتنع بها بأن المبادر الذي يبدأ أولًا أو أن الشخص الذي يتحرك أولًا تكون له الأفضلية، مثلًا: لو وجدت احتياجًا في السوق وأنت بدأت مشروعًا يغطيه فكلما كنت أول الداخلين ستستقطب أكبر جزء ممكن من المستخدمين وستترك الباقي للمنافسين ليتزاحموا عليه، ولكن هذا لا يحدث دائمًا.

جوجل لم تكن أول محرك بحث، الفيس بوك لم يكن أول شبكة اجتماعية وكلاهما طردا كل من كان يجلس على الكراسي قبلهما.

اترك الناس يركضون خلف الكراسي ولا تزاحم ولاتتسرع بل كن اللاعب الأخير، المهم أن تطور منتجك وتجعل فيه فروقًا نوعية عن الباقين، وأيضًا كونك آخر واحد سيكون لديك فرصة بأن تضع إطار الصناعة كلها ترسم أبعادها بيديك.

عكس المتعارف عليه

هناك قواعد مقدسة بالنسبة لمشاريع ريادة الأعمال مثل:

  • إن النتيجة القوية تأتي من تغيرات صغيرة تحدث بصورة تدريجية.
  • إن السير بدون خطة عمل محددة يعطيك مرونة وقوة.
  • أو إن المنافسة جيدة وستقيدك وتمنعك من الكسل.
  • وإنه من الأفضل أن تركز على المنتج نفسه وتتجاهل المبيعات لأنها ستأتيك وتجري خلفك لاحقًا.

تلك الأمور أصبحت شبه مسلمات في المطلق، ولكن العكس أحيانًا يمكن أن يميل أكثر للصواب.

  •  الأفضل أن تخاطر بجرأة؛ فالتغيرات الصغيرة للمنتج لن تؤدي لتأثير ملموس على عكس الخطوات الجريئة وكل التطورات الكبيرة في العالم تكون ناتجة من تطور رأسي وليس أفقيًّا.
  •  الخطة مهمة حتى لو كانت سيئة، على الأقل ستشير لك إلى هدف طموح.
  • المنافسة تحطم المكسب ابتعد عنها.
  •  يجب أن تهتم بالمبيعات من البداية تمامًا كاهتمامك بالمنتج- المنتج لن يبيع نفسه بنفسه- وهناك منتجات كثيرة نجحت ولكنها لم تحقق مبيعات.