كتاب الأنا والهو

Book-Cover

كتاب الأنا والهو (المؤلف: سيجموند فرويد)

قديمًا، كان الناس يعتقدون أن العقل شفاف من الداخل، أنا إذا سألت أي شخص ما الذي يجول داخل عقلك، سيتمكن من إخباري عن الشيء الذي يفكر به – وهذا فعليًّا ما يوجد في عقله – ولكن بهذا المنطق كان يتم تجاه أمر مهم، الفجوات، تفكيرنا يوجد فيه فراغات.

 لو كان عقلك شفافًا، لتمكنتَ من رؤية الفكرة من لحظة ظهورها حتى اختفائها، ولكن في بعض الأحيان يظهر في رأسنا أفكار ليس لها بداية ولا نعلم من أين أتت! 

فجوات الوعي

فجوات الوعي تلك نراها كثيرًا جدًّا عند حل المشكلات.

أنت مثلًا؛ حاولت جاهدًا حل مسألة رياضية، ولكنك يأست وتركتها وفجأة ومن اللامكان تجد الحل قد أتاك لوحده.

حل مسالة رياضية هو عملية عقلية تحتاج إلى التفكير، وطالما أنك لم تكن تفكر فيها بعقلك الواعي، من أين أتى الحل؟

“سيجموند فرويد” من خلال مشاهداته وتجاربه مع المرضى خرج بنظرية تقول إن عقلنا يشبه جبل الجليد. الناس الذين لم يشاهدوا جبلًا جليديًّا سابقًا سينخدعون بسهولة عندما يرونه، وسيعتقدون بأنهم يرون الجزء الأكبر من الجبل، ولكن الجزء الظاهر فوق الماء لا يمثل سوى - مثلًا - ٢٠ في المئة من حجم الجبل، أما الباقي فكله مغمور تحت الماء ولا يظهر، وكذلك أيضًا عقلنا تحت الجزء الذي نحس به يوجد جزء أكبر لا نعرف عنه شيئًا. هذا الجزء يقوم بنشاط عقلي لا ندركه أساسًا، ولكنه موجود ويدفعك لتقول زلات اللسان، ونسيان الموعد، أنت تظن عندها بأن ما حدث هو مجرد مصادفة أو بأنك لا تقصد حدوثه، ولكن في الحقيقة أنت تقصد وتتعمد فعل ذلك ولكن بدون وعيك. 

نظرية الجهاز النفسي

عقل الإنسان يتكون من ثلاث طبقات:

1- اللاشعور – الهو – id

أول طبقة هي اللاشعور أو الهو، ودعونا نبتعد عن المصطلحات تلك ولنسميه الحيوان.

  • هذا الحيوان مستقر الغرائز والدوافع الأولية التي يولد بها الإنسان.
  • هذه الدوافع يريد إشباعها فورًا ولا يهتم أبدًا بالمعايير أو بقيم المجتمع مثلًا.
  • ليس لديه رادع ولا ضابط أخلاقي أو ديني أو قانوني.
  • هذا الجزء من العقل لا يعرف شيئًا اسمه منطق بل يفهم شيئين فقط وهما: اللذة، التي يجري خلفها، والألم الذي يهرب منه.

2- قبل الشعور – الأنا الأعلى – super-ego

الطبقة الثانية هي الأنا الأعلى أو ما قبل الشعور – هذا الجزء يمكننا أن نسميه بصورة مجازية بالملاك. 

  • الملاك يكون متحفظًا وعقلانيًّا على عكس الجزء الأول.
  • لا يحركه شيء غير القيم الأخلاقية.
  • هو بالأساس مخزن للمثاليات والأخلاق والتقاليد والخير والعدل والحلال والضمير. 
  • هو يقوم تمامًا بدور السلطة الداخلية أو الرقيب النفسي.

الطفل عندما يولد يكون لأهله وللمدرسة سلطة رقابة عليه فيقولون له ما الأمور الصحيحة وما الأمور الخاطئة، ومع مرور الوقت سلطة الناس الخارجية تتحول لسلطة نفسية داخلية بصورة غير واعية منه وتتخزن في الأنا الأعلى، حيث تصبح السلطة التي تراقبه وتخبره ما يجب فعله وما يجب الامتناع عن فعله، تنتقده وتقول له أنت مخطئ وتهدده وتخوفه بالعقاب عندما يخطئ، وهكذا.

3- الشعور – الأنا – ego

الطبقة الثالثة هي الأنا أو الشعور وهذا هو أنت! أنت الفعلي الذي تحس به داخل رأسك عندما تفكر مثلًا.

  • هذا الجزء يشكل حالة وسطية بين الحيوان والملاك.
  • طوال الوقت يحاول أن يسايس ويوازن.
  • هو لا يستطيع أن يطيع الحيوان بالكامل ويعيش بطريقة غير متحضرة، أولًا بسبب البيئة المحيطة التي لن تسمح بذلك وثانيًا لأن الملاك أو ضميره سيعاقبه وينتقده.
  • وفي الوقت نفسه لا يمكن للأنا أن يطيع الملاك بالكامل ويعيش في عالم مثالي؛ لأن لديه احتياجًا شديدًا، ولذلك يحاول دائمًا أن يكون في المنتصف أي أن يشبع جزءًا من رغبات الحيوان، ولكن بطريقة متحضرة يقبلها ويوافق عليها الملاك.

الصراع

إذا تم التوازن هذا بسلاسة سيكون لدينا شخص سوي نفسيًّا، ولكن إن لم يتم بسلاسة فسيتولد القلق والكبت وإن وصل ذلك لمرحلة كبيرة، فيجب في هذه الحالة تدخل محلل نفسي، لكي يساعد المريض على التعامل مع المكبوتات بطريقة ملائمة. فيكتشفها أولًا، بأن يبحث في لا وعيه وفي هفوات كلامه، وبتفسير أحلامه ويقوم بجمع كل تلك الملاحظات جنبًا إلى جنب ثم ينقل المشكلة من لاوعي المريض لوعيه.

الدفاع النفسي

عدم التوازن له أعراض أو ما يمكن أن نسميها أساليب غير مباشرة يستخدمها الشخص كي يدافع بها عن نفسه عندما لا يتمكن من تحقيق التوازن، ذلك يساعده على تقليل التوتر الذي يشعر به.

وبالمناسبة طرق الدفاع النفسي التي سنتحدث عنها الآن تمتاز بصفتين:

  • أولًا أن من يقوم بها يكون غير واعٍ لها أصلًا؛ فهي ليست إرادية وليست تحت سيطرة الوعي.
  • ثانيًا كل الناس تقوم بها. لكن هناك من يقوم بها بصورة معتدلة وناضجة فتكون الطريقة متناسبة مع الموقف مثلًا، وهناك من يقوم بها بطرق مبالغ بها جدًّا.

يمكن أن نقسم الحيل على حسب طبيعتها لثلاثة أنواع:

حيل خداعية

وفيها يخدع الشخص نفسه

  • الكبت

أول حيلة من الحيل الخداعية هي الكبت. هنا يتم استبعاد الأفكار التي تخلق التوتر الكبير من العقل الواعي وتذهب إلى اللاوعي. الفرد بذلك لم يعد يتذكر ما حدث وشعر بالراحة، ولكن المشكلة هي أن الفكرة لم تمسح، بل لا تزال موجودة ولكنه لا يتذكرها.

مثل الإساءات التي حدثت لنا عندما كنا صغارًا بإمكاننا نسيانها ولكننا عندما نكبر نمسحها من عقلنا الواعي فقط، ولكنها لا تزال موجودة، نحن نكبتها، وستظهر على صورة أحلام أو زلات لسان، وستظهر أيضًا في سلوكنا مثلًا عدم قدرة شخص على الثقة في الآخرين بسهولة.

  • التبرير

 وهنا يكذب فيها الإنسان على نفسه عندما يقوم بفعل لم ينجح به مثلًا أو في حلم لم يستطع تحقيقه أو أي فعل قام به، ولكنه غير راضٍ عنه أو أن المجتمع لا يوافق عليه، سيبرر ما قام به كي يحمي نفسه من التوتر الصادر من النقد، بذلك سيتمكن من تخفيف حدة الإحباط التي يشعر بها.

مثلًا الفقير الذي لا يعرف كيف يخرج من فقره ستجده يبرر فقره بأن الفقر نعمة، وبأن الثروة والمال يجلبان المشكلات والهموم.

  • الإسقاط

 وهنا ينسب الشخص رغباته غير المقبولة للآخرين؛ فهو لم يستطع التخلص من عيوبه لذلك يتهم الآخرين بها، فيحمي نفسه من القلق والشعور بالذنب.

نراها في الشخص الكاذب الذي يتّهم الناس بالكذب أو الشخص الذي يكره ويعادي كل الناس، ويتهم الآخرين بسوء الظن والعداوة أو الزوج الخائن الذي يتّهم زوجته بالخيانة أو المرأة التي تحب رجلًا معينًا فتتهمه بأنه يقوم بمغازلتها.

حيل هروبية

النوع الثاني من الحيل هي الحيل الهروبية، وفيها يهرب الشخص من الصراع أو المشكلة.

  • الخيال

أول وأشهر حيلة هروبية هي الخيال، فلو كنتُ عاجزًا عن تحقيق طموحاتي على أرض الواقع أو قلق من إحباط في الماضي أو خائف من فشل يمكن أن يأتي في المستقبل، أي سبب من تلك الأسباب سيؤدي إلى صراع نفسي، فلكي أقيّد هذا الصراع وأمنعه من هدم توازني النفسي، سأعيش في الخيال.

فلو كنت فقيرًا مثلًا سأتخيل بأنني أعيش في قصر ونعيم وهكذا.

  • النكوص

الحيلة الثانية هي الرجوع، وهنا يرجع الفرد لمرحلة سابقة من العمر، ويمارس السلوك الذي كان يمارسه في تلك المرحلة، وحقق له الأمان أو حقق له ما كان يريده وقتها.

مثلًا لو كنتُ أرغبُ في شيء ما كأن أجذب الانتباه أو أنني أمرُ بموقف سيسبب لي القلق أو بأن أشعر بالتهديد سأعود لمرحلة عمرية سابقة، وسأراقب كيف كنت قد تعاملت مع تلك المواقف وسأفعل التصرف نفسه الآن.

مثلًا سيدة وصلت للعمل متأخرة، هذا موقف مهدد لها فسنجدها تبدأ بالبكاء، أو أنا عندما أتوتر سأضع إصبعي في فمي أو أضع القلم وكأنني أرضع.

حيل استبدالية

النوع الثالث هو الحيل الاستبدالية وفيها يستبدل الشخص المشكلة – الصراع – التوتر الداخلي – بشيء آخر.

التعويض

أول حيلة هي التعويض وفيه يحاول الإنسان تعويض شعور نقص لديه سواء أكان هذا النقص جسديًّا أو نفسيًّا أو ماديًّا.

يمكن أن يظهر التعويض.

  • بشكل سلبي كأن يتظاهر الشخص بالمرض مثلًا أو بالاعتداء والضرب وإيذاء من هم أضعف منه كطريقة منه كي يكمل النقص الذي يشعر به.
  • ويمكن أن يكون تعويضًا إيجابيًّا، بأن يدفع كل الناس لمحبته، بأن يكون ألطف من الطبيعي، ويسعى لخدمة كل الناس مثلًا أو كأن يرغب في أن يحترمه الناس؛ فيسعى خلف التفوق العلمي أو المكانة الاجتماعية مثلًا.

الإزاحة – التحويل

 هنا الشخص عندما يتعرض لضغط أو ألم من شخص آخر أو من سلطة لا يستطيع مواجهتها بسبب خوف أو عجز فيبحث عن بديل يوجّه له تلك المواجهة.

 هذه العملية اسمها عملية التحويل، اللاوعي يمهد لها أولًا، من دون وعي الشخص الذي يقوم بالفعل نفسه، فيجد طرفًا أضعف منه وتكون العلاقة بينهما تسمح بافتعال بعض المشكلات، وبذلك يكون لديه بعض المشروعية لانفجاره، 

مثلًا شخص يتعرّض لضغط في عمله فيوجه هذا الضغط باتجاه زوجته، سيبحث عن أي سبب تافه ويكون كحجة له، كما أنه سيمهد لغضبه بأن يسترجع بعض الخلافات القديمة ويثور، بذلك يكون قد قام بعملية تحويل للضغط الذي يعاني منه من عمله إلى زوجته.

التسامي – الإعلاء

الحيلة الثالثة هي من أفضل الحيل واستخدامها يدل على الصحة النفسية العالية، التسامي هو إعادة توجيه التوتر والضغط والمشكلات إلى طاقة إبداعية مقبولة اجتماعيًّا.

أنا هنا سأحول السلوك المكبوت إلى فعل آخر مقبول اجتماعيًّا.

مثلًا أنا لدي زيادة في الوزن ومطالب اجتماعيًّا بأن أنقص من وزني، وذلك يسبب لي توترًا داخليًّا فسأحول هذا التوتر إلى فن؛ فأهتم بالرسم وأرسم العديد من اللوحات الفنية الجميلة وهكذا.