كتاب العرب من وجهة نظر يابانية

Book-Cover

كتاب العرب وجهة نظر يابانية (المؤلف: نوبوأكي نوتوهارا)

دائمًا ما نسمع عن آراء العرب في اليابان، في هذا الكتاب سنرى المجتمع العربي من وجهة نظر كاتب ياباني، سنسمع رأيه وانطباعاته عن المجتمعات العربية التي درس لغتها، وتعامل مع شعوبها وعاش معهم ٤٠ سنة. 

الكاتب محب للعرب وانتقاداته كلها انتقادات بناءة هدفها إظهار العيوب لحلها. 

الشعور بالمسؤولية

تزور "سوزوكي"- فتاة يابانية- صديقتها "منار" لأول مرة. "منار" ستصف لها العنوان. لاحظت "سوزوكي" على طول الطريق انتشار القمامة، وأن الشارع الذي تسكن فيه "منار" مرمي به الأكياس الفارغة والعلب والكثير من القمامة في كل مكان وحتى في مدخل المبنى والدرج، المخلفات موجودة بعشوائية وصوًلا إلى باب منزل "منار" التي بمجرد دخوله انتقلت "سوزوكي" لعالم آخر مختلف تمامًا عن العالم خارج باب المنزل، المنزل نظيف ومرتب جدًّا.

"منار" وسكان الشارع شعورهم بالمسؤولية محصور داخل دائرتهم الصغيرة وليس لديهم أي مسؤولية تجاه مدخل المبنى ولا تجاه الشارع الذي جميعهم يتشاركون فيه.

المواطن عندما يشعر بغياب العدالة الاجتماعية يتولّد عنده شعور بعدم المسؤولية تجاه الممتلكات العامة يمكن له أن يخربها، لا يهتم أساسًا بمشكلاتها؛ لأنه لاشعوريًّا يرى بأنها ملك الحكومة وليست ملكه هو.

الازدواجية

خلال فترة الاستعمار، مارس الإنسان الأوروبي العنصرية على كل الشعوب التي احتلها وكان منهم الشعوب العربية.

بالرغم من أنهم اكتوا بنار العنصرية، ولكنهم يمارسون العنصرية ضد بعضهم بعضًا. لونك، جنسك، أو طبقتك الاجتماعية سيحددون الطريقة التي سينظر إليك الناس من خلالها ويتعاملون معك بها.

العربي يشتكي من القمع الذي تمارسه عليه السلطة، ويتساءل عن بدايته ومن أين أتى! مع أنه يستخدمه ويمارسه بكل صوره على من هم أضعف منه.

الطفل يُربَّى على القمع في التعليم يُضرَب في المدرسة من الأستاذ، وفي البيت يُعامل على أنه مجرد تابع فيكبر، ويتعامل مع الحياة وينظر لها من منظور واحد وهو منظور القمع، وتبدأ السلسلة.

"متولي" أسرته مكونة من ولدين وأمهم. هو الوحيد الذي يمتلك المال بسبب عمله؛ امتلاكه المال يعطيه النفوذ الكامل والسلطة المطلقة عليهم؛ فيتعامل مع أسرته على أنهم مجرد تابعين له وينتظر منهم أن يعاملوه على أنه حاكم مطلق، لا يحق لأحد أن يعارضه أو يناقشه أو يرفض أي شيء يقوله. سيعيش حياته على أنه زعيم مسيطر وحاكم مطلق داخل بيته الصغير، ولكنه عندما يخرج يضطر مرغمًا أن يأخذ حجمه الطبيعي في المجتمع على حسب طبيعة عمله وقدراته.

يصبح الشخص لديه مكانتان؛ مكانة في بيته ومكانة في حياته العامة.

مثال:

"عباس" دكتور في الجامعة هو زعيم حزب معارض. رئيس دولته مسيطر على الحكم منذ عشر سنوات، خلال هذه المدة كلها وعباس يطالب الرئيس بترك السلطة ويصفه بأنه ديكتاتور مع أن "عباس" زعيم الحزب المعارض بصورة مطلقة يتولى رئاسة الحزب منذ أكثر من ٢٠ سنة.

يشتكي "عباس" من غياب ثقافة تقبل الآخر وأدب الحوار مع أنه لا يلتزم بأي منهما.

الأفكار منفصلة عن الواقع 

ممكن في المحاضرة أن يتكلم "عباس" ثلاث ساعات عن الديمقراطية، ولكنه مانع التعليق على كلامه.

المعارضة التي من المفترض أن تمتلك مشروعًا مناقضًا لمشروع السلطة، لكن هنا المعارضة لا تقدم مشروعًا مغايرًا لمشروع الحكم.

  • لا يوجد فرق بين السلطة والمعارضة، كلاهما يمارس القمع! بل إن الشعب كله يمارس القمع.

الأنا والآخر

نحن نعتمد على الأفكار الجاهزة عندما نتحدث عن المجتمعات الأخرى، نرسم صورة ناقصة بأنفسنا لهم وننظر من خلالها إليهم، والصورة غالبًا تميل لتشويه ثقافتهم المختلفة وإظهار أننا متفوقون عليهم وبأننا أفضل شعب، وأفضل من الآخر في كل شيء. ذلك سيوصلنا إلى استنتاجات معينة نبني عليها تصرفات ستشكل طريقة تحركنا بصورة خاطئة.

  • اقبل وجود الآخر وجود ثقافات أخرى، هو مختلف عنك وأنت ليس بالضرورة أفضل منه، ولا عاداتك وقيمك أفضل من عاداته وقيمه.

النمط الواحد

يتبنَّى المجتمع فكرة النمط الواحد، ويرفض ويحاول تغيير أي فرد مختلف ليس فقط في الفكر بل حتى في الملابس والشكل الخارجي.

  • يمكن أن يضحي بالمتميز، المفكر، العالم والسياسي لو خرج خارج القالب. الفرد يرتقي في المجتمع ويستلم المناصب من خلال ولائه للنمط الواحد وليس من خلال كفاءته.

 الناس يحاولون تمييز بعضهم عن بعض بالمنصب أو القبيلة أو الثروة فقط!

والمختلف الموهوب الذي يمكن أن يفيد مجتمعه يتم إجباره على توحيد رأيه مع الناس؛ كي لا يتعرّض للاضطهاد والعنصرية، وفي النهاية تذوب الفردية والاستقلال تمامًا.

  • مع أن اختلاف الرؤى والنظريات مصدر قوة وليس ضعفًا والأفضل تشجيعها وليس محاربتها.

الطفل الصغير الموهوب سيتحول من خلال المنظومة لفرد عادي يدخل قالب المجتمع ويخرج شبيهًا للآخرين بدون رعاية أو اهتمام كافٍ.

النقد الذاتي

 "فتحية" تجلس مع صديقتها "هوندا"، وجاء في حديثهما أمر يخص أمريكا، "هوندا" تتحدث متأثرة كيف أنها خسرت أهلها وأختها في تلك الحرب وكيف أن منزلهم الجميل وشارعهم تدمرا تمامًا؛ ستسألها "فتحية": هل تكرهين أمريكا بسبب ما قامت به وبأنها رمت قنبلتين ذريتين على بلدكم؟ ستجيبها بلا.

العرب ينتظرون من اليابانيين عداء لأمريكا بسبب تدميرها للمدن وضربها بالقنابل الذرية، لكنَّ اليابانيين ينظرون للأمر من منظور آخر، إذ يرون بأنهم يحتاجون أن يعرفوا أخطاءهم في أثناء فترة الحرب ويصححوها.

  • فالياباني يبدأ بمعالجة الموضوع ابتداءً من ذاته وليس من الطرف الآخر، الأسباب التي كانت لديهم وكانت سببًا في المشكلة.

هم راجعوا تاريخهم ووجدوا أنهم كانوا قد دمّروا مدن أناس آخرين كما فعل الأمريكان، راجعوا الموضوع بحيادية ووجدوا بأن أمريكا لم تكن سبب مشكلتهم ولا قنابلها وتدميرها، المشكلة كانت في ذواتهم هم ويجب عليهم إيجاد حل ومراجعة تصرفاتهم، بدون أي مجاملة، استخلصوا الدرس وبدأوا بتنفيذ الحلول ببراجماتية، فلا تتحكم فيهم العواطف بالكامل، ولذلك لمصلحة بلدهم الياباني سيمدون أيديهم للأمريكي وسيتبادل البلدان المواد ويتاجرون سويًّا وكل منهما سيستفيد من الآخر.

لكن لو أن الموضوع معكوس وكانوا عربًا؛ فسوف يعالجون الأمر بصورة مختلفة، والموضوع كله سيأخذ شكل كراهية للأمريكان فقط وانتهى!

سيكون كل تركيز العربي عاطفيًّا على كره عدوه والغضب منه وأخذ كل الأمور بشخصنة بدون النظر لمصدر الخلل ولا الاعتراف به، سيتصرف العرب بهستريا، وكل طاقاتهم التي من المفروض أن تستخدم في الحل سيحولونها لكراهية للآخر وفقط ذلك.

  • النقد الذاتي ومعرفتنا لعيوبنا هو أول وأهم خطوة في إصلاح حالنا. معرفة المشكلة وتحديدها أهم نقطة في حلها.