كتاب عقيدة الصدمة

كتاب عقيدة الصدمة (المؤلف: نعومي كلاين)
"عزت" موظف في شركة يتقاضى مرتبًا قدره ألف جنيه، وهو مرتب أقل من الطبيعي. الناس في الشركات الأخرى متوسط مرتباتهم ألفا جنيه.
ومنذ مدة من الزمن وهو يفكر بأن يتحدث مع المدير في هذه النقطة. واليوم قرر تنفيذ ذلك فسيذهب للمدير ويطلب منه الزيادة، المدير سيرد عليه بأن الشركة تقوم بحملة كبيرة لتسريح الموظفين ستشمل نصف الموظفين، وأنه كان من الجزء الذي سيتم تسريحه في نهاية الشهر.
بعد دقيقة من الصمت سيفكر "عزّت" في حياته التي انقلبت ١٨٠ درجة، وكيف أنه خسر كل شيء بخسارة وظيفته والمشكلة التي وقع بها.
المدير سيكسر الصمت ويقول له أنت بمقام ابني وسأدافع عنك ولن يتم تسريحك، ولكن المرتب للأسف سيقل وسيصبح ٨٠٠ جنيه.
"عزت" كان قد دخل مكتب المدير وفي نيته عدم التنازل عن ألفي جنيه مرتبًا، والآن سيكون سعيدًا جدًّا بالرغم من أنه قد خُصِم منه ٢٠٠ جنيه، بسبب الصدمة التي نفّذها المدير على "عزّت".
شلل الصدمة
لو شعرت بأنك ستخسر كل شيء؛ فمن الطبيعي أن ترى أي حل حتى لو كان مؤلمًا على أنه طوق نجاة وستكون ممتنًا للشخص الذي قدمه لك وستعتبر أنه قد أنقذ حياتك.
إذا استطعت أن تُدخِل الناس في حالة خوف وهلع، فكل تفكيرهم سيصبح مشلولًا وسيقبلون بأي شيء.
الصدمة ستحول الشخص مهما كان صلبًا إلى عجينة لينة يمكنك تشكيلها بمنتهى السهولة، وكلما كانت الصدمة أقوى كانت العجينة ليّنة أكثر، والتغير والتّحكم أصبحا أسهل.
بالرغم من أن بعض الأشخاص ينفروننا من نظريات المؤامرة بمبالغتهم الشديدة، ولكن لا يمكن أن ننكر أن هناك أحداثًا كثيرة على المستوى الدولي ليست أكثر من مسرح للعرائس، وأن هناك أشخاصًا في الأعلى يمسكون بالخيوط ويتحكّمون بالدّمى ويحركونها كما يشاؤون.
مثال:
شخص ما يحدد سياسة معينة يريدها ويدفع الشعب لأن يختارها بنفسه بصورة ديموقراطية، لكن خلف الكواليس هو المتحكم في الخيارات ويظهر في النهاية على أنه كان خيار الشعب بكل إرادته.
العلاج بالصدمة والفرد
هذا "أسامة" سنختصره مجازيًا في هذه الورقة المليئة بالكتابة. الكلمات في الورقة تمثل حياته طبيعته وشخصيته وأحلامه، كل حرف يمثل طبيعة فيه. لكي تعدّل على "أسامة" ستحتاج أن تعدّل على هذه الورقة، لا أتحدث الآن عن تعديل حرف أو حرفين لا بل عن تعديل جذري، تمسح سطورًا كاملة وتبدّلها أو أن تمسح حتى الورقة كلها وتكتبها من جديد.
في الخمسينيات، الخيالات تلك سيطرت على الاستخبارات الأمريكية ووجّهت موارد ضخمة لتحقيقها.
(غسيل المخ)
باستخدام المهلوسات والصدمات الكهربائية تابعوا مدى تأثيرالصدمة على الدماغ البشري.
الصدمة: يمكن لها أن تمنع الشخص من أن يأخذ رد فعل مناسب لأي شيء ستفعله به وستجعله عاجزًا تمامًا.
- عندما تعزله عن بيئته وتشل حواسه، تهينه وتهين رموزه، ستكسر إرادته ومقاومته وستستجوبه في السجن كما تشاء وتأخذ منه كل ما تريده.
وليس شرطًا أن تنفذ الصدمة يمكن أن تهدد بها، وأن تدفع الفرد لأن يتخيّلها ويتخيلك تقوم بتنفيذها فسيتأثر ويعطي النتيجة نفسها وكأنك نفذتها حقًّا.
- أنا يمكن أن أخوّفك بالضرب بأن أبيّن العصا في يدي وسأحقق النتائج نفسها، وكأني قمت بضربك.
العلاج بالصدمة والدول
الصدمة التي يمكن تطبيقها على الفرد، يمكن أن تُطبق على المجتمعات.
تخيل دولة اشتراكية مثلًا أو دولة تتدخل وتقدم دعمًا اجتماعيًّا للمواطنين ونريد أن نحوّلها إلى نظام السوق الحر، التحولات الكبيرة على المستوى الاقتصادي المشابه لهذا لن يقبل بها الشعب أبدًا، ومن المستحيل أن تمر في ظروف طبيعية، بل يجب أن يكون هناك صدمة.
مجموعة الناس الذين يمثلون الدولة مع مرور الوقت مفاهيمهم الاجتماعية والسياسية وسياستهم بنت سورًا حولهم حتى يحميهم من الأفكار التي يرون بأنها سيئة. السور له بوابة واحدة ويقف عليها حارس اسمه "سامح". في الأوضاع الطبيعية دخول السياسات والأفكار يتم من خلال هذه البوابة فقط وتحت إشراف "سامح" الذي يصعب التفاهم معه جدًّا وخصوصًا لو كانت الأفكار غريبة.
عوضًا عن التفاهم معه لو طبقت مبدأ الصدمة! ممكن أن تضربه على رأسه ويصاب بعمى مؤقت تستطيع خلال فترة قصيرة بأن تمرر أي سياسات أو أفكار من البوابة، أو ممكن لصدمة قوية أن تهز الأرض بقوة لدرجة أنها ستوقع السور كله، وذلك سيمنع البوابة من أي ميزة إشرافية؛ فيسبب صدمة أكبر بتأثير أقوى.
الصدمة يمكن أن تكون:
- تضخّمًا اقتصاديًّا.
- اضطرابات ثورات.
- انقلابات.
- حروبًا عسكرية.
- عمليات إرهابية.
- أو حتى كوارث طبيعية.
الأزمة تجعل المستحيل ممكنًا!
ستعمل على خلق أوضاع جديدة تمرر من خلالها سياسات اقتصادية واجتماعية الناس كانت سترفضها في الحالة الطبيعية.
الدولة لديها ٢٠ شركة لو قررت أن تبيع شركة منها للقطاع الخاص في الظروف العادية، ستقوم احتجاجات كبيرة ولكن لو صدمت الشعب بصدمة جماعية، من الإنذار بحرب قد تحصل أو تضخم اقتصادي، ستتمكن من بيع العشرين شركة دفعة واحدة ولن يجرؤ أحد على قول أي شيء.
- عندما تحدث الكارثة، السكان يدخلون في حالة الصدمة الجماعية ويكونون أكثر قابلية على أن يقبلوا سياسات كان من المستحيل عليهم قبولها في الأوضاع الطبيعية.
الشعب يسلّم بشكل أكبر ويقضي على كل خطوط دفاعه ومقاومته ويمكنك حينها أن تهندس المجتمع وتعيد ترتيبه بالكامل من الصفر.
- ستتمكن من أن تخفض الإنفاق الاجتماعي، أو تلغي القطاع الحكومي، تخصص كما تشاء وتحرر السوق تمامًا.
بناء على مبدأ الصدمة الذي صاغه "ميلتون فريدمان" فهو يرى بأن الأزمات فقط – سواء كانت حقيقية أو مفتعلة – هي التي لديها القدرة على إحداث تغيير حقيقي على مستوى الدول والجماعات.
- سياساته تقوم على تحجيم القطاع العام ونقل أعماله للقطاع الخاص وتجفيف الإنفاق الاجتماعي وإعطاء الشركات حرية التصرف بصورة كاملة.
- المبادئ تلك تم تصديرها من أمريكا لدول العالم سواء الدول الديموقراطية في أوروبا مرورًا بالانقلابات العسكرية في أمريكا الجنوبية انتهاء بآسيا وأفريقيا.
أنت حاكم مدينة، والناس بالنسبة لك طلباتهم لا تنتهي فهم يريدون كذا وكذا.
حوّل الحياة كلها لجحيم، الاضطرابات والانفلاتات في كل مكان وخسّر الناس كل مقومات الحياة، أفقدهم كل إحساس بالأمن، عندها سيرضون بأي شيء تقدمه لهم، المهم أن يحافظوا على حياتهم. أو اُدخل حربًا وافتح جبهة سهلة اسمح ببعض الهجمات الإرهابية بذلك سيكون لديك سبب مقنع أن تقضي على أي اضطراب داخلي.
ليس شرطًا أن تخلق الأزمة، المهم أن تتحرك فيها بسرعة وتطبق السياسات بسرعة قبل رجوع المجتمع لحالته الطبيعية.
- اشغل الشعب في المزيد من الصدمات، ولو قررت أن تمرر سياسة معينة في ساعة الصدمة وحصل مقاومة اخلق صدمة أكبر.
- لو أن هناك ضررًا قم بدمجه مع ضرر ثانٍ أكبر كي يمر بصورة أسرع.
(مبدأ الأضرار كلها دفعة واحدة).
وإن كانت العملية طويلة ومؤلمة والناس لن تستطيع الاحتمال اخلق عدوًّا وهميًّا وخوّف الشعب منه، ولكن يجب أن يكون شبحًا هلاميًّا لا أحد يمكنه معرفة أبعاده أو يمكنه أن يمسكه.
رأسمالية الكوارث
مثلما أن الكوارث مفيدة على الجانب السياسي فهي مفيدة على الجانب التجاري وتعدُّ فرصًا استثمارية ممتازة.
بعد كل انهيار تأتي الفوضى، يمكنك أن تستغلها وتحقق منها مكاسب ضخمة.
حي شعبي في قلب مدينة أثرية، بيوته سكانها ورثوها من آبائهم الذين قد ورثوها من جدودهم من آباء جدودهم وهم رافضين تمامًا ترك تلك البيوت بأي ثمن. اليوم المدينة استيقظت على زلزل دمّر جزءًا من ذلك الحي، يمكنك أن تستغل أثر الصدمة الذي سببه الزلزال وتعوض السكان وتشتري بيوتهم بأبخس الأسعار أو حتى تعطيهم بدلًا منها بيوتًا في أماكن بعيدة، وتستغل الموقع وتبني مكانه مواقع ومنتجعات سياحية ستحقق لك أضعاف ما دفعته.
فقدان الناس لكل شيء جعلهم يوافقون على أمر كان من المستحيل أن يوافقوا عليه في الوضع الطبيعي.
حرب العراق
ولو كان الاقتصاد في دولتك متعثر وكل الحلول التي حاولت تطبيقها غير مجدية بدرجة كافية، واليوم أتاك خبر بأن بلدك تعرّض لهجوم، المهاجمون خطفوا طائرات وضربوا عدة أماكن حيوية في البلد! فأنت ستقوم بتطبيق مبدأ الصدمة وستستغل حالة الخوف والصدمة التي أصابت شعبك.
ستصدر قوانين تسمح لك بالتحكم بالبلد بشكل أكبر وبأن تتجسس على الناس، ستطبق سياسات داخلية وخارجية كان من مستحيل للشعب الموافقة عليها في الظروف الطبيعية؛ بل يمكن للشعب أن يطلب منك تطبيقها بنفسه.
وستعلن الحرب على دولة ثانية بدون تحقيقات حقيقة، ولكنها لن تكون حربًا عادية بل حرب استثمارية، ستعطي لاقتصاد بلدك دفعة قوية، ستدفعه لمدة عشر سنوات للأمام، ستوفر المليارات لآلاف الشركات الخاصة في دولتك، بداية من شركات الأسلحة والشركات الأمنية وشركات إعادة الإعمار، بالطبع فأنت ستدمر البنية التحتية بالكامل لكي تعيد بناءها مرة أخرى بعقود تجارية جديدة وصولًا لشركات الطباعة التي ستطبع الكتب المدرسية للدولة التي قمت باحتلالها وستستفيد بكل الطرق.
ستتجاهل حقوق الإنسان في معتقلاتك التي كنت تعلن عنها ليل نهار، وتعطّل القيم التي كنت تنادي بها بدعوى الوضع الصعب الذي تمرون فيه.
مواجهة الصدمة
أود أن أختم الكتاب بالرجوع لحكاية "عزت" الذي حدثتكم عنه في البداية، الصدمة تخسر معظم قوتها وأغلب فعاليتها إذا عُرِفت، "عزت" لو كان يعرف مبدأ الصدمة التي نفذه مديره عليه كان بكل تأكيد سيكون له رد فعل مختلف!