كتاب اللغة الدبلوماسية
كتاب اللغة الدبلوماسية (المؤلف: حسن العكيلي)
اللغة الدبلوماسية كتعريف هي:
-
لغة التخاطب بين الدول.
-
واللغة التي يخاطب بها القائد شعبه.
وتقوم على فكرة أنني عوضًا عن قولي لأمر ما بشكل مباشر، سأستخدم أسلوبًا أكثر لطفًا، ذلك يساعد على المحافظة على البروتوكول بين الدول، ويساعد القائد على التأثير في جمهوره وإقناعهم.
التعريف السابق هو التعريف اللغوي، ولكن الناس أصبحت تستخدم مصطلح اللغة الدبلوماسية خارج السياسة، فيُقال: فلان شخص دبلوماسي للتعبير عن قدرته على الحصول على ما يريده من دون أن يثير مشاعر أحد، أو يغضب أحدًا؛ فهو يستطيع إخبارك بأمر مزعج من دون أن يزعجك.
الشخص الدبلوماسي
الشخص الدبلوماسي:
يعرف طبيعة الكلام
- يعرف جدوى الكلام وأهميته؛ فالكلام واللغة ليسا مجرد أصوات يسمعها الناس.
- الكلمات هي أهم عنصر في بناء الإنسان وبناء النظم السياسية، فهي توجّه تفكير الفرد وتوجّه تفكير الجموع.
- البيان والصياغة لهما سحر، سحر حقيقي يسلب الوعي والإرادة؛ فالدبلوماسي يعرف كل ذلك ويستخدمه بحنكة شديدة.
ويعرف طبيعة الناس
أيضًا هو يعرف طبيعة الناس، ويعرف بأن كل شخص حوله قشرة رقيقة جدًّا تتكسر بأقل كلمة، وأن الناس يشعرون بعدم الاحترام من أقل تصرف، أو أقل هجوم، وهذا ما يدفعهم لصمّ آذانهم، ويدفعهم للمجادلة والهجوم بشراسة، لذلك هو يراعي أدق التفاصيل في كلامه، ويلبي حاجة الشخص المقابل له في الرغبة في التقدير.
اللغة الدبلوماسية
اللغة الدبلوماسية باختصار هي تحويل الكلام المباشر الجاف الخشن إلى كلام غير مباشر رقيق ناعم.
فلو أرادت حكومة بلد ما طرد سفير دولة أخرى؛ فلن تقول له: تفضل اُخرج من الدولة حالًا! ولكنها سترسل لدولته بيانًا تقول فيه: "إن الحكومة ستكون ممتنة لو أن السفير الفلاني غادر أراضيها خلال ٢٤ ساعة". تعبير رقيق كما ترى ولكنه يخفي في طياته معنى ثانيًا؛ فالدبلوماسي يقول كلامًا يوصل المعنى الذي يريده، وفي الوقت نفسه يراعي شعور الآخرين.
هندسة عكسية للمصطلحات الدبلوماسية
يمكن أن نقوم بهندسة عكسية لمصطلحات دبلوماسية كثيرة نسمعها، ونترجمها لكلامنا العادي، ونرى المعاني الخفية وراءها.
- لو أن دبلوماسيًّا يوصل رسالة مفادها أن حكومته تنظر لأمر ما بقلق شديد، ذلك معناه أنه يحمل إنذارًا أو تهديدًا للحكومة الأخرى.
- ولو قال إن حكومتي قررت إعادة النظر باهتمام في ما يحدث؛ فذلك معناه أن العلاقات بين الدولتين أصبحت سيئة، وأن الصداقة على وشك أن تنقلب لعداوة، إذا استمر الوضع على حاله.
- أو لو قال إن حكومتي ستراعي مصالحها؛ فذلك معناه أن الحكومة ستبحث في قطع العلاقات.
- ولو قال إن حكومتي ترجو بأن يصلني رد منكم قبل الساعة كذا؛ فتلك هي رسالة تهديد، وهكذا.
مرتكزات اللغة الدبلوماسية
في الواقع اللغة الدبلوماسية لها مستويان:
مستوى خارجي
الظاهر وهو الذي يعطي الوظيفة الإخبارية للكلام.
ومستوى آخر داخلي
يقوم بتجاوز المستوى الظاهري، ويعبر عن رسالة معينة بشكل فني، ويكون هو المقصود.
هندسة الموضوع بهذا الشكل تتم بأكثر من طريقة، منها مثلًا المعنى الضمني.
المعنى الضمني
أتقدم بكلمة تبدو دلالتها الظاهرية بريئة، ولكن لها دلالة أخرى، تعطي معنًى مختلفًا؛ فمثلًا في أثناء تناول الطعام قد أقول: هل يمكنكِ إعطائي الملح؟ تلك جملة الدلالة الصريحة الخاصة بها بريئة جدًّا؛ فهي مجرد أسلوب استفهام أطلب منكِ إعطائي الملح، وفي الوقت نفسه هذه الجملة لها دلالة ضمنية، فأنا أقول لكِ بأنك لا تجيدين الطبخ، وأن الطعام الذي أعددتِه ينقصه الملح.
طريقة المعنى الضمني هذه تمكّن المتكلم من قول أشياء بدون التلفظ بها بشكل صريح، ويفيد هذا الأسلوب في نقل الرسائل للطرفين.
- فالذي يقول سيتمكن من الهرب من أي اتهام، وسيرد ببساطة أنا أقصد المعنى الحرفي للكلمة، لماذا تقوم بترجمتها بهذا الشكل؟!
- والمستمع يستفيد أيضًا، سيصله الرد بدون إهانة أو هجوم، ويمكنه ادعاء بأن فهمه لم يتجاوز المعنى الحرفي للكلام الذي قيل، وبذلك يكون قد حافظ على ماء وجهه.
حسنًا كان ذلك مثالًا من حياتنا اليومية، دعونا نرى مثالًا من عالم السياسة.
منذ فترة ظهر رئيس دولة بخطاب للدولة المجاورة لهم، وقال فيها: أنا أحذّر من انتقال فيروس الإرهاب إن لم تتم معالجة الأمر على وجه السرعة. الرسالة التي نقلها لها مستويان:
- مستوى ظاهري يحمل معنى أنني أنصحكم وأريد مصلحتكم.
- ومستوى آخر ضمني يحمل التهديد والوعيد.
تعبيرات بلاغية
اللغة الدبلوماسية كما أن فيها كلمات بريئة قائمة على المعنى الضمني، أيضًا فيها كلمات شكلها جميل
- كالمجاز.
- الاستعارة.
- الكناية.
وغيرها من التعبيرات البلاغية التي درسناها.
التعبيرات البلاغية تلك تسمح للمتلقي بمساحة وحرية في التأويل، هذه المساحة مفيدة وممكن استخدامها. حتى تفهم المراد من الكلام عليك أن تقوم بمجموعة من العمليات الاستدلالية، مثلًا في الماضي كانوا يقولون فلان كثير الرماد، حتى نفهم المقصود بالكلمة تلك علينا أن نقوم بعمليات استدلالية بالشكل الآتي:
- كثرة الرماد تستلزم كثرة إحراق الحطب تحت حلل الطعام.
- وهذا يستلزم كثرة الطعام.
- وكثرة الطعام تستلزم كثرة الضيوف.
- وكثرة الضيوف تستلزم أن هذا الرجل كريم ومضياف. وهكذا.
السياسة
التعبيرات البلاغية موجودة في السياسة بكثرة، مثلًا يقال:
- حمامة السلام، وغصن الزيتون، كناية عن السلام.
- المرأة الحديدية بالمملكة الفلانية كناية عن القوة.
- أو الرجل المريض عن الدولة العثمانية في آخر عهدها كناية عن الضعف.
وغيرها من مصطلحات أخرى مثل النيران الصديقة، ضبط النفس وهكذا.
الشارع
كما أنه في الشارع يتم استخدام موضوع التعبيرات هذا:
- فيُقال فلان طويل اللسان بمعنى أنه بذيء الكلام.
- أو وضع فلان على الرف أي أهمله وتركه.
- أو أخذ بيد فلان بمعنى أعانه وساعده.
- الكيل بمكيالين: تعبير عن الانحياز والمحاباة والمحسوبية.
- اختلط الحابل بالنابل تعبير عن اضطراب الأمور واختلاطها.
ومصطلحات أخرى مثل سأريك نجوم الظهر، وأمسكْ العصا من المنتصف وغيرها.
تبني الأسلوب الدبلوماسي
لو أردت بصورة عامة وبكلام عملي أن تتبنى الأسلوب الدبلوماسي وتنقل أفكارك من دون أن تستعدي الطرف الآخر، فما الذي يجب عليك فعله؟
هناك أربع نصائح:
فكر قبل أن تنطق
أول نصيحة فكر قبل أن تتكلم. عندما تشعر بأنك تريد أن تقول شيئًا، أعطِ نفسك وقتًا من الزمن دقائق، وأخّر نفسك قليلًا. في أثناء ذلك حاول أن تتأمل صياغتك للكلام وأفكارك، واسأل نفسك:
- هل من الممكن تفسير كلامك بصورة سلبية؟
- هل هذه هي أفضل طريقة يقال بها الأمر؟
- أو أن هناك طريقة ثانية إن استخدمتها سيكون المستمع أكثر تقبلًا لك؟
اختر الكلمات بعناية
الشيء الثاني هو أن تختار الكلمات بعناية، الكلمات التي تعبر بها عن أفكار تريد إيصالها، حتى لو كانت نواياك طيبة، فممكن أن تؤذي الآخرين.
الفكرة الواحدة يمكنك إيصالها بطريقة لطيفة ويمكنك أيضًا إيصالها بطريقة منفرة، طريقة مزعجة أو مهينة أو متعالية مثلًا.
بفرض أنك تريد ترك عملك، يمكنك أن تقول لمديرك أنا أذكى من العمل الذي أقوم به هنا، ويمكنك أن تقول عوضًا عن ذلك إن المحيط في عملك غير ملائم لك بشكل جيد.
أو لو كان زميلك بطيئًا وأنت تريد منه أن يُسرع أكثر في إنجاز عمله، فلا تقل له: أنت بطيء جدًّا، بل أن تقول له ما رأيك أن تفكر في طرق تجعلك أكثر كفاءة؟!
الرسالة نفسها، ولكن الصياغة يختلف أثرها عند استقبال المتلقي لها.
تحدث بطريقة غير مباشرة
إضافة لذلك عليك أن تضع في حسبانك أن الشخص المقابل لك هش – هش جدًّا من ناحية احتياجه للتقدير واحترام الذات – فبمجرد أن يشعر بأنك لا تحترمه، سيسيء تفسير الكلام الذي تقوله، لذلك حوّل كلامك لصيغ غير مباشرة.
اللغة غير المباشرة ستحميك من أن يترجم كلامك بصورة سلبية، على أنه غرور، أو أنه أمر مثلًا.
أسهل طريقة للتعامل مع الأوامر هي أن تحولها لإلهام، مثلًا بدلًا من قولك ما يجب فعله في صيغة يمكن أن يفهمها على أنها أمر، يمكنك أن تقولها بصورة اقتراح. بذلك تكون بدلًا من أمره، تلهمه كي يفعل الأمر نفسه.
موازنة
أسبِق انتقادك بتعليق إيجابي
أخيرًا التوازن، أحيانًا قد لا يوجد مفر من الكلام السلبي، يجب عليك قول رسالة سلبية فما العمل؟
لو مررت بهذا الموقف حاول موازنة الرسالة، فلا تجعلها كلها سلبية بل أضف عليها جزءًا إيجابيًّا يماثل الجزء السلبي أو أكبر قليلًا، ذلك سيساعد المتلقي على تقبّل كلامك.
مثلًا موظف ينجز عملًا سيئًا يحتاج للكثير من التعديلات؛ فبدلًا من إشارتك للتفاصيل بتلك الطريقة، يمكنك قوله بالطريقة الآتية:
أنا أقدّر فعلًا أنك بذلت مجهودًا كبيرًا وعملت بجد في المشروع الفلاني، ولكنْ يدان أفضل من يد واحدة، فما رأيك أن تتشارك العمل مع فلان، ذلك سيسهل عليك العمل كثيرًا وستعطي نتائج أفضل.
في هذه الحالة نجحت في إيصال معلومة سلبية في وسط رسالة متوازنة، وذلك سيساعد الشخص على تقبّل الكلام ولن يشعر بأنه قد تمت مهاجمته.