كتاب الإنسان يبحث عن المعنى

Book-Cover

كتاب الإنسان يبحث عن المعنى (المؤلف: فيكتور فرانكل)

قبل البَدء بالكتاب، لا أريدك أن تنهي القراءة، مقتنعًا بأنني أطلب منك أن تقبَل ظروفك ومعاناتك في المطلق.

المنطقي أنك إن استطعت دفع المعاناة عن نفسك، بأن تدفعها فورًا.

يعني لو كان حذاؤك ضيقًا، الطبيعي أن تخلعه، ليس من المنطق أبدًا أن تتكيف على الحياة مع حذاء ضيق، هناك بكل تأكيد حلول أخرى أسهل بكثير.

المعاناة التي لا مفر منها

ما أتحدث عنه اليوم هو المعاناة التي لا مفر منها.

 لو أنك تسير في الصحراء، ودرجة الحرارة عالية جدًّا ما الذي تستطيع فعله؟ لا شيء، لن تستطيع خفض درجة حرارة الشمس، فهي أمر خارج عن إرادتك.

إذًا المآسي الشخصية، التي لا دخل لك بحدوثها، ولا يمكنك دفعها عنك هي محور اهتمامنا اليوم. 

قصة المؤلف


هذا الكتاب ليس مجرد شعارات كتبها شخص يجلس في مكتبه، بل هو عبارة عن تجربة شخصية للكاتب، الذي يعطينا الأمل، وكيف أن حياة الإنسان يمكن أن يكون لها معنى حتى في أسوأ الظروف.

فيكتور فرانكل - الكاتب- كان يعيش حياته بشكل طبيعي وفجأة اعتقل ورمي في السجن، وانقطع اتصاله بأبيه وأمه وزوجته، الذين سيموتون جميعًا لاحقًا. 

معسكرات النازية

محشور في زنزانة هو وآلاف المساجين، لا يعلمون كم من الزمن سيبقون في السجن، ويتوقعون الموت في أي لحظة. أي شخص كان يظهر عليه الوهن والضعف، أو أنه لن يستطيع الاستمرار في العمل، كان المسؤولون عن السجن يعطونه صابونة في يده ويخبرونه بأنه سيدخل لكي يستحم، ولكن في النهاية يُقتل ويتحول لسحابة من البخار.

كيف استطاع- الكاتب- أن يحافظ على إنسانيته، وليس ذلك فقط بل كيف أن معاناته تلك، كانت السبب في تأسيسه لمدرسة للعلاج النفسي وهي العلاج بالمعنى.

الكاتب لاحظ كيف أن السجين ينتقل بين مراحل المعاناة، من بداية شعوره بالصدمة والتأثر الشديد بأصغر الأشياء، إلى أن يصل إلى حد التبلّد في نهاية المطاف. 

وكيف يتحول السجين من شخص طبيعي لشخص آخر بدون أي طموح، يكتفي بأقل الأشياء ولن يحلم بأكثر من أكله وشربه ومكان يأويه. 

 وكيف أن هذه الحالة تستمر معه حتى بعد خروجه من السجن، ومعاناته لا تنتهي.

وهناك على الجانب المقابل سجناء لم تستطع المعاناة من التأثير في آدميتهم، فقد كان منهم من يطمئن أصحابه في السجن وهو في قمة التوهان داخليًّا، ومنهم من يعطي قسمًا من حصته البسيطة من الطعام لأصحابه.

الكتاب يعطينا الأمل والكاتب هو أكبر مثال على أنه من رحم المعاناة سيولد الإبداع.

الحياة بدون قلق


سأطرح على "عادل" السؤال الآتي: ما الذي تحتاج إليه لكي تكون شخصًا سعيدًا؟ 

  • سيجيب بأنه سيكون سعيدًا إذا عاش حياته بدون قلق من أي شيء.

ولكن هل يا ترى إن تحققت أمنيته تلك سيكون حقًّا سعيدًا؟

أنت لا تحتاج إلى الراحة التامة، بل تحتاج إلى القليل من الهموم، والقليل من التوتر والقلق كي تحيا حياة سوية.

الراحة التامة

الراحة التامة لن تسبب لك غير الملل، وستشعر بالفراغ والإحباط، ويمكن ألا يظهر تأثير ذلك بشكل فوري، لكن سيظهر ذلك على سلوكك بصورة عامة، وستجد نفسك تفتعل مشكلات جانبية بدون داعٍ، حتى تعوض نقص القلق في حياتك.

"منصور" حاليًّا لديه اكتئاب، فهو لا يمتلك المال لأنه عاطل عن العمل.

احتمال كبير جدًّا أنه سيعتقد بأن الفقر هو سبب اكتئابه، ولكن السبب الحقيقي هو أنه لا يعمل، ولا علاقة له أبدًا بالمال.

الإنسان إذا شعر بعدم الإنجاز وعدم التقدم، سيكتئب.

الأفضل أن تحسن من مهاراتك في أي مجال، فلو كنت تنتظر عملًا ما، يمكنك أن تشغل نفسك في أي عمل تطوعي، تمارس الرياضة وهكذا.

ستجد بأن الاكتئاب قد اختفى، بالرغم من أن وضعك المالي بقي على حاله.

رد الفعل


 "فتحي" أب قاسٍ جدًّا مع أولاده، و "حامد" أب طيب جدًّا مع أولاده، سنحاول أن نفهم السبب وراء سلوكيهما.

  • "فتحي" يتعامل مع أولاده بقسوة؛ لأن أباه وهو صغير لم يتعامل معه إلا بالقسوة.

  • "حامد" يتعامل مع أولاده بلطف؛ لأن أباه وهو صغير لم يكن يتعامل معه إلّا بقسوة أيضًا.

كيف لسبب واحد أن يصدر رد فعلين متعاكسين تمامًا! 

عوامل البيئة

هناك نظريات تقول إن الإنسان هو عبارة عن ناتج لعوامل بيئته وظروفه، ولكن هذا غير صحيح في كل الظروف وكل الأحوال! يمكن بمنتهى السهولة للإنسان أن يُخلِّص نفسه من سجنه وتأثيرات البيئة المحيطة به.

يمكن للظروف إجبارك على كل شيء ما عدا شيء واحد، ألا وهو طريقة تجاوبك معها، موقفك ورد فعلك.

الكاتب عندما كان الضغط النفسي يزداد عليه وهو في السجن، كان يتخيل نفسه في المستقبل، وهو يعرض كتابه والناس يصفقون له وسعداء بإنجازه. أشعَرَ نفسه بالفخر والإنجاز وهو في أسوأ حالاته.

حياتك أولًا وأخيرًا هي ناتج لقرار داخلي وليس لظروفك، أنت المتحكم الوحيد فيها.

العلاج بالمعنى


لو سألت الناس في الشارع، ما أهم شيء في الحياة؟ ستجد إجابات كثيرة، ربما لن تكون إحداها البحث عن معنى الحياة!

لا يمكن لشيء أن يساعد الإنسان أن يتخطى أسوأ الظروف إلّا لو شعر بأن لحياته معنى وقيمة، هذا ليس مجرد رفاهية، بل هو أمر مهم جدًّا، بأن تبحث عن الحكمة من وجودك.

المعنى والغاية سيحققان لك الاستقرار والاتزان النفسي.

ابحث عن المعنى في وسط الألم والمعاناة. 

اسأل نفسك: ما الشيء الذي أعيش لأجله؟ وركز على الإجابة وكبّرها، وإذا لم تجد جوابًا، ابحث عن إجابة! بكل تأكيد هناك أحد ما يحتاج إليك، أو غاية ما في حاجة لوجودك، وحتى إن لم تجد، اخلق لنفسك معنى!

الإنسان يستطيع تحمل أي شيء لو كان له هدف وغاية.

اسمح للظروف بأن تفعل كل شيء، ولكن إياك أن تسمح لها بأن تفرغ حياتك من معناها.

المعاناة ستتوقف عن كونها معاناة عندما تكتسب معنى، مثل التضحية. 

المعنى سيدفع الأم لأن تتحمل أي معاناة من أجل أطفالها، وسيدفع الجندي لأن يتحمل أي معاناة ويضحي بحياته من أجل أهله وبلده.

إن لم تكن قادرًا على تغيير الواقع غيّر نفسك غير طريقة نظرك لمعاناتك، وحاول أن تجد الهدف منها والمعنى فيها.

كره المعاناة

بكل تأكيد كل الناس تكره المعاناة، ولكن أنت يمكنك أن تستثمرها وتحولها لقيمة إيجابية.

فترات الحروب المليئة بالمعاناة، عادة ما يكون فيها إنجازات بشرية ضخمة جدًّا!

اعثر على هدف لك في المستقبل، وتمسك به، واعمل بجهد لتصل إليه، سيكون النور الخاص بك وسط ظلمة الحياة.

لو خسرت الأمل ستخسر الرغبة، ولو خسرت الرغبة، ستخسر الرؤية، ولو خسرت الرؤية، ستخسر الحياة.

فلو كنت تستطيع العوم بشكل جيد، ولكن البحر أمواجه عالية والرحلة طويلة، فبدلًا من أن تستمر في العوم والمقاومة، ابحث عن العوامة التي ستساعدك، ابحث عن المعنى!

"شيماء" طفلة سورية، الحرب قضت على بيتها وحياتها ونصف أسرتها، هي الآن تعيش في مخيم في دولة أخرى منذ عامين، الظروف اضطرتها للانقطاع عن الدراسة طوال السنتين الماضيتين، ولكنها إلى هذا اليوم لا تزال محتفظة بمحفظتها المدرسية وكتبها القديمة، ومهما تنقلت من مكان لمكان دائمًا تحمل محفظتها على كتفها.

كثير من الناس يضيعون حياتهم من دون هدف أو معنى، حتى الذي يكون لديه هدف، الحياة تنسيه هدفه، كل حياته عبارة عن حلقات متكررة دراسة، عمل، زواج، أطفال، وأطفاله يكررون الحلقات نفسها. 

لا أحد يتوقف ويحاول أن يسأل نفسه:

لماذا أفعل هذا؟ وما المعنى من وراء أفعالي؟

لا تنسَ هدفك


مهما أبعدتك ظروف الحياة عن غايتك؛ تشبث بها فهي طوق النجاة. 

عدم وجود المعنى سيسبب الإحباط، ولأن الإنسان يهرب من الآلام النفسية التي يسببها الإحباط، سيلجأ لحيل دفاعية وردود أفعال لكي يحمي نفسه بها، سواء أكان واعيًا لذلك أم لا، كالإفراط في محاولة إشباع الرغبات الأساسية.

يختلف معنى الحياة من شخص لآخر ويمكن أن يختلف لدى الشخص الواحد بمرور الوقت. لكن ما يهم هو وجود معنى يجدد الحياة بداخلك.

هناك أشياء تتعامل معها على أنها حقيقة وفي النهاية تكتشف بأنها غير ذلك، هل تتذكر عندما كنت تقول: إذا لم أدخل الكلية الفلانية، حياتي ستنتهي!

 أو حياتي كلها متوقفة على الأمر الفلاني، أو لا أستطيع العيش بدون كذا…

وبعد أن اختفت كل تلك الأشياء، تكتشف بأنك كنت تضخم الموضوع.

يمكن للشيء الذي تراه الآن أعظم شيء في الدنيا، ألا يكون كذلك. 

الإنسان قويٌّ طالما متمسك بفكرة قوية – فرويد

من كان لديه سبب يعيش من أجله يستطيع أن يتحمل تقريبًا أي شيء – نيتشه

الحياة لا تتوقف.. فلا تظن أن ضياع إحدى الفرص = ضياع كل الفرص.