النغزة

Book-Cover

كتاب النغزة Nudge (المؤلف: ريتشارد ثالر)

هندسة الاختيارات

يقود "منصور" سيارته، وعند وصوله إلى سرعة ٢٠ كيلو مترًا في الساعة سيجد بأن صفارة الحزام بدأت تصدر صوت "تيت تيت تيت" سيتجاهلها في بداية الأمر وكأنها غير موجودة، ولكنه بعد قليل سيجد نفسه تلقائيًّا يربط الحزام كي يتخلص من الصوت المزعج.

هذا المثال يوضح باختصار مفهوم النغزات التي سنشبّهها بصفارة الحزام، النغزات أشياء صغيرة جدًّا توجّهنا وتدفعنا لإتخاذ قرارات معيّنة من دون أن تجبرنا على ذلك.

في مثال السيارة، الشركة ترى بأنه من الأمان بأن يقوم العملاء بربط حزام الأمان؛ ولكن العملاء في بعض الأحيان ينسون فعل ذلك أو يتكاسلون، بالطبع يمكن للشركة دفعهم لأخذ القرار الذي تريده بالطريقة الإجبارية، وذلك بأن توقف السيارة في حال الوصول إلى سرعة معينة إذا كان الحزام غير مربوط، وأيضًا يمكن أن تستخدم طريقة ثانية وهي طريقة النغزة، فتستخدم الصفارة لكي تدفعك لأخذ قرار معين من دون أن تجبرك على إيقاف السيارة مثلًا.. بل على العكس أنت حر تمامًا في ربط الحزام.

مفهوم النغز

مفهوم النغز والتوجيه يُطبّق عليك طول الوقت حتى لو لم تنتبه لذلك، في الحقيقة أنت تتعرض للنغز بداية من الرسائل المخفية في إعلانات التلفاز، وصولًا إلى صاحب السوبر ماركت الذي يرتب المنتجات بطريقة معينة بحيث يدفعك لاختيار المنتجات التي يريدك هو بأن تشتريها.

اليوم سأتحدث عن النغزات مع أمثلة عنها، وكيف تستطيع استخدامها في حياتك.

الاختيار الحر

 معظم الناس يعتقدون بما هو متعارف عليه بأن أي شخص طبيعي عاقل، يمتلك حرية اختيار كاملة، سيختار لنفسه بكل تأكيد أفضل اختيار، هذا أمر مسلم به وكل شخص يعرف مصلحته!

لكن هذه القاعدة عندما تضعها تحت التنفيذ تثبت فشلها، لو راقبت الشخص العاقل ستجده يرتكب قرارات خاطئة أو ليس أفضل القرارات التي تنفع مصلحته، ويمكن أن يأخذ قرارات تسبب له الأذى والمشكلات.

معلومات معقدة

تحب "منّة" العصير وعندما تحتاج إلى أخذ قرار معين متعلق بالعصير، ستدخل المتجر وتقوم بمقارنة بين أنواع العصير بحسب الطعم الذي تفضله وستأخذ قرارها تبعًا لذلك بمنتهى البساطة! 

في هذه الحالة "منّة" تمتلك كل المعلومات التي تحتاجها للحكم، وهي معلومات حجمها قليل جدًّا فستعالجها بسرعة وتتوصل للحل الذي سيحقق لها أفضل تجربة ممكنة.

عريس

ولكن عندما ترجع "منّة" للبيت ستجد بأنه قد تقدم لطلب يدها ٤ عرسان في الوقت نفسه، وعليها أن تأخذ قرارًا وتختار واحدًا منهم.

على عكس المثال الأول هنا احتمالية أن تأخذ "منّة" قرارًا خاطئًا هي أكبر بكثير من احتمالية الخطأ في اختيارها العصير.

دعونا نحلل عملية أخذ "منّة" للقرار من البداية، سنقسم ذلك لمرحلتين:

  • أول مرحلة هي مرحلة تجميع المعلومات.

يمكننا أن نقول بأنها في هذه المرحلة لا تكون ملمة بطبيعة كل عريس منهم- كل التفاصيل حرفيًّا- بالطبع سيكون هناك تفاصيل ناقصة وحتى التفاصيل التي جمعتها، هناك احتمالية كبيرة بأن يكون بها معلومات مضللة. بافتراض أنها اجتازت هذه المرحلة نأتي للمرحلة الأصعب وهي:

  •  مرحلة المقارنة.

في اختيار العصير كانت المقارنة بسيطة جدًّا، وفي رأس الجدول لا يوجد غير خانة واحدة، أما المعلومات التي جمعتها عن العرسان فلا يمكن مقارنة ببعضها ببعض؛ فلكل شخص منهم خصائص ومميزات مختلفة وإضافة لذلك فهذا قرار طويل الأجل، فهل ستختار اعتمادًا على رأيها الآن أم على رأيها بعد عشرين سنة؟!

المثال الثاني يمكن أن نطبقه تقريبًا على اختياراتنا في الحياة بشكل عام، نحن نأخذ قرارًا بناء على معلومات كثيرة، أكثر من اللازم وليس كلها معلومات صحيحة، وكذلك لا يمكننا مقارنة الاحتمالات الممكنة بطريقة صحيحة، بسبب تعقيدها واختلاف بعضها عن بعض، وأضف لذلك بأنه لا يمكننا رؤية العواقب المباشرة لا فعلنا.

النظام التلقائي

لو سألتك في أثناء مشاهدتك لحلقات أخضر عن لون الخلفية التي أقف أمامها، ستجيب بدون تفكير: أخضر.

ولو سألتك ما هو ناتج هذه العملية الحسابية 

١٧٩ x ٤٥

هذه المرة ستأخذ وقتًا وطاقة لتتوصل للحل على عكس السؤال الأول.

لدينا نوعان من التفكير:

  • النوع التلقائي الأتوماتيك الذي استخدمته في إجابتك عن السؤال الأول.
  • والنوع الآخر هو التفكير العقلاني البطيء، واحتجت إليه لتجيبني عن السؤال الثاني.

المشكلة تظهر عندما يسيطر النظام التلقائي العفوي على مشكلة المفروض أن تتعامل معها بالنظام الثاني، ويجيب مكانه كتوفير للوقت والطاقة مع أنه لا يستطيع أن يحسب ولا يقدر بشكل صحيح، هذا ما يحدث طوال الوقت في معظم الأحيان.

كان هناك مجموعة من الناس يحبون سياراتهم جدًّا، ولكنهم متأخرون عن دفع الضرائب، وأنا أعمل في جباية الضرائب لذلك سأرسل لكل شخص منهم رسالة تحذير بأنه إن تأخر عن دفع الضرائب المستحقة عليه سيدفع ٤٩٠ جنيهًا عن كل يوم تأخير، والنتيجة ستكون بأن جزءًا صغيرًا منهم دفع ما عليه من الضرائب، وعندها ستأتي أنت وتقترح بأن نرسل رسالة جديدة للجميع ونكتب فيها بأن كل من يتأخر سيتم الحجز على سيارته، وسنضع صورة سيارة بجانب النص،

النتيجة، أن نسبة الذين تجاوبوا ودفعوا الضريبة ازدادت جدًّا.

النظامان

في البداية استنتجتُ بأن الناس عندما يقرأون الرسالة سيقدّرون العواقب، وذلك ما حدث ولكن بنسبة صغيرة، أما عندما وضّحتَ لهم أنت العواقب أي قمتَ بالعملية الحسابية مكانهم وكتبت الناتج نفسه بمعدل الخسارة اليومية في ثلاثة شهور تقريبًا ستكون خسارتهم تقريبًا ثمن السيارة بل ربما أكثر، استجابوا بصورة كبيرة.

النظام التلقائي السريع فاشل في الحساب لا يمكنه رؤية العواقب، التي تحتاج إلى استنتاج كي يتم للوصول إليها، ويتكاسل عن رؤيتها أساسًا.

وممكن أن نطبق المبدأ نفسه على "كريم" الذي يتوصل لقرارات مالية خاطئة، ويبذر ماله، ويضطر للاستدانة معظم الوقت، سنوجهه بألا يستخدم البطاقة المصرفية في عمليات الدفع بل يستخدم المال، حتى يتعرف على حجم إنفاقه ورؤية العواقب، بدلًا من كونها افتراضية تمامًا في حالة البطاقة المصرفية.

باختصار في مواقف اتخاذ القرار نستطيع تقليل النتائج السلبية بأن نجعل العواقب ظاهرة بصورة واضحة جدًّا، وبألا نفترض بأن الشخص سيستنتج النتائج بنفسه.

الاستسلام للإغراء

في أثناء عرض فيلم هندي في السينما سنقوم بتجربة بأن نحضر ٣ أشخاص ليشاهدوا الفيلم ونقدم لهم ٣ أكياس فشار (طعمه سيئ) بأحجام مختلفة (كبير - متوسط - صغير) وبعد مشاهدتهم للفيلم بالطبع جميعهم سيقومون بشتمنا في أثناء خروجهم بسبب طعم الفشار السيئ، ولكن الشيء اللافت للنظر بأنهم جميعًا أجمعوا على الشكوى نفسها، ولكن لن نجد بأنهم أكلوا الكمية نفسها.

هل يمكنك تخمين من الشخص الذي أكل أكبر كمية؟

  • أجل، الشخص الذي معه أكبر كيس فشار.

أكياس الفشار هي المغريات، الموجودة حولك وحتى إن لم تحبها ولكن لو أنها موجودة بشكل كبير حولك ستجد نفسك تتعرض لها أكثر وتستسلم لها أكثر، أي بالرغم من أن طعم الفشار كان سيئًا، ولكنه كان متوفرًا أكثر بكيس الشخص الثالث فأكل منه أكثر، هكذا بمنتهى البساطة.

وبنفس المنطق الذي جعل صاحب أصغر كيس فشار يأكل كمية أقل، تستطيع التّحكم في الناتج النهائي بأن تتحكم في حجم الطبق أو حجم المغريات التي ستبدأ بها.

الكسل

"شعبان" يريد العمل كمصمم فوتوشوب، فيبحث عن البرنامج ويبدأ بتنزيله على جهازه، ستظهر له رسائل مع اختيارات افتراضية ولكن شعبان لن يقرأ شيئًا منها بل سيضغط على التالي، التالي، التالي ويوافق على اتفاقية شروط استخدام البرنامج.

لنترك "شعبان" قليلًا ونذهب لبلد أوروبي يريد بأن يزيد من نسبة الناس الذين يوافقون على التبرع بأعضائهم بعد موتهم، فتقوم هذه الحكومة بحملات توعية، وتكرر هذه الحملات مرة واثنتين وعشرين بدون نتائج مرضية، والآن ستجرب هذه الحكومة شيئًا جديدًا، وهو بأن يكون الوضع الافتراضي لكل الناس هو التبرع بعد الموت، بدون إجبار الشخص على الموافقة، فيمكنه بكل بساطة إزالة علامة الصح من مربع الاختيار في الطلب الخاص به، لكن الوضع الافتراضي هو الموافقة، هنا كانت المفاجأة، الطريقة هذه حققت نموًا أكبر بكثير من حملات التوعية القديمة، نسبة كبيرة من الناس لم تخرج من البرنامج وتركوا الاختيار على الوضع الافتراضي.

الافتراضي

الافتراضي له سلطة على الناس في أخذ القرار، ويمكنك استغلاله لصالحك بأن توجه الناس لقرار معين مثلما فعلت تلك الحكومة بالضبط.

"عباس" عمله الأساسي هو بيع السيارات، ويقدم لجانب ذلك بعض الخدمات كالصيانة الدورية والتأمين. الآن يقف مع عميل الذي يريد شراء سيارة منه، وسيحاول "عباس" إقناعه بأن يشترك في خدمة الصيانة والتأمين، ولكن العميل سيجيب لا شكرًا، أريد السيارة فقط.

في اليوم التالي سيأتي إليه عميل جديد وهنا سيطبق "عباس" الوضع الافتراضي فسيجعل في العقد خانتين؛ واحدة للصيانة الدورية والثانية للتأمين، وكلتاهما يوجد عليهما إشارة صح، فسيشرح "عباس" للعميل عن الخدمات والعميل سيوافق على الاشتراك هذه المرة.

أنا هنا لا أطلب منك أن تخدع العميل أو أن تجعله يشترك في شيء لا يعرف ما هو، على العكس اجعل الخدمة واضحة جدًّا، والعميل يمكنه أن يلغيها ولكن اجعل الوضع الافتراضي مفعّلًا.

في حكاية "عباس" هناك أشخاص سيقومون بإلغاء الاشتراك، ولكن المهم بأن النسبة النهائية للطريقة الثانية، ستكون أعلى من الطريقة التي استخدمها مع العميل الأول، ويمكنك رؤية نفس المبدأ في أثناء اشتراكك مع كثير من الشركات، بدون أن تنتبه لذلك. 

البطل

لنتخيل مدينة نسبة الطلاق فيها كبيرة جدًّا والزواج هناك عبارة عن جحيم تمامًا، ومجموعة أصحاب يجلسون في المقهى وجميعهم متزوجون ما عدا شاب واحد مقبل على الزواج، وسيحاول كل الرجال إقناعه بالعدول عن قراره وبأن الزواج تعاسة ولكنه لن يكترث لما يقولونه له. في الواقع جميعهم كانوا يعتقدون بأنه لا يرى المشكلات التي يعانون منها بسبب الزواج، أما هو فكان يعتقد بأن تلك المشكلات تحصل مع الآخرين ولكنها لن تحصل معه، لأنه مختلف عنهم، بالرغم من أنه مشابه لهم وبعد بضعة شهور سيجلس نفس جلستهم ليتذمر ويشتكي مما هو فيه بعد زواجه.

بغض النظر عن المثال السابق، ولكن هذا يعتبر أقرب تشبيه للطريقة التي نرى بها حياتنا أو العالم بصورة عامة، فيلم ونحن الأبطال! القواعد والقوانين التي تنطبق على بقية الناس لا تنطبق علينا نحن.

يمكن تقسيم إحساس البطل هذا إلى جزءين:

  • الجزء الأول يقوم على المبالغة في الثقة بالنفس. 

ويمكنك رؤية ذلك بوضوح جدًّا في الإحصاءات التي طبقت على كل أصحاب المهن تقريبًا، التي يكون معظمهم مقتنعين بأن مستواهم أعلى من المتوسط.

  • والجزء الثاني يقوم على التفاؤل المبالغ فيه.

في الأفلام البطل دائمًا مختلف ولا يهزم أبدًا، فجميع أفراد العصابة يطلقون النار عليه، إلّا أنه لا يصاب بأذى وهو عندما يطلق رصاصة واحدة، سيتمكن من قتل ٢٠ شخصًا!

هذا المنطق يدفع الناس لخوض الحروب بالرغم من معرفتهم بأن أكثر من نصفهم سيموت، لكن كل شخص سيفترض بأنه ليس منهم.

في بعض الأحيان يمكن لهذا المبدأ أن يؤذيك عندما يدفعك للمجازفة في أمور أعلى من قدراتك وأكبر من حجمك.

الخلاصة

النظام التلقائي

يمكننا التحكم بالنتائج بأن نصمم مواقف اتخاذ القرار بحيث تكون النتائج غير معقدة وسهلة الاستنتاج.

الإغراء

حجم الأكل يتناسب طرديًّا مع حجم الطبق الموجود أمامك، كذلك أيضًا فرص استجابتك للإلهاء أو الإغراء فهو يتناسب طرديًّا مع حجم ونسبة وجود عوامل الإلهاء والإغراء في المكان من حولك.

الوضع الافتراضي

كلنا نكره الخسارة أكثر مرتين من حبنا للمكسب، ولذلك عندما تشترك في أمر ما ويكون لديك الحرية بأن تنسحب، ستتمسك به أكثر بكثير من أن تكون غير مشترك ومعك الحرية بالانضمام.

البطل

ما الذي يدفع الناس للذهاب للحرب برغم معرفتهم بأن نصفهم سيموت، لأن كل شخص منهم يعتقد بأنه مختلف عن الباقين. قبل أن تأخذ أي قرار، تأكد من قدراتك التي تحتاج إليها في التنفيذ، هل قيّمتها بشكل موضوعي أم أنك بالغت في تقييمها!