كتاب الابتزاز العاطفي

كتاب الابتزاز العاطفي (المؤلف: سوزان فوروارد)
عاد "إبراهيم" اليوم من العمل ليتفاجأ بالناس يصرخون: ابنك خُطف يا إبراهيم!
سيجري لمنزله ليفهم ما الذي حصل! وعند دخوله المنزل يسمع صوت الهاتف يرن، يرفع السماعة؛ فيسمع صوت البلطجي ليخبره بأنه إن أراد رؤية ابنه عليه أن يحضر مليون جنيه!
فلنقف هنا قليلًا ونشاهد ما حصل من خلف الكواليس؛ البلطجي اختار الفريسة، وهنا الفريسة "إبراهيم" الأب وليس ابنه.
لقد رآه كفريسة سهلة ومناسبة وهو مليونير ويمكنه أن يدفع!
بعد ذلك بحث عن نقطة ضعف وهي الابن، وهدده من خلال نقطة الضعف هذه، لكي يحصل على ما يريده، والذي هو المليون جنيه.
طبعًا الجريمة أو عملية الابتزاز وكل ما قلته، يمكن أن يحدث في الأفلام، ونقرأ عنه في الجرائد، لا تكترث لأمره الآن ولكن، دعني أخبرك بأن هناك الكثير من الناس يقعون ضحايا للجريمة نفسها، ولكن بصورة مختلفة قليلًا.
الابتزاز العاطفي
فبدلًا من البلطجي سيكون شخصًا يعرفنا (أم، أب، ابن، صاحب، قريب، زوج أو زوجة.. إلخ)، ويمكن أن يكون شخصًا غريبًا أيضًا، وعوضًا أن يخوّفني باستخدامه الابن مثل حالة "إبراهيم" سيخوّفني بإحساسي بالذنب تجاه أي شيء.
أي شيء هو يعلم بأنه نقطة ضعفي، فمثلًا أن يكون ببساطة يعرف كل أسراري ويهددني بعقاب معنوي شديد لو لم أُنفذ طلباته.
وبعد كل ذلك، العملية ستتم بدون أي مقاومة مني ولن أخبر الشرطة مثل "إبراهيم" لأن الشخص الذي يفعل ذلك على الأغلب يهمني أمره.
فسأخبئ التراب تحت السجادة وأغض الطرف عما يحدث.
الأسلحة
أهم جزء في جريمة الابتزاز هو أن السلاح يظهر في الصورة؛ فالبلطجي عندما اتصل بإبراهيم، وضّح له بأنه سيستخدم السلاح ويقتل ابنه إن لم ينفذ شروطه.
الموضوع نفسه موجود في الابتزاز العاطفي، إظهار السلاح والتهديد باستخدامه لو لم تنفذ كذا ستعاني من العواقب! مثل الطفل "أسامة" الذي اعتاد على سرقة الشطائر من الأطفال الآخرين في الحضانة.
- فيقول للطفل الجالس أمامه: هات شطيرتك وإلا لن أتحدث معك أبدًا.
- ويقول للطفل الذي يجلس بجانبه: إن لم تضع شطيرتك في يدي، سأخبر المعلمة بأنك فعلت كذا!
- ويقول للبنت التي تجلس خلفه: أريد شطيرتك، سأموت من الجوع، لم آكل أي شيء منذ خمسة أيام!
"أسامة" هنا استخدم ٣ أسلحة مختلفة، اثنان منهما ماديان، وواحد معنوي. لو قسمنا الأسلحة بصورة عامة سنجد أربع مجموعات تعتبر أساسية:
تهديد عقاب خارجي
أول سلاح هو التهديد بالعقاب الخارجي أي يهددك بالعقاب الذي سيقع على أي شخص آخر غيره، مثل حكاية "مي" التي تهددها عائلتها بالمقاطعة وبأنهم سيمنعون عنها الدعم المالي، إن لم تفعل ما يأمرونها به، وتدخل كلية الطب كما فعلت ابنة عمتها، ويربط والداها تنفيذ رغبتهما التي تعاكس رغبتها بالرعاية والحب اللذين يمنحانهما لـ"مي".
تهديد عقاب داخلي
السلاح الثاني هو التهديد بالعقاب الداخلي وهنا سيهددك من يستعمل هذا الأسلوب بأنه سيعاقب نفسه ويؤذيها إن لم تنفذ ما يطلبه منك.
مثل حكاية "رجب" التي تخبره أمه بأنها لن تأكل أي طعام إلى أن تموت، إذا لم يتزوج ابنة خالته. أو بأنها لا تريد من "رجب" بأن يتأخر عن المنزل فبدلًا من أن تخبره بذلك، ستقول له لن أنام إلى أن تعود، وتُشعرُه بالذنب بأنها ستعاقب نفسها إن تأخر.
تهديد المعاناة
السلاح الثالث هو بأن أخبرك بأنني أعاني بسببك، وأنك السبب فيما يحدث لي!
مثل حكاية "كريم" الذي لم يستجب لطلب كانت خطيبته قد طلبته، لذلك ستقوم بالبحث على الإنترنت عن يد تشبه يدها، يظهر في الصورة بأن مصلًا مغروزًا في هذه اليد، وتضعها حالة على الواتساب، وتطلب من صديقاتها على الفيسبوك بأن يكتبن لها: نتمنى لك الشفاء العاجل! وكأنها مريضة في المستشفى بين الحياة والموت، بذلك تشعره بالذنب بأنه هو من فعل بها كل ذلك، لمجرد رفضه لتنفيذ طلبها.
وأخيرًا الإغراء
السلاح الرابع هو الإغراء أو المكافأة، فهو ليس تهديدًا بشكل صريح، ولكن فكرته بأن يربط المعاملة الحسنة التي يقدمها لك مع تنفيذك لطلباته.
مثل زوج "هند" الذي طلب منها فعل أمر ما، ولكن "هند" ترى بأنه من حقها أن ترفض، فسترد بلا! فيمتنع زوجها عن الحديث معها بشكل نهائي، ويقلب الحياة لجحيم ويوصل إليها شعورًا بأنها إذا أرادت التخلص من كل تلك المعاناة، عليها أن تغير رأيها وبذلك تحل المشكلة بأكملها.
أعراض الابتزاز العاطفي
كل عملية ابتزاز عاطفي مثالية لها تقريبًا ٦ أعراض:
- رغبة
- مقاومة
- ضغط
- تهديد
- التزام
- تكرار
"هشام" يطلب من أمه أن تشتري له سيارة جديدة.
- هنا الرغبة هي شراء السيارة الجديدة التي يريدها هو.
- وسيقابل المقاومة بأن أمه سترفض، وستخبره بأن المال الذي تخبئه تحت السرير هو لأجل عمل تجاري تريد البدء به!
- ولكنه لن يحترم رغبتها وسيضغط عليها كي تغيرها. وعملية الضغط هذه، واسعة قليلًا وتختلف من شخص لآخر، ولكن الفكرة العامة هي بأنك تختار صفة في الطرف الثاني، تراها مهمة جدًّا بالنسبة له، وتعبر عنه، فتقوم باستفزازه بأن تقول بأنها ليست موجودة فيه. "هشام" سيتهم أمه بالبخل وبأنها تفضّل إخوته عليه، وتلك الصفات ليست موجودة بأمه في الحقيقة، إلّا أنه يحاول استفزازها، لكي تنفذ تصرفًا يعاكس رغبتها.
- وبعد ذلك يبدأ بمرحلة التهديد، فيمكن أن يهددها بأنه لن يكلمها أبدًا أو بأنه سيترك لها المنزل، أو بأنه لن يذاكر وسيرسب في الامتحان.
- وأخيرًا بعد أن توافق، نصل لأخطر مرحلة!
- "هشام" هنا سيتعلم طريقة يستطيع أن يستخدمها في كل مرة يريد شيئًا من أمه، مهما كانت الظروف فهو لن يهتم، وستكون هذه طريقته الوحيدة السهلة في التعامل مع أمه، بل من الممكن بأن تصبح تلك نظرته في التعامل مع العالم كله.
الضباب
قد تتساءل طالما أن موضوع الاستغلال بهذا الوضوح، لماذا لا نراه؟
ذلك لأننا نُقدّر الشخص الذي يفعل ذلك معنا ونحبه، ولا نريد أن نرى الاستغلال في الموضوع أساسًا، وإضافة لكل ذلك؛ المستغل أيضًا يتحرك من خلال مثلث يخرج الدخان ويخبئ الابتزاز خلفه.
المثلث يقوم على ثلاثة أضلاع:
- خوف
- التزام
- ذنب
الرجل البلطجي الذي بدأنا به القصة استخدم المثلث لكي يحصل على المال، لأن "إبراهيم" كان خائفًا على ابنه، وأيضًا كان يشعر بالالتزام كأب بأن يحمي ابنه، وسيكون مذنبًا لو حصل مكروه لابنه!!
المُستَغِل في الابتزاز العاطفي سيخوّفك بأنك إن لم تفعل ما يريده فسيقطع علاقته بك، أو سيؤذيك. وبأنك ملزم أصلًا بأن تفعل ما يريده وإن لم تفعل فبذلك تكون مذنبًا ومخطئًا!
"هشام" خوّف أمه بأنها إن لم تشترِ له السيارة، فلن يذاكر وسيترك لها المنزل؛ فبالتالي على الأم التزام بأن تشتريها له، كما بقية أمهات أصدقائه! وجعلها تشعر بالذنب بأنها لا تقوم بواجبها كأم، ويعطي الموضوع بعدًا دراميًّا كبيرًا جدًّا؛ بأنها السبب في جعله أقل شأنًا من أصدقائه، ولو أنه تشكل عنده عقدة نفسية فذلك بسبب معاملتها القاسية معه!!
الضحية
بعض الأشخاص يعتبرون نماذج مثالية لعمليات الابتزاز العاطفي، بالطبع كلنا معرضون للابتزاز العاطفي، ولكن بعض الأشخاص معرضون أكثر، فالبلطجي عندما اختار "إبراهيم" لخطف ابنه، كان يعلم منذ البداية بأنه ضحية سهلة ولا يستطيع تمالك أعصابه. وسيتمكن من أخذ ما يريده منه بكل سهولة.
"منّة" مثلًا تستغل صاحبتها وتستلف منها المال، ولكنها لا ترجعه لها أبدًا! وتبتزها لأنها ضحية سهلة، وتستغل فيها بأنها صديقتها الوحيدة ومن دونها ستكون هذه الصديقة وحيدة تمامًا!
أكثر الناس الذين يقعون في هذه المشكلة ويتم التلاعب بهم بسهولة:
- هم الناس الذين ينتظرون التقييم من الآخرين كي يشعروا بتقديرهم لذواتهم.
- أو أن لديهم مشكلات مع المواجهة.
- أو يرون بأنه تقع عليهم مسؤولية إنقاذ كل الناس.
العلاج
"إبراهيم" بعد أن دفع المال للبطلجي واستعاد ابنه بالسلامة، سيحتاج إلى أمر مهم جدًّا!! وهو أن يعلّم ابنه ما هو صحيح وما هو خطأ، حتى لا يقع في هذه الغلطة مرة ثانية.
فيعلّم ابنه بأنه لا يجوز أبدًا الذهاب مع الغرباء، حتى لو وعدوه بإعطائه شوكولا أو ألعابًا.
"إبراهيم" سيبدأ برسم حدود وقواعد جديدة يتبعها هو وابنه، وكذلك لو أنك تشعر بأنه يتم التلاعب بك، فأول شيء عليك القيام به هو توضيح الحدود، حدود جديدة ممنوع على الطرف الثاني تجاوزها.
دعك من المنطقية عند محاولتك لتوضيح له أن ما يقوم به هو استغلال وخطأ، أو يمكنك تجربة ذلك ولكن لا تجعل سقف توقعاتك عاليًا جدًّا!
غالبًا الشخص المبتز هو شخص نرجسي، يرى بأن استغلال الناس حقه من حقوقه، ويتعامل معهم على هذا الأساس طوال حياته.
فلو كان طفلًا وشعر بالضيق من موقف معين، وأرادك أن تتصرف بطريقة معينة، فلا تحاول أن تبين له بأنه يبتزك عاطفيًّا، بل قل له:
أنا أتفهم أنك غاضب ومتضايق، ولكنني لن أتمكن من فعل ما تطلبه مني!
هكذا بمنتهى الهدوء وبردوة الأعصاب وبدون تبرير.
لا تخف من تهديداته، فقوته تنبع من خوفك أنت.
حسنًا بفرض أنك تشعر بأن شخصًا ما يتلاعب بك ولا تعرف كيف تتصرف!
بسيطة، قل له بأنه تحتاج بعض الوقت إلى التفكير في طلبه.
دائمًا خذ وقتك ولا ترد بصورة عفوية. الوقت هو الحل السحري كي تستطيع فهم الموضوع بصورة أفضل، ودائمًا اسأل نفسك: هل أتصرف هذا التصرف المعاكس لرغبتي؛ لأن ذلك هو التصرف الصحيح، أم لأنني خائف من رد فعل فلان؟