كتاب العلم الزائف

كتاب العلم الزائف (المؤلف: بن جولديكر)
خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك أناس بدائيون يعيشون على جزيرة - عليها قاعدة إمدادات- هؤلاء الناس كانوا بصورة دورية يشاهدون طائرات تنزل من السماء بالبضائع، أعجبتهم الفكرة وأرادوا تنفيذها بأنفسهم؛ فأنشأوا ممرًا شبيهًا لممر الطائرات ووضعوا شعلات نار على الجوانب، ووقف واحد منهم بإشارات وخشبة على رأسه، وكأنها سماعة كالتي يضعها الرجل الذي يوجّه الطائرة في أثناء هبوطها. المهم أنهم بعد أن فعلوا كل ذلك جلسوا منتظرين الطائرات لتهبط.
تلك قصة حقيقية حصلت في الخمسينيات في عدد من الجزر اسمها "ميلانيزيا"، وهي شبيهة للموضوع الذي سنتكلم عنه اليوم.
العلم الزائف يبدو تمامًا كالمطار الذي أنشأه هؤلاء الناس، من يمارسونه يعتقدون أنهم يقومون بكل شيء بصورة صحيحة. كلمات علمية وأبحاث وتجارب، ولكن في حقيقة الأمر هو خديعة مضحكة.
أبطال العلم الزائف، ثلاثة:
الطب التكميلي
أولهم يعمل في الطب التكميلي أو البديل، تجد المريض يعاني سكرَ الدم وسيموت إن لم يأخذ الإنسولين، بينما يحاول صاحب الطب التكميلي إقناعه بالعشبة الفلانية!
يمكنك تميز صاحب الشخصية هذه من خلال ثلاث صفات:
- دائمًا يتحدث عن العلماء في الزمن الماضي، العلماء الصينيين مثلًا.
- مكونات المنتجات التي يستخدمها لها أسماء درامية، مثلًا يقول لك: هذه اللصقة تحتوي على الحمض الناري الخشبي.
- قوته كلها في سلطته على الناس البسطاء؛ فهو يبني سلطته تلك بالجمعيات التي يُنشئها هو وأصحابه
مثلًا الرابطة الدولية لاستشاري الطب الصيني التكميلي. عندما يضع هذا اللقب قبل اسمه وأنه عضو مهني استشاري في الجمعية الفلانية، ذلك يعطيه وقعًا علميًّا عندما تسمعه الأذن.
- كما أنه يدعم سلطته بتفسيرات ذات مسحة علمية. يأخذ القشور وقليلًا من المعرفة ويستنتج منها استنتاجات غريبة.
السبانخ مثلًا نبات لونه غامق لأن فيه "كلوروفيل" بكمية كبيرة، والكلوروفيل يصنع الأكسجين، فلو أن جسمك في حاجة إلى الأكسجين عليك بأكل السبانخ. كلام له طابع علمي، ولكنه يتجاهل الكثير من الحقائق. لو أردنا تتبع كلامه.
- أولًا لا يوجد ضوء في معدتك، والذي هو أساسي لصناعة الأكسجين من الكلوروفيل.
- وحتى لو حصلت معجزة وبدأت معدتك في إنتاج الأكسجين، فما فائدة ذلك! هل المعدة مصممة أصلًا لامتصاص الغازات؟
وهكذا نجد بأن استنتاجاته مأخوذة من قراءته لكتاب العلوم لمرحلة أولى إعدادي.
مُختَصة التغذية
ثاني شخصية هي مختصة تغذية. التغذية السليمة كعملية هي بسيطة جدًّا، ولكنها كي تخلق مساحة تجارية لنفسها ستجعلها أكثر تعقيدًا.
تعتمد المهنة الخاصة بها على فكرة بسيطة وهي:
- أن تحضر دراسة علمية.
- وتطبق عليها عملية استقراء مبالغ جدًّا فيها.
- ومن ثم تستخدم الاستقراءات التي خرجت بها وتبيعها للناس بحيث يكون معها مصادر، وأدلة بحثيّة علمية منشورة.
أنا لا أسخر من نصائح الغذاء البسيط، المنطقي، الصحي؛ بالطبع اتباع نظام غذائي صحي بسيط مسألةٌ مهمة جدًّا، ولكن الموضوع في وسائل الإعلام يتجاوز جدًّا هذه الحدود؛ فتجد بدعًا غذائية وأقراصًا علاجية وسوقًا كبيرًا ويزداد يومًا بعد يوم.
مثلًا:
- تقول لك بأنك لو شربت كأسًا من عصير الرمان كل يوم فذلك سيضيف سنتين لعمرك المتوقع، وتوجد دراسة أمريكية تقول ذلك.
- أو تقول لك أضف زيت الزيتون لطعامك، بذلك ستقلل التجاعيد ويوجد دراسة إنجليزية تؤكد ذلك.
هذه السيدة تمتاز بثلاث صفات:
- هي تخبرك نصيحة محددة للغاية.
- وراءه ادعاء محدد للغاية.
- وفيه نبرة سلطوية، واثقة جدًّا مما تقوله.
الغريب أنك لو راجعت المصادر التي تضعها، لن تجد صاحب الأوراق البحثية يتحدث بالثقة نفسها أو يدّعي الادعاءات نفسها التي تقولها هي.
فدراسة زيت الزيتون ما هي إلا مجرد استطلاع وجد أن الأشخاص الذين يضيفون زيت زيتون لطعامهم لديهم تجاعيد أقل. بالرغم من أنه قد يظهر أن هناك نمطًا بينهما، ولكنَّ هناك أنماطًا أخرى كثيرة يمكن أن نجدها هنا.
- مثلًا الناس الذين يتناولون زيت الزيتون بانتظام في المنطقة التي أجريت فيها الدراسة هم من الطبقة المتوسطة فما فوق بسبب ارتفاع سعره، ومن ثم فهم يملكون المال ومعظم أعمالهم هي أعمال مكتبية بعيدًا عن الشمس، وبعدهم عن الشمس هو الذي يقلل من التجاعيد.
- ويمكن أنه بسبب امتلاكهم للمال، فاهتمامهم بأنفسهم أكبر ووعيهم لذلك أكبر.
- ويمكن أن يكون الشخص الذي يهتم بهذه النوعية من الزيوت، يهتم بالأكل الصحي بصورة عامة، وذلك سيقلل التجاعيد وهكذا.
وهناك أنماط أخرى كثيرة يمكن استنتاجها من الدراسة.
مستحضرات التجميل
الشخص الثالث ينتمي لمصنِّعي مستحضرات التجميل.
دعونا أولًا نفهم طريقة عمل أغلب مستحضرات التجميل. مثلًا كريمات الترطيب، جميع الكريمات لا تختلف عن بعضها أو عن الفازلين في شيء! ومعظم بحوث مستحضرات التجميل المبكرة كانت حول الحفاظ على الخواص الترطيبية للفازلين مع تفادي اللزوجة الموجودة فيه، ولاحظ فرق السعر الكبير بينها.
لو أحضرت علبة الكريم ستجد أن كل ما كتب عليها هو مجرد ادعاءات – ادعاءات عن فعالية غير موجودة.
كيف يفعلون ذلك؟
- النقطة الأولى اعتمادهم على كلام نظري.
شركات مستحضرات التجميل تدرس تأثير المواد على الخلية وهي داخل طبق زجاجي، ثم تتظاهر بأن المعلومات النظرية نفسها سيكون لها التأثير نفسه على الخلية وهي في جسمك.
مثلًا:
كريم يزعم ضخ الأكسجين مباشرة للجلد وأن ذلك مفيد لك، التجارب التي قاموا بها كانت فعلًا على الخلية في المعمل؛ لكنك عندما تضع الكريم على جلدك فهو لن يخترقه للوصول إلى الخلايا وحتى إن حصل ذلك؛ فالجسم ببساطة سيقلل كمية الدم في هذا الجزء من الجلد، ويحقق توازنًا فسيولوجيًّا داخليًّا.
وحتى تكتمل أركان القصة، يضاف على الكريم مادة كيميائية بتركيز خفيف، ستجعلك تشعر بحرقة خفيفة وذلك ما يفسر الشعور المنعش بالتوهج والنضارة الذي تحس به بعد استخدام الكريم.
- النقطة الثانية هي التلاعب بالكلمات.
خلف الكلمات المكتوبة على علب مستحضرات التجميل هناك فريق كامل، جيش صغير من الخبراء يراجع المحتوى بحيث لا يتم كتابة معلومات كاذبة، أو يتم ربط الفعّالية المكتوب عنها بالمواد السحرية الخاصة بهم، لأن ذلك سيُدينُهم قانونيًّا، ولكنهم يتلاعبون بالكلمات بحيث عندما تقرأه ستفهم هذه العلاقة وتصل لذهنك من دون أن يكتبوها صراحة، من ثمَّ لا تقع عليهم أي مشكلة قانونية.
لماذا يحدث ذلك؟
لماذا تلك الشخصيات الثلاث موجودة، ولماذا يصدقهم الناس؟ ولماذا هذا الانتشار الكبير لهذه المواضيع؟ وهل كل من يقوم بذلك هو شخص كاذب؟
معظمهم لا يمكننا أن نقول إنهم كاذبون، فهم ليس لديهم خبرة أكاديمية ولا معرفة علمية كي نقول إنهم كاذبون.
الكاذب يجب أن يكون على معرفة بالحقيقة ويغيرها، أما هم فغير واعين أساسًا لكذبهم.
لو أن شخصًا يفتقر للكفاءة فسيقيّم نفسه دائمًا بصورة مبالغ بها لأنه واقع في عبء مزدوج؛ ليس فقط لكونه غير كفء، ولكن لأن عدم كفاءته تمنعه من القدرة على التحليل أو رؤية عدم كفاءته، وهم جميعًا يفتقرون للكفاءة العلمية والخبرة الأكاديمية.
وسائل الإعلام
بسبب عدم كفاءتهم يعتمدون على الصحف- الصحف والمصادر المشابهة تفترض من البداية أن القارئ لن يفهم الجزء العلمي، ولأنهم يريدون جذب أكبر عدد من الناس، سواء من يمتلك معرفة علمية أو لا- ويقومون بتخفيف الجرعة العملية في الكلام جدًّا، فعوضًا عن نشر الدراسة، ينشرون ما توصلت إليه الدراسة، وأحيانًا يكون ما أظهرته الدراسة استنتاجًا من وجهة نظرهم هم!
مثلًا:
ينشرون الآتي: "أظهرت الدراسات أن الأطفال من العرق الفلاني أقل الأطفال ذكاءً"، ولكنك بمراجعتك للدراسة ستجد أنها تقول إن هناك مجموعة أطفال من عرق معين أظهروا درجات قليلة في اختبار ذكاء معين.
ما نشرته الصحيفة هو استنتاج ولكن هناك استنتاجات أخرى:
- أطفال يعيشون في أحياء فقيرة ويذهبون لمدارس سيئة، فمن الطبيعي أن تكون درجاتهم متدنية!!
باختصار، كما يقال "الشيطان يكمن في التفاصيل".
لماذا نستمع لهم؟
العشوائية
نحن كبشر لدينا قدرة فطرية بأن نفعل شيئًا من لا شيء، ننظر للسماء ونرى أشكالًا في السحب، نرى على الحائط وجوهًا. قدرتنا على تحديد الأنماط هي التي تمكّننا من فهم العالم. نحن لدينا حساسية مفرطة تجاه الأنماط، قد نرى أنماطًا غير موجودة (خداع بصري- خداع حدسي - خداع إدراكي)، وذلك ما يجعلنا نرى نتائجَ وأنماطًا إيجابية في حين أنها غير موجودة أساسًا.
النكوص إلى المتوسط
هناك أيضًا ظاهرة من حولنا لا نهتم لأمرها عندما نقيّم، وهي الرجوع للمتوسط. الأشياء تدور في دورة طبيعية، تصعد أو تهبط وتعود للمتوسط الخاص بها.
تخيل أنك تعاني الزكام مثلًا، أعراض الزكام تزداد ومع مرور بعض الوقت تختفي، ولكنك في أثناء ظهور الأعراض وبسبب شعورك بالتعب ترغب في أن تقوم بأمر ما لتحسين الأعراض، فتقوم بذبح خروف وتعلق أمعاءه حول رقبتك أو تطلب من الطبيب أن يصف لك مضادًا حيويًّا ، بعد بضعة أيام، ستتحسن حالتك ليس بسبب ما فعلته، ولكن بسبب الرجوع للمتوسط. أما أنت فبالطبع ستفترض بصورة تلقائية بأن ما قمت به هو السبب في شفائك، ولو حاول شخص ما أن يقنع بأن إمعاء الخروف أو المضاد الحيوي لا علاقة لهما بشفائك، فلن تصدقه أبدًا فأنت جربت بنفسك.
الإتاحة
كما أننا ننجذب دائمًا للأشياء الاستثنائية، ذلك له علاقة بقصص النجاح التي رافقت الطب المكمل مثلًا أو قصص فشل التطعيم الثلاثي وحكايات التوحد المرتبطة به.
ركز في أي قصة من قصصهم، ستجد فيها ثلاث نقاط متعلقة بهذا الموضوع:
- أولًا مضللة لحد كبير غير متناسب مع حجمها على السياق الإحصائي.
- كما أنها تتسم بالمبالغة الشديدة.
- وأخيرًا، تكون مرتبطة بمشاعر قوية.
فالنتيجة النهائية لا تكون مجرد قصص عادية، لكنْ قصص مادية لا تنسى!
المبالغات الدرامية
بالمناسبة نفس نوعية هذه القصص هي التي تجعل الناس يخشون هجمات أسماك القرش مثلًا، مع أن فرصة إيذائها لأي شخص شبه معدومة مقارنة بنشاط يقوم به وهو مطمئن كتصليحات المنزل التي من الناحية الإحصائية احتمال أن تؤذيك ١٥ ألف مرة أكثر من هجوم قرش عليك وأنت في الماء، ولكن ما يحدث هو بسبب المبالغات الدرامية.