كتاب الذكاء الاجتماعي

Book-Cover

كتاب الذكاء الاجتماعي (المؤلف: دانييل جولمان)

"عبد الرحمن" متحمس جدًّا، أخيرًا الإجازة بدأت، أبوه كما كان قد وعده أرسله إلى مدرسة ليتعلم كرة القدم، ولكن "عبد الرحمن" سيتفاجأ قبل وصوله للنادي بمجموعة أطفال أكبر منه سنًا اعترضوا طريقه ثم أخذوا كرته، وقال له زعيمهم مهددًا: إن كنت تريد كرتك تعال وخذها. وبدؤوا بالاستهزاء به بسبب وزنه ونظارته الكبيرة.

زعيم المجموعة سأله بسخرية ألا تريد اللعب، أغمض "عبد الرحمن" عينيه وأخذ نفسًا عميقًا وأجاب: أجل أريد أن ألعب الكرة إلا أنني لا أجيد اللعب كثيرًا، ولكن أجيد الرسم بطريقة ممتازة، أعطني أي شيء وسأرسمه لك! أيضًا أنت تبدو لاعب كرة محترفًا وأرغب أن أصبح مثلك في يوم من الأيام! بالرغم من كونه أمرًا صعبًا بالنسبة لي ولكن، إن شاء الله سأتعلم وأتحسن!

وهنا زعيم المجموعة سيعيد لعبد الرحمن الكرة، ويعرض عليه أن يعلمه بعض مهارات كرة القدم إلى جانب تدريبه في النادي.

الطفل هنا تعرّض لهجوم، لو كان فقيرًا في إدارة علاقاته الاجتماعية لكان بكل تأكيد سيفشل في مواجهة هذا الموقف أو أي موقف مشابه! ولكنه ذكي اجتماعيًّا، واستطاع سحب المشاعر السلبية منهم وتحويلها من مشكلة في طريقه إلى عامل يساعده ويزيد احتمالية احترافه للعبة.

الذكاء الاجتماعي

الذكاء الاجتماعي: هو قدرة الإنسان على التنقل والتفاوض في العلاقات الاجتماعية المعقدة والبيئات المختلفة بأحسن طريقة وأكبر فعالية ممكنة. لو أننا نراقب شخصًا ذكيًّا في الذكاء الكمي، ولكنه ضعيف في الذكاء الاجتماعي مثل المصابين بالتوحد فهو يمكن أن يقوم بعمليات معقدة، لكن سيكون من الصعب عليه ترجمتها لنجاح حياتي للأسف لأن الحياة عبارة عن خليط معقد من العلاقات والتفاعلات بين البشر! هذه التفاعلات تشكل حالتنا النفسية وتؤثر في كل جزء من حياتنا.

مهارة

"عبير" و"حاتم" كل يوم يختلفان وطوال الوقت يتصرفان بعدوانية أمام "أمير" ابنهما الصغير الذي سينتقل له هذا التصرف ويصبح لديه صعوبة فى التواصل مع بقية الناس ولن يستطيع أن يكوّن صداقات. "أمير" في الفصل الدراسي يرى "عماد" كأكثر تلميذ مشهور ويعده نجم الفصل، ويستغرب كيف أن حياته جميلة بهذا الشكل وكيف أنه يستطيع إدارة علاقاته الاجتماعية بمنتهى السلاسة والخفة!

"أمير" يظن أن "عماد" كان بهذه الشخصية طوال حياته.

من أين يأتي؟

 فعلًا العامل الوراثي عامل مساعد في الذكاء الإجتماعي ولكنه ليس كل شيء! 

بعض الناس يكبرون في بيئة تساعدهم وتزود قابليتهم أكثر في التعامل مع الناس بذكاء، وبعض الناس يولدون وجزء من شخصيتهم أنهم اجتماعيون.

 ولكن الذكاء الاجتماعي قبل كل شيء هو مهارة مثل أي مهارة، وسلوك يمكن اكتسابه بالممارسة.

 ادمج نفسك في المناسبات الاجتماعية شيئًا فشيئًا، الموضوع سيتحسن. لن يكون سهلًا للغاية في بداية الأمر، ولكن التوتر سيقل مع الوقت. قبل هذه الخطوة يجب أن تهيئ مكانك الآمن. 

الكهف

يقضي "ممدوح" طوال اليوم في الغابة في الصيد وفي آخر الليل يرجع لكهفه، مكانه الآمن لكي يرتاح ويأكل ويخزن الطعام الذي معه كي يستفيد منه في اليوم القادم. 

لكي تحسن ذكاءك الاجتماعي تحتاج إلى مكان آمن وهو ليس بالضرورة أن يكون مكانًا معينًا، بل ممكن أن يكون نشاطًا معينًا تقوم به.

الشحن

الكهف سيساعدك أولًا بأن تشحن فيه نفسك قبل التواصل التالي، وأيضًا سيساعدك بأن تقيّم وتتعلم من كل اللقاءات الاجتماعية الفائتة.

حصل "علاء" على مقابلة عمل بعد أن انتهى منها سيذهب إلى كهفه، بالنسبة له الكهف هو نشاط، هو يحب أن يفكر وهو تحت الدوش، سيتخيل الحوار كله الذي جرى منذ قليل من بدايته حتى نهايته، وسيقيّم إن كان قد تصرف بشكل صحيح أم خاطئ، ويحدد كل جزء من الكلام ويقيمه ويسأل نفسه ما الذي تعلمته من هذا التواصل؟ وهكذا..

عملية التعليم تقوم على ثلاثة أجزاء:

  • ممارسة.
  • تحليل.
  • تطور. 

ولكن هناك نقطة مهمة جدًّا يجب مراعاتها، وتعدُّ سببًا رئيسيًّا فى الفقر الاجتماعي.

المبالغة في التحليل

"منار" اليوم هو أول يوم لها في العمل، وهي تتحدث مع زميلتها في المكتب وبعد ثلاث دقائق، زميلتها قفلت معها الحديث وغادرت. 

"منار" ستستنتج بأن زميلتها بالتأكيد تراها مملة، وستحكم عليها بأنها شخص متكبر ومغرور.

"منار" ستبالغ جدًّا في تحليل ما حصل وستضع سيناريوهات من صنع خيالها.

 يوجد الكثير من الاحتمالات عن سبب انسحاب زميلة منار، وكلها من غير دليل، ولكن "منار" لن تفكر سوى في الأمور السلبية وستبالغ وتكبر فيها جدًّا.

هي أساسًا مدمنة على المبالغة في التحليل، تحلل كل شيء:

  • "فلانة" لم تسلّم عليها.
  • وأخرى سلّمت ولكن بصوت منخفض.
  • وثالثة سلّمت فقط بالكلام.
  • ورابعة سلمت ولكنها لم ترفع يدها كثيرًا.
  • وخامسة سلّمت ولكنها لم تبتسم بما يكفي! 
  • وأخرى ابتسمت ولكن لم تنظر لاتجاهها!

جزء كبير من مشكلة الناس الفقراء في العلاقات الاجتماعية هي المبالغة – يبالغون في تحليل كل شيء وكل حركة. ولكن ذلك لا يعني أن تفعل العكس وتبالغ في التوقعات الإيجابية مع الناس. إن كنت تتحدث مع شخص ما ولم يرد برد فعل مناسب اتركه ولا تشغل نفسك بأمره، هناك ٦ مليارات شخص غيره!

مكونات الذكاء الاجتماعي

الذكاء الاجتماعي يقوم على جزءين:

أن تعرف

 الجزء الأول "أن تعرف" أو ما سنسميه الوعي الاجتماعي، وهو يقوم على القدرة على التعرّف على حالة الشخص الداخلية بأن تلقط الأفكار والنوايا والمشاعر التي تقف خلف الموقف.

أن تتصرف

والجزء الثاني "أن تتصرف"، وذلك ما سنسميه المهارة الاجتماعية، وهو يقوم على قدرتك على التعامل مع الشخص وتتصرف معه بطريقة مناسبة بعد أن تعرفت على حالته الشخصية.

الوعي الاجتماعي

الانتباه

وصل "فتحي" للتو إلى حفلة أقامتها الشركة التي يعمل بها، وهو شخص غير اجتماعي. لا يعرف كيف سيتصرف هنا، لذا أخذ هاتفه وبدأ بتصفح المواقع، محاولة منه لتصنّع الاهتمام كأن يتابع سوق الأسهم الخاصة به.

فتحي بدون أن يعي ذلك أرسل إشارة لأي شخص يفكر بأن يتواصل معه بأنه يريد أن يكون بمفرده، والناس بالفعل لن يحاولوا مقاطعته، وسيتركونه وشأنه!

الهيئة مرحّبة

أول خطوة عليك فعلها هو أن تمتلك هيئة مرحّبة، تظهر الترحيب والاستعداد. أي أن تراعي المؤشرات التعبيرية التي تقوم بها هل هي منفّرة أم مشجّعة؟

لو أن شخصًا حاول التواصل معك وقمت بالرّد عليه ردًّا باردًا فسيرد عليك بالطريقة نفسها بالطبع، ولا تتساءل بعد ذلك لماذا يعاملك بوقاحة، هو في الواقع يراك شخصًا وقحًا أيضًا. 

الاستماع الجيد

الخطوة الثانية وأسهل جزء في الموضوع أن تكون مستمعًا جيدًا، اترك للطرف الآخر المساحة الكاملة ولا تقاطع كلامه أبدًا.

الناس يحبون التحدث عن أنفسهم وعما يهمهم، فلو أبديت اهتمامًا بما يقولونه سيرونك بأنك مثير للاهتمام.

  • تعرّف على ميول الناس واهتماماتهم، ما الذي يحبونه وما الذي يكرهونه؟
  • اسألهم أسئلة شخصية عن رأيهم في الحاضر وتوقعهم للمستقبل.

ولكن مع الأسئلة الشخصية انتبه من أن تقع في مواقف محرجة اجتماعيًّا!

الحرج الاجتماعي

من الخطأ جدًّا أن يسأل "فتحي" شخصًا قد تعرف عليه للتو عن مرتبه الشهري! حتى لو أخبره لكن لن يكون مرتاحًا لوجود "فتحي" وسيراه كشخص متطفل.

مساحة الناس الشخصية جزء مقدس، اقترب منه بحرص شديد!

المهارة الاجتماعية

التقدير

تقسم "هدى" الناس في العالم إلى جزءين، الجزء الأول الذي يتبنى نفس رأيها، الأشخاص في هذا القسم تراهم بأنهم أذكياء ولهم عندها كل الحقوق والاحترام.

والجزء الثاني فيه الناس المخالفة لرأيها، وهؤلاء الأشخاص هي بالأساس لا تراهم، ولا يملكون أي قيمة أو احترام أو حقوق، دائمًا ما تسفّه وتسخر وتقلل من أفكارهم.

التقدير واحترام الإنسان وعدم التقليل منه مهارة اجتماعية مهمة.

اقبل الاختلاف ولا تقلل من شان أي شخص أنت مختلف معه، واحترم حق الناس في الحياة ومهما كانت أفكارهم مختلفة عن أفكارك، أظهر الاحترام لهم!

التعاطف

شخص توفى أحد أفراد أسرته، مديره في العمل يتصل به ليعزيّه، وبعد أن قال بعض كلمات العزاء سيدخل مباشرة بتفاصيل العمل والماديات والمصلحة بدون أي مراعاة لمشاعر الطرف الآخر. 

ودكتور مثلًا يتعامل مع مرضاه بدون أي تعاطف أو شفقة، لا يراهم أكثر من مجرد حالات سواء هنا أو هنا الطرف الآخر سيشعر بخيبة أمل وإحباط كبير. لو تعاملت مع الناس على أنهم مجرد أحجار باردة لا تتوقع منهم غير كل احتقار.

مشاعر الإنسان هي هويته فإن لم تعترف بها ولم تتعاطف مع حالته النفسية ولم تحترم وتراع ما يمر به سيرى بأنك تعتدي على هويته ولا تعترف بوجوده، فلا تنتظر منه أي شيء في المقابل.

الخلاصة

أي علاقة لها طرفان يجب ألا تظل تلعب دور المتلقي دائمًا.

ابدأ أنت أولًا بالتفاعل ولا تنتظر الناس أن يبدؤوا الحديث معك. 

ابتسم وقل أهلًا للناس الذين تمر عليهم في يومك، هذا سيشجعهم ويجعلهم يبدؤون معك الكلام.