كتاب تاريخ موجز للزمن

Book-Cover

كتاب تاريخ موجز للزمن (المؤلف: ستيفن هوكنغ)

قديمًا؛ أراد شخص فهم الكون وتفسير الشواهد التي يراها أمامه؛ فقرر أن يخرج في رحلة للبحث عن الحقيقة، ودعوني قبل أن أكمل الحكاية وحتى لا نتشتت في الضمائر، سأتكلم أنا على لسان البطل، اتفقنا؟!

المهم خرجت من مكاني وظللت أمشي، في طريقي قابلت شخصًا، وجدته يقول لي إن الأرض مسطحة بدليل أنه سافر كل مكان، وذهب لأبعد نقطة في الأرض ولم يقع، لو كانت كرة- مثلًا- كان سيقع من على الحافة عند أول وصوله للطرف.

أرسطو

المهم سمعت منه، هززت له رأسي وأكملت ماشيًا، وفي طريقي قابلت رجلًا آخر اسمه أرسطو، يقول لي: "الأرض كروية ويدور حولها الشمس والقمر والكواكب، وإذا لم تصدقني تعالَ معي عند البحر وسأثبت لك"، وعندما ذهبت أنا وهو عند البحر وجدته يشير إلى سفينة آتية من بعيد جدًّا ويقول لي: "لو الأرض مسطحة كانت هذه السفينة التي أمامك ستبدو نقطة صغيرة وتكبر بالتدريج كلما اقتربت، لكن كما ترى فإنها تبدو كأنها تخرج من تحت الماء، أولًا نرى الشراع ثم نرى جسمها بالتدريج، وبهذا نستنتج أن جسم الأرض دائري كالكرة". المهم سمعت منه وهززت له رأسي وأكملت طريقي.

كوبرنيكوس وجاليليو

وبعدها قابلت اثنين ساكنين أمام بعضهما بعضًا. شخص اسمه كوبرنيكوس والثاني اسمه جاليليو، يقولان لي: "الأرض ليست مركز الكون وليست ثابتة كما قال لك أرسطو، بل هي التي تدور حول الشمس وليس العكس، وإذا لم تصدقنا انظر في هذا المنظار وسنثبت لك"؛ فنظرت أنا وهما في اتجاه معين، فوجدت نجمتين واقفتين وراء بعضهما، قالا لي بعدها: "تعالَ بعد فترة ودعنا ننظر في الاتجاه نفسه مرة أخرى"، ففعلت كما قالا؛ فوجدت النجمتين السابقتين قد اختلف ترتيبهما، وبدلًا من أن تكونا وراء بعضهما، أصبحتا بجوار بعضهما البعض، فأقول لهما: "جميل، لكني لا أفهم حتى الآن ما علاقة كل هذا باستنتاجكما".

دوران الأرض

فيشير جاليليو إلى كرسي ووراءه مكتبه ويقول لي: "الآن أنت أمامك الكرسي ووراءه المكتب، صحيح؟" فأقول: "صحيح!" فيقول لي: "إذا كانا هما يدوران حولك وأنت ثابت؛ فترتيبهما لن يتغير بالنسبة لك مع الوقت، يعني سيظل الكرسي ووراءه المكتب دائمًا، لكن متى يختلف ترتيبهما هذا؟ إذا كنت أنت الذي تتحرك، بعد قليل سيكونان على يمين بعض أو يسار بعض، وهذا ما رأيته أنت بالضبط مع النجوم منذ قليل، وكيف أن ترتيبهما اختلف مع مرور الوقت بسبب حركة الأرض".

فأتعجب جدًّا من بساطة الفكرة، لكن حان موعد رحيلي، قبل أن أتركهما سألتهما عن سبب دوران هذه الأجرام السماوية، فقالا: "غير متأكدين، لكن على الأغلب بسبب القوة المغناطيسية".

نيوتن

بعد أن تركتهما ومشيت، وجدت شخصًا اسمه نيوتن، يقول لي: "سبب دوران الكواكب حول الشمس ليس القوة المغناطيسية؛ السبب قوة أخرى اسمها الجاذبية"، ثم يحكي لي أنه اكتشف قوة غير مرئية تمارسها الأجسام تجاه الأجسام الأخرى، وهذه القوة هي التي تجذب الأشياء للأرض، وسبب دوران الكواكب حول الشمس، وأيضًا سبب دوران الأجسام في الفضاء حول بعضها، كان يرى أن كل جسم له مجال جاذبية، كلما زادت كتلته زادت قوة جاذبيته، وكان أقرب كلما كانت أقوى أيضًا.

قال لي إنه قدَّم نظرية تقول إن الأجسام في حالة حركة دائمة؛ الكواكب والنجوم تتحرك بصورة مستمرة في الكون في علاقة مع بعضها البعض، وكيف أنه خلصنا من فكرة المكان المطلق، وأعطانا منظورًا جديدًا أن الكون متمدد متحرك يكبر، وإذا لم يفعل ذلك فسينكمش على نفسه وينهار.

أينشتاين

المهم تركته وأكملت طريقي، وأنا ماشيًا في طريقي آلمتني قدمي فقررت أن أذهب لركوب القطار ليسرّع الرحلة بدلًا من أن أقضيها مشيًا، وبعد أن تحرك القطار وجدت رجلًا شكله غريب وشعره غير مرتب يجلس بجواري، سألني وهو ينظر من النافذة ويشير إلى سيدة تقف على الرصيف، قال لي: "هل هذه السيدة تراني أتحرك بسرعة كم؟" قلت له: "بسرعة حركة القطار"، قال لي: "افترض أن سرعة القطار مائة كيلو متر/ ساعة" فقلت له: "إذن هي تراك تتحرك بسرعة مائة كيلومتر/ساعة" فالتفت بوجهه ونظر لي، وقال لي: "طيب أنت تراني أتحرك بسرعة كم؟" قلت له: "أنت بالنسبة لي لا تتحرك وساكن تمامًا، سرعتك صفر يعني" قال لي: "كلام جميل، والفكرة نفسها أيضًا لو أن شخصًا آتيًا في قطار اتجاهه مخالف لقطارنا ويسير بسرعة مائة فسيرى سرعتنا مائتي كيلو متر في الساعة".

الإطار المرجعي

ثم تابع قائلًا: "كي تقيس السرعة فأنت تحتاج إلى شيء اسمه الإطار المرجعي؛ لأنه لا توجد قيمة مطلقة للسرعة كما لاحظنا الآن، ثلاثتكم رأيتموني بثلاث سرعات مختلفة؛ لأن إطاركم المرجعي مختلف، السرعة تعتمد على المكان الذي تقف فيه، هذا هو إطارك المرجعي، غير أن السرعات ممكن جمعها وطرحها أيضًا" ثم يعود فينظر من النافذة من جديد ويقول لي: "هذا الكلام الذي يقوله علماء الفيزياء الكلاسيكية، ومعادلاتها صحيحة فعلًا، لكن على السرعات القليلة، هل تعرف إذا رفعنا السرعة؛ فسنجد أن معادلاتهم تلك لا تكون نتائجها معبرة عن الواقع، وأن شيئًا مثلًا كسرعة الضوء دائمًا ثابتة بغض النظر عن إطارك المرجعي كنت ثابتًا أو تتحرك في اتجاهه أو تتحرك عكسه لا فرق".

سرعة الضوء

لو وجهنا شعاع ضوء تجاه شخصين أحدهما يسافر في اتجاه الضوء والآخر يسافر عكسه؛ فكلاهما سيرى الضوء بسرعة واحدة، وهذه مشكلة كبيرة لعلماء الفيزياء الكلاسيكية، كيف تكون سرعة شيء ما ثابتة بغض النظر عن حالة المراقب؟ هل تعرف أين تكمن مشكلة هؤلاء؟ أنهم لا يعتقدون أن الزمن قد يكون غير مطلق، يستعيضون عنه بقيمة ثابتة في معادلاتهم، وهذا هو الخطأ. الزمن متغير كحجمك أنت، إذا أكلت كثيرًا فإن حجمك سيكبر، إذا لم تأكل فإن حجمك سينقص؛ كذلك الزمن الفكرة نفسها، لكن بدلًا من أن يتوقف مثلك عن الأكل، هو يتوقف عن سرعة الجسم، إذا رفعنا السرعة جدًّا فإن الزمن يكون أبطأ، وهذا هو مبدأ آلة الزمن نفسه.

"بصورة افتراضية إذا أردنا إرسال أحدهم للمستقبل فسنضعه في صاروخ ونحركه بسرعة عالية جدًّا، بهذه الطريقة فإن زمنه سيتحرك ببطء عن زمننا، يعنى أنه سيقطع ثانيته الواحدة في سنة من زمننا مثلًا، ويعود بعد مرور عشر دقائق من زمنه وهو بالكاد كبر، فيكون مر ألف سنة على زمننا، وهكذا".

مفهوم الأبعاد في الكون

المهم أن هذا الرجل الغريب سيسكت قليلًا ويعود للنظر ناحيتي ويقول لي: "هل تعرف بما إن الزمن ليس مطلقًا؛ فإننا لا بدَّ أن نعيد تعريف مفهوم الأبعاد في الكون من جديد وندخل فيها الزمن". 

  • لو أنك على الأرض مثلًا وتريدني أن أزورك وأنا لا أعرف مكانك فترسل لي إحداثيات أبعاد مكانك، نقطة تلاقي الطول والعرض لمكانك، صحيح؟
  • لكن لو في الجو فأنا محتاج لكي أصل لعنوانك لثلاثة أبعاد: الطول والعرض العاديان لكن أيضًا معهما ارتفاع مكانك".
  • "طيب، لو أنك في صاروخ وتتحرك بسرعة كبيرة جدًّا؛ فأبعاد الإحداثيات الثلاثة القديمة لم تعد كافية، الآن أحتاج إلى بعد رابع وهو بعد الزمن؛ لأنه في حالة سرعتك الكبيرة أصبحنا في أزمنة مختلفة أصلًا".

هايزنبرج

بعد قليل وصلنا المحطة ونزلت من القطار فوجدت أشخاصًا متجمعين حول شخص، فوقفت معهم قليلًا لكن يبدو أني حضرت متأخرًا؛ لأني عندما وصلت وجدته يقول: "وبهذا يكون الكون محتمًا بالكامل" طبعًا أنا لم أفهم شيئًا فأسأل من بجواري: "ماذا يعني هذا الكلام؟" يقول: "يعنى الكون قابل للتنبؤ بنسبة مائة في المائة، لكن علينا فقط معرفة الحالة الكاملة للكون عند وقت معين، وبها نستطيع التنبؤ بأي شيء سيحدث في المستقبل بفكرة قوانين نيوتن نفسها، لحساب حالة النظام الشمسي مثلًا لو عرفنا موضع الشمس وسرعتها في وقت معين نستطيع استخدام القوانين في حساب مكانها وحالتها في أي وقت في المستقبل بمنتهى الدقة".

الطبيعة الموجية

ما إن أنهى كلامه حتى وضع شخص يده على كتفي وعرفني بنفسه، اسمه هايزنبرج، وأكمل كلامه: "إن الذرات ليست كالكوكب الذي حوله أقمار تدور، الإلكترونات لا تدور في مدارات محددة بدقة حول النواة، هذه المدارات ليست محددة، نحن مثلًا في أول الشارع وأتحرك بسرعة كيلو متر في الساعة، إذن لدينا ساعة ونصل لنهاية الطريق، هكذا استطعت التنبؤ بالمستقبل عندما عرفت موضعنا وسرعتنا، أليس كذلك؟ هذا المبدأ نفسه حاول الناس تطبيقه على الجسيم الصغير وفشلت".

"أنا مثلًا أحضرت عددًا من الجسيمات الصغيرة متماثلة وكلها تبدأ بالطريقة نفسها، طبيعي ومنطقي أن تعطيني نتيجة واحدة، لكن هذا لم يحدث، حصلت على أكثر من نتيجة بالرغم من أنها متماثلة وتبدأ البداية نفسها".

  • مرة تكون نتيجة القياس (أ) في عدد معين من الحالات.
  • وأحيانًا النتيجة تكون (ب) في عدد مختلف، وهكذا.

ما الحل مع هذه العشوائية؟

الحل أن نسلّم أنه لا يوجد احتمال واحد محدد، وبدلًا من أن نبحث على نتيجة واحدة محددة، فلنتنبأ بعدد من النتائج الممكنة المختلفة ونحسب مثلًا مدى احتمالية كل واحدة منه.

ميكانيكا الكم

"فعلنا هذا وأعدنا صياغة الفيزياء مرة أخرى تقريبًا بعد أن أضفنا لها مبدأ عدم اليقين هذا، وخرجت لنا ميكانيكا الكم، وأصبح تعاملنا مع الجسيمات على أنها موجات، ولم يعد لها مواضع وسرعات منفصلة وواضحة التحديد يمكن ملاحظتها، لكن أصبح لها حالة كم توليفة من الموضع والسرعة يظهر كسلسلة من الموج المستمر المتذبذب".

الفيزياء الكلاسيكية والحديثة

لكن للأسف بهذا أصبح عندنا اثنتين من "الفيزياء"؛ واحدة كلاسيكية تقدم تفسيرًا مقبولًا لفهم ما يحدث على مستوى الأجسام الكبيرة جدًّا مثل الكواكب، والأخرى تقدم تفسيرًا مقبولًا على مستوى الجسيمات الصغيرة مثل الإلكترونات، كل واحدة تقدم شرحًا لعالم منهما، لكن هنا مشكلة فنحن ليس عندنا عالمان، بل هو عالم واحد فقط؛ لهذا نحاول التوصل لنظرية واحدة تستطيع دمج الاثنتين من غير أخطاء.

نظرية الأوتار

هناك أكثر من فرضية العلماء يعملون عليها؛ مثل نظرية الأوتار التي تتكون فيها المادة من وحدات أساسية صغيرة جدًّا، أوتار أو حبال، وخصائص الجسيمات تتشكل على حسب النغمات التي يصدرها اهتزاز هذه الأوتار.