كتاب التعايش مع الخوف

Book-Cover

كتاب التعايش مع الخوف (المؤلف: ايزاك ماركس)

تنويه: الخوف الذي أقصده هنا، هو الخوف غير المبرر، أي خوف غير منطقي من شيء لا يشكل خطورة.

لو معك ورقة ومطلوب منك أن تجيب عن سؤال: هل تخاف من شيء بطريقة غير منطقية؟

  • قد تكون إجابتك: نعم، أنا أخاف من الأماكن المرتفعة، أو أخاف من الكلاب، أخاف أن أخرج على المسرح وأتكلم أمام جمهور، أخاف من كذا…
  • وقد تقول لي: لا، أنا لا أخاف بطريقة غير منطقية من شيء، كان الله في عون الناس الغريبة هؤلاء المصابين بالفوبيا.

تخيل فتاة كانت تريد الذهاب لشراء علبة بسكويت من المتجر أسفل البيت، فاتصلت بصديقتها لتذهب معها، وصديقتها كانت قد سافرت، هي- لأن صديقتها غير موجودة- ألغت فكرة أن تشتري البسكويت أو أجلته لحين عودتها بالرغم من أنها كانت تشتهيه، هي دائمًا لا تذهب لأي مكان إلا مع صديقتها تلك. وإذا كانت وحدها في أي تفاعل اجتماعي فهذا ليس شيئًا مريحًا لها، ويشعرها بتوتر كبير.

إذا سألنا هذه الفتاة السؤال الذي طرحناه في البداية فستجيب عنه بـ"لا"، هي لا تخاف، بالرغم من أن عندها حالة فوبيا اجتماعية واضحة، لكنها تترجم ما هي فيه على أنها تطمئن لصديقتها تلك وتحب مشاركتها معها أحداث حياتها، وليس على أنه خوف اجتماعي.

الإنكار

لو جمعنا كل الفوبيا والخوف بدرجاته وأشكاله في مرض واحد- طبعًا بصورة مجازية- فإن العرض الأول المشهور هو الإحساس بالخوف، لكن هل تعرف ما العرض الثاني؟ الإنكار. ينكر الناس خوفهم، لا يعترفون به، يسمونه ويبررونه ويعقلونه بطريقة منطقية.

في الحالة الطبيعية لن أعترف بخوفي إلا لو كان واضحًا جدًّا، كل الناس تراه وقد استنفدت كل محاولات الهرب منه وتسميته وتبريره بكل التبريرات والأسماء التي أستطيع.

التجنب

حسنًا، أريد الآن معرفة هل أنا مصاب بهذا المرض المجازي أم لا؟ وأنت تقول إني لو مصاب به؛ فسوف أنكر وعقلي سيبرر لي خوفي ويعقله، ماذا أفعل؟

نعم قد لا نستطيع كشف هذا المرض من خلال أعراضه، لكننا نستطيع رؤيته بطريقة أخرى، من خلال علاجه، أنت قد تستطيع إخفاء الأعراض، لكنك لن تستطيع إخفاء العلاج.

كيف يعالج الناس الخوف؟

بالتجنب، أنت تخاف من المرتفعات، ستجد أنك تعالج هذا المرض بأن تتجنب المرتفعات حتى لو أنك ستضحي مقابل ذلك بفرص مهمة لك.

راقب العلاج

هل تحاول تجنب مواقف معينة؟ لا يهمنا الآن تبرير تجنبك لها، دعنا نسجل المواقف نفسها. أنا مثلًا أتجنب التجمعات، والسبب العقلاني الذي أراه أن الناس لا تفهمني، تخيل في كل التجمعات الممكنة لا يوجد أحد يفهمني!

طبعًا لو راجعت المنطق وحللت التبرير، ستجده كالآتي:

أنا أتجنب التجمعات لأني أشعر فيها بالتوتر لأن الناس لا تفهمني، بعد أن وسعنا سردنا لمنطقي؛ بدأ يظهر كيف أنه غير متماسك، توجد قفزة غير منطقية كبيرة في الجزء الأخير، أنا أشعر بالتوتر لأن الناس لا تفهمني! هل أفضل تفسير ممكن لشعوري بالتوتر هو أن الناس لا تفهمني؟ هل يتوتر من لا يفهمه الناس؟!

لو ظللت تبحث ورائي بمثل هذه الطريقة؛ سنكتشف معًا في النهاية أني عندي صورة من صور الرهاب الاجتماعي، لكن للأسف ما فعلناه الآن أغلب الناس لا تفعله، الناس يستسلمون لسلطة الخوف عليهم، يريحون تفكيرهم، ويشكلون حياتهم على تجنب والهروب من المواقف التي يخافون منها.

حسنًا، إذا أردت الخروج من هذا السجن ماذا تفعل؟

الحل

دعنا نقسم الحل على جزءين: نظري وعملي.

الجانب النظري

نبدأ أولًا بالجانب النظري:

الخوف غير المبرر من أين يأتي؟ يأتي من انحراف معرفي.

  • قد يكون هذا الانحراف المعرفي مبنيًا على التعميم.

أنت مررت بتجرِبة حدث لك فيها نتيجة سيئة، فتأخذ هذه التجربة وتجعلها نموذجًا، إذا رأيت شيئًا يشبهها إذن فبالتأكيد سيحدث لك النتيجة نفسها التي حدثت في التجربة الأولى، إذن الأفضل أن تخاف منها وتهرب حتى لا تصل إلى النتيجة السيئة التي حدثت لك قبل ذلك.

قديمًا سخر مني الناس وكانوا يرونني غريب الأطوار؛ فأصبح عندي خوف من التجمعات، إذا دخلت وسط مجموعة سأكون قلقًا لأني أرى أني سأصل إلى النتيجة السيئة القديمة.

  • قد يكون هذا الانحراف المعرفي مبنيًا على المنطق العاطفي.

أنا -مثلًا- ليس عندي ثقة في نفسي، أو أني أشعر بالحماقة، إذن فبالتأكيد الناس يرونني أحمق، هنا أنا بنيت استنتاجي كله ومنطقي على مشاعري وما أشعر به.

  • أو قد يكون هذا الانحراف المعرفي مبنيًا على التهويل والقفز على النتائج.

أمي عندما كنت صغيرًا كانت تقول لي: الكلاب خطر جدًّا، الكلاب خطر جدًّا، الكلاب كذا… فأنا رسمت في خيالي أسوأ سيناريو قد يحدث، لو اقتربت من أي كلب فبالتأكيد سيهاجمني، وإذا عضني الكلب سأنسى تناول الدواء ثم يمر الوقت والسعار ليس له علاج وسأموت، لا أنا لا أريد أن أموت.

هذه هي أشهر ثلاثة انحرافات معرفية وراء الخوف، ماذا ستفعل فيها؟ ستستحضر المنطق المبني عليه خوفك وتحاول تحديه.

أنت تخاف من التجمعات لأن الناس ستنظر إليك وتراك غريب الأطوار، ها قد استحضرناه، نتحداه ببعض الأسئلة:

  • ما دليلي على هذا الاستنتاج؟
  • هل أخلط بين الاحتمال واليقين؟
  • هل أقوم بالتهويل؟
  • هل أستخدم المنطق العاطفي؟
  • هل هذا الاستنتاج مبني على مشاعري أم على الحقائق؟ وهكذا.

الجانب العملي

كل ما سبق هو كلام نظري، والكلام النظري جميل، لكنه لا يحل الأمور وحده؛ لا بدَّ من الجانب العملي:

المواجهة

لو أنني أخاف من الكلب؛ فمعنى هذا أنني عندي استجابة مشروطة، أربط الخوف بالكلب، فلو تعرضت له في البداية نعم سأكون قلقًا، لكنني لو تماسكت فتدريجيًّا سيقل التوتر عندما أكتشف أن خوفي ذاك ليس مبنيًا على منطق، وها هو الكلب لا يفعل شيئًا، وهكذا فإني أعيد برمجة الاستجابة المشروطة التي عندي، وبدلت الخوف في وجود الكلب بشعور آخر.

لكن انتبه هنا؛ التعرض لا بدَّ أن يتم في بيئة محكمة جدًّا في البداية وبالتدريج.

نقوم بعمل هرم ونرتب فيه درجات خوفنا بحيث يكون في البداية أقل درجات الخوف، وفي النهاية أعلى درجات الخوف.

أنا -مثلًا- أخاف من الإبر، عندي فوبيا منها، فيكون هرمي بهذا الشكل:

  • بالأسفل التفكير؛ مجرد التفكير في الإبر.
  • بعده مشاهدة صور للإبر.
  • بعده مشاهدة شخص يحقن إبرة في فيديو.
  • بعد مشاهدة شخص يحقن إبرة في الحقيقة.
  • بعده أمسك أنا بالإبرة في يدي بدون حقنها.
  • بعده أحقن أنا الإبرة في ذراعي.

أنهينا رسم الهرم، نبدأ في التعرض له من أسفل لأعلى، عند بداية كل سلمة لن تشعر أنك مرتاح قليلًا، لكن بالتدريج ستجد أن استجابتك المشروطة بالخوف آخذة في الانحسار، ومع التعرض ستجد أن الخوف شبه انسحب، وأنك أصبحت المتحكم والمسيطر على الموقف بالكامل، وعندما تشعر أنك أصبحت المسيطر، وأصبحت تقوم بنشاط درجة الهرم وأنت مرتاح، ولا تشعر بأي خوف؛ هنا انتقل للمرحلة التي فوقها.

أساليب التهدئة

نسيت إخبارك بشيء مهم، بما أنك قررت مقاومة خوفك، يوجد احتمال أن يثور عليك جسمك- ثورة الأدرينالين-؛ عندما تتعرض لموقف يخيفك وأنت غير مستعد جيدًا، فإن الأدرينالين سيملأ جسمك، قلبك سينبض بسرعة، قد تشعر بدوار وألم في المعدة، لن تستطيع التفكير، أنت شبه فقدت السيطرة على الموقف وعلى نفسك.

يوجد عندنا ثلاثة أساليب لمقاومة هذه الثورة؛ إذا استخدمتها ستستعيد السيطرة مرة أخرى وتسترجع هدوءك.

تمارين التنفس

أول سلاح هو تمارين التنفس، وهي قائمة على شيئين:

  • التنفس العميق.
  • والتركيز عليه؛ على التنفس.

أنا آخذ شهيقًا بعمق عن طريق الأنف لمدة خمس ثوانٍ وأحاول تخيل الهواء وهو يمر للداخل ويملأ رئتي، ثم أقوم بالزفير ببطء من فمي، وأحاول أيضًا التركيز على حركة الهواء وهو خارج وأتخيله، كرر هذا الأمر أكثر من مرة متتالية، ستجد قلبك رجع نبضه لمعدله الطبيعي، وبدأت تشعر بالهدوء قليلًا.

الشد التطبيقي

ثاني سلاح هو الشد التطبيقي: أنا أشد عضلات جسمي كلها لمدة عشر ثوانٍ، ثم أرخيها لمدة نصف دقيقة، وأعود مرة أخرى أشدها، أكرر هذا الأمر خمس مرات أو ست، سأجد نفسي صرت أهدأ ورجعت للسيطرة على جسمي مرة أخرى.

هذا السلاح أيضًا مفيد لك إذا كان خوفك قويًّا جدًّا لدرجة أن يوصلك للإغماء، إذا شددت عضلات جسمك وأرخيتها بالتناوب، ستقاوم بصورة كبيرة أن تصل لهذه المرحلة.

مشتتات معرفية

ثالث سلاح هو المشتتات المعرفية:

استخدمنا السلاحين الماضيين ونجحا والأمور مستقرة، نريد الآن إبعاد عقلنا عن التفكير بالطريقة التي أوصلتنا للثورة التي تمت علينا، نستطيع فعل هذا بأن نبعد تركيزنا عن مصدر القلق ونركز على موقف آخر.

  • يمكنك العد من واحد لمائة بالعكس.
  • تسمع شيئًا تحفظه.
  • تسأل نفسك أسئلة بسيطة وتجيب عنها، وهكذا.