كتاب التعامل مع ذوي الطباع الصعبة

Book-Cover

كتاب التعامل مع ذوي الطباع الصعبة (المؤلف: ريك برنكمان)

كثيرًا ما نضطر للتعامل مع أناس متخصصين في جعل حياتنا صعبة، أناس لا يقدر أحد على تحملهم بتصرفاتهم المزعجة.

سأتكلم اليوم عن هؤلاء وكيف نتعامل معهم، لكن تعالوا قبلها نحضر كرة بلاستيكية ونضعها هنا، وتعالوا نرسم حولها دائرة، ثم تعالوا نضغط على الكرة بقوة كبيرة، سنجد الكرة تتمدد وتكبر وتكبر بالعرض إلى أن تخرج خارج الدائرة. هذه الحكاية باختصار تعتبر مفتاح تعاملنا مع هؤلاء الأناس المزعجين.

المناطق المزعجة من السلوك

الكرة هي الشخص، والدائرة التي رسمناها هي المنطقة المقبولة من السلوك والتصرفات- تصرفات الشخص العادية الطبيعية- عندما يتعرض الإنسان لتحدٍ أو إحباط أو تهديد أو مصاعب أو أي شيء يسبب ضغطًا كالذي فعلناه في الكرة منذ قليل، هذا سيجعله يتمدد ويتجاوز المنطقة الطبيعية للسلوك البشري ويخرج منها للخارج، وهذا الخارج هو منطقة السلوكيات المزعجة أو المبالغ فيها التي نتضايق منها.

طبعًا هذا الكلام ينطبق على الناس كلها وليس على شخص بعينه، قد يختلف فقط في أنه لا يتعرض كل الناس لقوة الضغط نفسها، وأنه ليست كل كرات الناس مصنوعة من المادة نفسها، يوجد أناس كراتهم مصنوعة من الحديد تستطيع المقاومة إلى درجات كبيرة ولا تتمدد ولا تخرج لمنطقة التصرفات المبالغ فيها بسهولة، وآخرون كراتهم مصنوعة من المطاط تنضغط وتخرج من أقل شيء.

أيضًا عندما تتمدد كرات الناس؛ فإنها تختلف في الاتجاه الذي نتحرك ناحيته، أو فلنسمها الاتجاه الذي ستكون متطرفة فيه.

اتجاهات السلوك

بعد الضغط في أربعة اتجاهات؛ عندما يتطرف الشخص قد يتجه لها:

  • الشمال: وهذا يمثل إنجاز المهمة، يعني أن الشخص يركز ويمحور حياته حول المهام والأشياء.
  • الجنوب: هذا يمثل إنجاز المهمة بشكل مثالي، يعنى الشخص يركز ويمحور حياته حول الكمال والمثالية التامة.
  • الشرق: وهذا يمثل الانسجام مع الآخرين، وهنا الشخص يركز على العلاقات الإنسانية أكثر. 
  • وأخيرًا، الغرب: وهذا يمثل كسب الاحترام والتقدير.

لو أنك تتعامل مع شخص صعب؛ الفكرة كلها هنا تكمن في تفهم هذه الاتجاهات، أن تنتبه أن ردود أفعاله وتصرفاته المؤذية التي تراها على السطح وراءها احتياج نابع من أنه يتجه بتطرف في جهة من هذه الجهات، لو فهمت احتياجاته هذه وتعاملت معه بدون أن تتجاهلها ستصل معه لصيغة تعايش سترضيكما كلاكما.

دعونا نشرح هذا الكلام.

الشمال: إنجاز المهمة

أول اتجاه نريد فهمه هو اتجاه الشمال الذي يشير إلى إنجاز المهمة، لو أن شخصًا يريد إنجاز مهمة ما ويشعر أن هذا الأمر قد لا يحدث؛ هنا هو سيحاول أن يتحكم في الأمور، سيكون سلوكه أكثر ميلًا للتسلط والتحكم والضغط على الآخرين.

لو عندك امتحان مهم جدًّا واستيقظت متأخرًا، ركبت الأتوبيس لكن للأسف حظك كان سيئًا والطريق كان مزدحمًا، فتنظر في الساعة بين اللحظة والأخرى والطريق لا يتحرك، كلما مر الوقت وأنت لا تحقق أي تقدم وتشعر أن احتمالية تحقيقك لهدفك تقل، هذا سيجعلك تركز على المهمة نفسها أكثر وتتجاهل البقية، سترى الناس وكأنهم على الهامش غير مهمين، ستبدأ بالانتباه كم أنهم مهملون، يضيعون الوقت ويستحقون أن تعاقبهم، وكلما ضغطك المؤثر أكثر، خرجت عن طبيعتك شيئًا فشيئًا، تريد مثلًا أن تنزل من الأتوبيس وتزيح كل السيارات التي تغلق الطريق أمامك وتلقها بعيدًا، ستجد نفسك شبه تحولت وصرت شخصًا أكثر تسلطًا وسيطرةً على الناس حتى لو في خيالك فقط على الأقل.

هذا الشخص الذي يتصرف بعدوانية والذي ليس لديه مشاعر، متطرف تجاه الأشياء، كل ما يراه في العالم هو الأشياء والمهام. نحن نراه شخصًا صعبًا؛ لأننا لسنا منتبهين لسبب تطرفه، لكن لو أنك تتعامل معه من البداية وأنت تعرف أن إحساسه بالضغط في هذا الاتجاه هو الذي يجعله يحاول أن يسيطر ويتسلط ويعتدي، هذا سيساعدك كثيرًا على التواصل معه، ولو تواصلت معه مثلًا بصورة مختصرة ومباشرة ونظرت للموقف بالطريقة التي ينظر بها هو، ستتوصلان معًا إلى صيغة تعايش معقولة.

الجنوب: المهمة المثالية

ثاني اتجاه معنا هو اتجاه الجنوب، إنجاز المهمة بشكل مثالي. لو أراد شخص أن يتمم المهمة بشكل كامل ومثالي ليس فيه خطأ وصحيح مائة في المائة، هذا سيجعله شديد الحرص والخوف؛ لأن هذا ليس شيئًا سهلًا، سيكون مترددًا، ويبحث عن أي عيب أو خطأ محتمل.

تخيل أن هذا الرجل -مثلًا- كئيب جدًّا ويائس، لو تكلمت معه خمس دقائق متصلة ستشعر بإحباط شديد، عنده قوة عجيبة في استخراج عيوب وسلبيات أي شيء من باطن الأرض.

وتخيل رجلًا آخر مثله لكنه أسوأ، طوال الوقت، يشعر بالعجز والضعف من أي شيء ويشتكي من كل شيء.

هذان الاثنان متطرفان في اتجاه المثالية، هما يريدان كل شيء أن يتم بشكل صحيح، وهذا طبعًا لن يحدث، فيتحولا لشخصين كسولين يشعران بالشك والتردد وعدم الأمان.

لتتعامل معهما؛ انتبه للطريقة التي يتجهان ناحيتها وافعل مثلهما، بيّن لهما -مثلًا- أنك منتبه ومهتم بكل التفاصيل الصغيرة مهما كنت تراها غير مهمة، بصورة عامة حاول مراعاة أن مشكلتهما الأساسية هي خوفهم من المثالية، وحاول أن تتصرف معهما من هذا المنطلق.

الشرق: قبول الآخرين

ثالث اتجاه نريد تفهمه هو اتجاه الشرق؛ السعي وراء الآخر. لو أن شخصًا مهتمًا بالناس لكن في الوقت نفسه يخاف أن يتم استبعاده، سيكون سلوكه موجهًا بصورة متطرفة في اتجاه البحث عن القبول والاستحسان.

  • مثل الشخص الذي لا يملك رأيًا ودائمًا ما يوافق على أي شيء، ولو وعد مثلًا بشيء؛ فعلى الأغلب لا يلتزم به.
  • وأيضًا الشخص المتردد، الذي يسوّف ويؤجل في اختياراته إلى ما لا نهاية.
  • ومن لا يتكلم أصلًا ودائمًا سلبي وصامت بدون أي رد فعل نهائيًّا.

الأول يريد إرضاء كل الناس لذلك يوافق على كل شيء، يعطي وعودًا على أي شيء يُسأل عليها بدون أن يفكر بأي واقعية، وطبعًا يكتشف بعد هذا أنه يصعب عليه الالتزام بهذه الوعود، والثاني يخاف من الرفض الذي قد يأتيه لو أخذ قرارًا أو جانبًا معينًا، فيؤجل ويتهرب، وأما الثالث فإنه يمسك لسانه خوفًا من إغضاب أحد أو جرح مشاعر أحد، يحاول تجنب الصراع قدر المستطاع.

سواء كان (الموافق دائمًا أو المتردد أو الصامت السلبي)؛ فالثلاثة يبدو أن طباعهم صعبة؛ لأننا لا نعرف احتياجهم الحقيقي، الثلاثة مشتركون في أن سلوكهم متطرف تجاه الآخرين ويعطون مشاعرهم أهمية كبيرة عن القدر الطبيعي، تستطيع أن تجعلهم يقللون هذا بأن توصل لهم بأي طريقة أن العواقب والتصورات والرفض وكل ما يدور في أسهم ليس بالصورة التي يتخيلونها، وبصورة عامة تستطيع تسهيل الأمور عليهم إذا تفهمت الطريقة التي يتطرفون ناحيتها.

الغرب: كسب التقدير

آخر اتجاه: اتجاه الغرب، اتجاه كسب التقدير. وفي هذه الناحية الشخص وسلوكياته كلها تكون متوجهة ناحية جذب ولفت الانتباه.

مثلًا:

  • ولد مشاغب جدًّا ومهمل، مهما حاول أهله تقويم سلوكه بالعقاب لا يوجد أي تحسن.
  • (المتعالم) شخص، إياك والاستماع لنصائحه وإلا ستخسر، دائمًا يُظهر نفسه بالفاهم والعارف كل شيء، ليس عنده أدنى مشكلة أن يتكلم في أمور كثيرة هو لا يفهمها؛ فالمهم أن يظل الضوء موجهًا إليه.
  • وسيدة، لو تحدث معها ستشعر أنها كانت تعمل في قسم تحقيقات الشرطة، كل كلمة تقولها فإنها تفسرها، أقل تعبير بملامحك، كل شيء- تعمل تحقيق- بالتأكيد وراءه هدف وبالتأكيد هذا الهدف يعود عليها، ودائمًا تكون مطالبًا بتبرير وشرح كل شيء مهما كان تافهًا وإلا تغضب وتستنتج استنتاجات مبالغ فيها جدًّا.

هؤلاء الثلاثة يظهر أن طباعهم صعبة؛ لأننا نحاول التعامل معهم بدون أن نفهم الهدف المخفي وراء تصرفهم الظاهر هذا، هم يخرجون سلوكيات يائسة لمجرد كسب انتباه الآخرين وتقديرهم.

تستطيع ببساطة السيطرة على هذا التطرف الذي يحدث بأن تعطيهم التقدير والانتباه والاهتمام الذي يحتاجونه، أثنِ عليهم بكلمات، وقدِّر ما يفعلونه وشجعهم، إذا فعلت هذا ستجد أن العلاقة معهم أصبحت أسهل.

الخلاصة

طبعًا الاتجاهات قد تتداخل مع بعضها، وبدلًا من أن يتمدد في اتجاه واحد؛ يتمدد في أكثر من اتجاه، شمال شرق مثلًا، وهكذا.

المهم أن الفكرة واحدة، وإذا فهمت احتياجات من أمامك الحقيقية، ستجد أن التعامل معه صار أسهل.