كتاب العقل قبل المزاج

Book-Cover

كتاب العقل قبل المزاج (المؤلف: دينيس جرينبرج)

تخيل المشهد الآتي: زوجة تقول لزوجها لقد غيرت زيت السيارة اليوم؛ فيرد عليها بانزعاج: لماذا قمت بتغييره؟ ألم أقل لك إنني سوف أغير الزيت يوم السبت؟ ترد عليه: ولكنك قلت هذا الكلام منذ أسبوعين لذلك ذهبت بنفسي وغيرته.

فيرد: ما رأيك أن تجدي زوجًا جديدًا لك! ويغلق الباب خلفه بقوة.

لو تتبعنا حالاتنا المزاجية، سنلاحظ أننا في أوقات معينة نتعرض- كما في حالة الزوج- لحالة مزاجية غير مناسبة للموقف.

كيف يمكننا فهم حالاتنا المزاجية؟

كيف يمكنك فهم حالتك المزاجية بصورة صحيحة؟

بأن تحاول تحديد الأفكار التي تخطر في بالك في أثناء الموقف. ما الأفكار التي خطرت في بال ذلك الرجل وجعلته يغضب! بالطبع هو لم يغضب بسبب تغيير الزيت نفسه، بل على العكس فإن زوجته قد أسدت له معروفًا بذلك، خصوصًا وأنه مشغول جدًّا. الفكرة التي خطرت في رأسه هي أن زوجته قد حكمت عليه بأنه ليس جيدًا كفاية، ولم تقدّر ما يفعله، وهذا ما جعله يغضب. 

ما الارتباط بين التفكير والحالة المزاجية؟

في كل مرة نتعرض بها لحالة مزاجية، تكون هناك أفكار مرتبطة بهذه الحالة، ويطلق عليها اسم "الأفكار التلقائية".

كيف نصبح واعين بأفكارنا التلقائية؟ وكيف يمكننا تحديد هذه الأفكار؟

 حتى نجيب عن هذا السؤال لنتخيل معًا المشهد الآتي: 

أنت طبختِ طبقًا جديدًا في دعوة غداء في منزلكِ، وبعد ١٠ دقائق، ضيوفكِ قالوا إن الطعام لذيذ جدًّا، ما الفكرة التلقائية التي ستخطر في رأسكِ؟ هل ستشعرين بالراحة والفخر وتصدقيهم، أم ستقولين لنفسك بأنهم يجاملونك ليس إلا، ولا يريدون جرح مشاعرك، وستشعرين بالخجل والإحراج؟

معرفتك للأفكار التي تراودك في أثناء هذه المواقف أو تفسيرك للأحداث ستخبر الكثير عنك.

 بصورة عامة يمكننا تقسيم الحالات المزاجية السيئة الكبيرة التي يتعرض لها البشر لأربعة صناديق:

الاكتئاب

الصندوق الأول صندوق الاكتئاب، وتدور فيه الأفكار حول ثلاثة أمور.

  • التفكير السلبي حول نفسك: كأن تستنتج بأنك شخص مكروه أو لا فائدة منك. 
  • والتفكير السلبي حول التجارب الحياتية كأن ترى فقط الأمور السلبية من التجارب، ولا تلاحظ الجانب الإيجابي.
  • والتفكير السلبي حول المستقبل بأن ترى بأنك لن تتحسن أبدًا.

القلق

الصندوق الثاني هو صندوق القلق، ويوجد فيه أفكار التخوف من التجارب ونقص في الثقة بالنفس، فتبالغ في تقدير الخطر وتستهين بقدرتك على التعامل معه.

الغضب

الصندوق الثالث هو الغضب، وتوجد فيه أفكار حول العدالة والإحساس بالتعرض لسوء المعاملة أو المعاملة بظلم.

الذنب والخجل

الصندوق الرابع عن الذنب والخجل، ويتعلق بالأفكار الخاصة بارتكاب الخطأ.

الذنب نحس به عندما نحكم على أنفسنا بأننا قمنا بشيء خطأ، كان من المفترض بنا أن نتصرف بطريقة مختلفة، والخجل نحس به أيضًا عندما نحكم بأننا ارتكبنا خطأ ما، مع افتراض أن هذا الخطأ معناه أننا معيوبون. دائمًا، يرتبط الخجل بنظرة سلبية عن أنفسنا.

فهم مشكلاتك

كل الحالات المزاجية السيئة يمكن أن نرجعها لواحد من الصناديق الأربعة. 

علينا أن نسأل ما الأفكار التي ظهرت في رأسنا قبل أن يحدث رد الفعل مباشرةً؟!

مثلًا

الحكاية التي بدأنا بها ربما تبدو وكأنها خلاف بسبب أمر تافه، ولكن في الحقيقة أن رد الفعل نابع من الأفكار التلقائية للرجل، هو تصرف بهذا الشكل لأنه أحسّ بالتهديد (صندوق القلق).

تفكير بديل أو متوازن

في قصة مشهورة عن أم مريضة، استيقظت من النوم لتجد أن ابنتها جعلت البيت في حالة فوضى عارمة، الألوان والورق في كل مكان. ستنزعج الأم ولكن بعد لحظات ستجد لوحة كبيرة مكتوب عليها "أحبك أمي! أتمنى لك الشفاء العاجل".

 وهنا تغيّر حكم الأم على ابنتها، فبدلًا من أن تنظر لابنتها على أنها مستهترة ستراها بأنها مهتمة ولطيفة، وحكمها هذا غير استجابتها العاطفية ١٨٠ درجة.

الذي غيّر حكمها معلومة صغيرة، لم تكن تراها في بداية الأمر.

جمع أدلة جديدة

أفكارنا التلقائية تحركنا ولكن لا تروي القصة كلها. راقب الأفكار التلقائية في لحظة ظهورها، وحاول تفسيرها بكل الطرق الممكنة. اترك القديم ولكن ابحث عن تفسيرات بديلة، بذلك ستبني وجهة نظر متوازنة.

على سبيل المثال

فكرة عند شخص يعتقد بأنه أب سيئ، يمكنه أن يضيف على فكرته تلك، التالي: على الرغم من أنني أرتكب بعض الأخطاء كأب، ولكن كل الآباء والأمهات يرتكبون الأخطاء.

بذلك يكون قد استطاع أن يحول الفكرة من أن تكون مركزة على الجزء السيئ لأن تصبح رؤيته أكثر توازنًا. التفكير المتوازن هنا وفّر له منظورًا أوسع لكي يرى من خلاله الموقف الذي تعرض له. 

عادةً ما يكون التفكير المتوازن أكثر إيجابية، ولكنه يمثل مجرد استبدال التفكير الســــلبي بواحد إيجابي لا أكثر. التفكير الإيجــــابي يميــــل إلــى تجاهل المعلومــات السلبية، ومـن الممكــن أن يكــون مدمرًا علينا أن نأخذ في الحسبان المعلومات السلبية والإيجابية على السواء، محاولتنا هذه تساعدنا على فهم معنى جميع المعلومات المتاحة.

افتراضات دفينة

عرضنا في الجزء السابق أول مستوى للأفكار- الموجودة فوق الأرض- ولكن لا يزال هناك مستويان تحت الأرض.

 المستوى الثاني هو الافتراضات الدفينة

الفكرة تأتي من افتراض، التعرف على افتراضاتنا الدفينة سيوفر لنا فهمًا أعمق لجذور سلوكياتنا وأفكارنا التلقائية.

إذًا

في الواقع رؤيتنا للافتراضات الدفينة هو أصعب قليلًا من رؤية الأفكار. فلن نستطيع رؤيتها مباشرة كما الأفكار بل نحتاج إلى أداة كي نحفر بها، هذه الأداة هي "إذًا" أو لو.

مثلًا: سيدة مهووسة بالتنضيف ونريد أن نخرج الافتراض الخاص بها على السطح، سنضع كلمة إذا قبل تصرفها ونتركها لتكمل الجملة.

إذا حافظت على نظافة بيتي…. "سيكون شكله جميلًا عندما يزورني أصدقائي". هذا كان افتراضها.

شخص آخر لديه التصرف نفسه سنستخدم الطريقة نفسها. 

إذا حافظت على نظافة بيتي … "سأشعر باسترخاء أكبر وسأكون قادرًا على إيجاد الأشياء عندما احتاج إليها بسهولة". ذلك كان افتراضه الدفين. 

بالمثل

لو كنت دائمًا تشعر بالحزن والوحدة في الإجازات؛ فهذا دليل على وجود افتراض دفين يعمل في الخلفية.

ممكن أن تفترض بأن فترة إجازة معناها أن تقوم بأشياء ممتعة، ووجودك في المنزل لوحدك وعدم قيامك بشيء يعني- في نظرك- بأنك فاشل.

 شخص آخر يمكن أن يشعر بالسلام بدل الحزن؛ لأنه متفرض بأن الوجود في البيت وحيد، يمثل فرصة للاسترخاء والتمتع بليلة هادئة.

في كثير من الأحيان تمثل الافتراضات الدفينة مستوى التفكير الأهم الواجب تحديده واختباره. فــي علاقــاتنا، تحصل الكثــير مــن حــالات ســوء الفــهم؛ لأن كــل شـخـص يحمــل افتراضـاتٍ دفينـة مختلفـة. علـى سـبيل المثال، شـريك حيـاة يفتـرض "لو كنـت مهتمًّا، فستعرف ما احتاج إليه بدون أن أطلبه منك"، وفي الوقت نفسه الطرف الآخر يفترض بأن الآخر إن احتاج إلى شيء فسيطلبه.

تحديد الافتراضات الدفينة

لكي تحدد افتراضك الدفين ضع السلوك أو الموقف الذي يثير الاستجابة في جملة تبدأ بإذا ودع عقلك هو من يكمل الجملة.

أنا مثلًا في موقف وأشعر بالخجل من أن أتحدث، إذا طبقت الطريقة ستجدني أقول لنفسي: إذا تحدثت فسيحكم الناس عليَّ ويتكلمون عني بالسوء من وراء ظهري، وإذا لم أتكلم فلن يحكم أحد عليَّ ولن أشعر بالقلق. بهذا أكون قد عرفت افتراضي الدفين بأنه حكم الناس عليَّ وبأنني أراه خطيرًا، معرفتي بافتراضي الدفين سيمكنني من أن أضع يدي على الجرح، وأن أعرف تمامًا أين هو الخلل.

قناعات جوهرية

والآن المستوى الثالث – القناعات الجوهرية

القناعات الجوهرية هي عبارات قاطعة عن نفسك أو الآخرين أو العالم، كأن ترى بأنك عديم القديمة أو أن الناس سيئون والتعامل معهم خطير.

كل شخص لديه قناعات جوهرية (سلبية وإيجابية).

لماذا هي مهمة؟

لكن لماذا من المهم أن نتنبّه لقناعاتنا الجوهرية وخصوصًا السلبية منها؟ 

لأنه لو أنا لدي قناعة مثلًا بأنني غير محبوب عندها لن أترك للناس فرصة للتقرب مني ولن أترك لهم فرصة التعرف عليَّ. سأتصرف بطريقة انعزالية وتحفظيّة، وذلك سيعزز قناعتي في النهاية ويحقق لي النبوءة التي تكهنت بها منذ البداية.

تحديد القناعات الجوهرية: تقنية الأسهم الهابطة

كيف نكشف عن قناعتنا الجوهرية؟

القناعات تحتاج إلى أداة أكبر للحفر، لن نستخدم "كلمة" بل جملة، هذه المرة، "جملة : لو أن هذا الكلام صحيح، فذلك معناه أن….". 

"ما معنى هذا بالنسبة لي؟". 

أنا مثلًا شعرت بالقلق عند تغيّر حصص المبيعات في الشركة التي أعمل بها، وعرفت حصتي الجديدة، في هذه اللحظة ظهرت في رأسي فكرة تلقائية تقول إن الجميع سينجح في البيع إلا أنا.

حسنًا، لو أن هذا الكلام صحيح فذلك معناه أن … "الناس يستطيعون إنجاز العمل بصورة أسهل بالمقارنة بي". 

ومرة ثانية لو أن هذا الكلام صحيح فذلك معناه أن…

"الآخرون أكثر كفاءة مني"

أنا لديَّ مشكلة بأنني أرى بأن الناس أكثر كفاءة مني.

بدأت بفكرة مرتبطة بموقف معين - قلق وتوتر حدثا في موقف محدد - والموقف أوصلني لعبارة مطلقة تنطبق على كل مواقف حياتي، قناعة جوهرية حول العالم والآخرين. 

تحديد القناعات الجوهرية الجديدة

حسنًا بعد أن عرفت ذلك، ما الذي أستطيع فعله؟

 حدد قناعة جوهرية جديدة

  • يمكن أن تكون القناعة الجوهرية الجديدة هي عكس القديمة. مثلًا: أن تحول فتاة قناعتها من "أنا غير محبوبة" لـ"أنا محبوبة". وقناعتها هذه لا تعني بالضرورة بأن تتوقع من البداية أن يحبها الجميع، ولكن معناها فقط أنها شخصية محبوبة، ولديها الكثير من السمات الجيدة، سواء أحبها الناس أم لا.
  • ويمكن أن تكون القناعة الجديدة نظرة تقبّل ليس إلا. مثلًا أنت ترى "بأن الناس غير جديرين بالثقة"، ليس شرطًا أن تكون قناعتك الجديدة العكس، ممكن أن تكون القناعة بأنه لا مشكلة لو كان الناس غير جديرين بالثقة، أنا أستطيع وأعرف كيف أتعامل مع هذا الموضوع. قناعتك الجوهرية الإيجابية كانت عن نفسك وليس عن الناس.

امتلاكك لقناعة جوهرية إيجابية بهذا الشكل، سيتيح لك ميزة المرونة في فهم التجارب من حولك، وذلك سيجعلك تشعر بالمزيد من الرضا والسعادة.

لو كانت قناعتي الوحيدة هي أنني شخص غير محبوب، عندها كل ما سيحدث لي سأفهمه من خلال ذلك السياق، حتى لو بدأ الناس بالانجذاب إليَّ سأشوه التجربة هذه لكي تلائم قناعتي الجوهرية سأترجم تصرفاتهم مثلًا على أنهم يشعرون بالشفقة تجاهي أو أنهم لا يعرفونني جيدًا، هنا أنا أرى العالم كله من خلال عدسات قناعاتي السلبية.

لكن لو أنني أملك قناعة إيجابية جديدة فبهذا يكون لديَّ الخيار أن أستخدم القناعة هذه كي أفهم التجارب التي أمرّ بها وأخزنها، ومع مرور الوقت وتخزين المزيد والمزيد من التجارب في صندوق أنا محبوب قناعتي الجوهرية ستزداد قوةً.