كتاب إدارة الغضب: أبسط الخطوات للتعامل مع الإحباط والتهديد

Book-Cover

كتاب إدارة الغضب: أبسط الخطوات للتعامل مع الإحباط والتهديد (المؤلف: جيل لندنفيلد)

في غرفتي وبجانب خزانة الملابس لدي خزانة صغيرة، يوجد فيها سلوكياتي وردود أفعالي مثل الفرح والحماس وباقي التصرفات التي كنت أرتديها كردِّ فعل على كل موقف أمر به. وسط تلك الردود كان هناك صفة اسمها "الغضب"، وطبعًا هذه الصفة كنت أحاول جاهدًا عدم الاقتراب منها، لأن صيتها سيئ للغاية وأراها على أنها مجرد استجابة همجية حيوانية، لكن بعد أن قرأت كتاب اليوم اكتشفت أنني ظلمتها جدًّا.

المشكلة عندي أنني كنت أخلط بين سوء إدارة الغضب وبين الغضب نفسه، لكنني عرفت في النهاية بأن الغضب مفيد جدًّا لجسمنا ووسيلة بناء إيجابية تساعدنا على تفريغ الضغط عندما نتعرض لإساءات عاطفية أو جسدية بدلًا من كتمانها.

إدارة الغضب

بفرض أنني تعرضت لموقف كالإحباط أو الخسارة أو أي موقف يستدعي الغضب، ولكنني لم أنفث عن غضبي بطريقة صحيحة بذلك أكون معرضًا:

  • أن يتم إهدار حقي لأنني لم أدافع عنه.
  • أو أن ردود الأفعال وشحنة الغضب تلك تحوّل اتجاهها من الخارج إلى الداخل وتتراكم وتتخزن بداخلي وتوصلني لاكتئاب صامت مثلًا.
  • أو ممكن أن أتمكن من تخزينه في الوقت الحالي لكن مع مرور الوقت قد أفقد السيطرة على نفسي وأنفجر في أسوأ مكان وأسوأ توقيت، وذلك يكون كفيلًا بضياع حقي.
  • أو ربما أُخرج إحباطي وأنفس عن غضبي بشخص آخر أضعف مني مثلًا غير الشخص الذي سبب المشكلة أصلًا.

الغضب

بداية وقبل أن أتحدث عن الطريقة الصحيحة للتعبير عن الغضب دعني أتحدث قليلًا عن الغضب نفسه ولماذا يختلف من شخص لآخر؟

التعبير عن الغضب

كل شخص فينا يعبِّر عن غضبه بطريقة مختلفة، وغالبًا نكون قد اكتسبناها بالممارسة على مدار حياتنا.

 هذه الفتاة جرّبت الامتناع عن الطعام مثلًا عندما حدث شيء ضايقها؛ فاكتشفت أن أمها استجابت لطلبها بعد هذا التصرف، وهذا الولد وجد أنه يمكن بسهولة أن يحصل على لعبة زميله إذا قام بضربه على بطنه.

 كل منهما جرّب طريقة مختلفة وأثبتت فاعليتها، ومع مرور الوقت اندمجت بشخصيتيهما وأصبحت شبه تلقائية.

 حسنًا كان ذلك سبب اختلاف هذه الصفة بين الأشخاص لنرى معًا سبب اختلاف درجة ردّ الفعل داخل الشخص الواحد.

لدينا أربعة عوامل تخبرنا لماذا الشخص الواحد يعبِّر عن غضبه بطرق مختلفة.

أولًا: مدى التهديد

أو الأذى الذي يتعرض له الشخص، هناك فرق كبير بين أن يتخطاك شخص في طابور انتظار في السوبر ماركت، وبين شخص يحاول أخذ مكانك في ترقية عمل مثلًا. كلما كان الضرر أو العنف أكبر كان ردّ الفعل المتوقع أكبر.

ثانيًا: التعمد

 إن كان مسبب الأذى والإحباط مقصودًا ومتعمدًا أم لا: فلو دُستُ على قدمك بشكل متعمّد سيكون الأمر مختلفًا عن لو أنني فعلتها عن غير قصد.

ثالثًا: توقُّع المثير

أنت ربما تنزعج لو أن القطار تأخر عشر دقائق عن موعده لو أنك لست معتادًا من النظام على التأخير. بينما لو كنت معتادًا وتعرف أنه من السائد أن يتأخر فعندها لن تكترث كثيرًا للأمر. فكلما تلقيت تحذيرًا مسبقًا كانت ردّة فعلك أهدأ من أن تحصل الأمور بصورة مفاجئة.

رابعًا: الحالة الانفعالية ساعة حدوث المؤثر

لو أنك في مزاج عالٍ وتشعر بالسعادة وخطوت في بركة مطر، بما في تلك اللحظات لن تنتبه للحادثة أساسًا، بينما لو حصل ذلك في يوم عمل ممل ومزعج عندها سوف تكره المطر والماء، وربما تسب وتشتم البلدية أو أي شخص يظهر في وجهك.

الآن بعد أن حاولنا فهم الغضب ندخل في أهم جزء. 

كيف نتعامل مع الغضب؟

لكي تعبر عن غضبك بطريقة صحيحة أو بين قوسين تتعلم كيف تديره بطريقة مناسبة، يوجد ثلاث مراحل أساسية.

التعامل مع الغضب

  • قلل الاندفاع

أول ما عليك فعله هو تقليل سرعتك. حاول أن تشتت عقلك قليلًا عن الحالة الانفعالية الطارئة كي تقلل اندفاعك. تستطيع فعل ذلك بأن تختار في رأسك أي نمط تافه وتحاول الدوران حوله، مثلًا تبدأ بعد الأشياء الزرقاء الموجودة في المكان، أو أن تبحث عن كل الأشياء المستديرة وهكذا.

  • سيطر على الخوف

النقطة الثانية هي أن تسيطر على خوفك. الخوف دائمًا يختبئ وراء الغضب لكننا لا ننتبه لذلك. أنا مثلًا تعرّضت لهجوم في أثناء عودتي للمنزل عندها سأكون خائفًا من الإصابة الجسدية، وفي الوقت نفسه سأكون غاضبًا من تهديد أمني. لو أنني غاضب بسبب خسارتي لعملي سأكون في الوقت نفسه خائفًا من فقدان احترام الناس أو من فقدان مصدر لقمة عيشي.

من أهم الأسباب التي تُفقدك السيطرة على غضبك هو الخوف، ولكي تسيطر عليه حاول تحيّد الخوف بأن تتّبع السبب الحقيقي وراءه، وعلى الأغلب ستجده بلا أساس من الصحة وأنك تبالغ في خوفك جدًّا وتمزج الحقيقة بالخيال ولن تحصل الكوارث التي تتخيلها بتاتًا.

التعبير المناسب

والآن بعد أن سيطرنا على الخوف وبطّأنا اندفاعنا بقي علينا معرفة الطريقة المناسبة للتعبير عن غضبنا.

غير عنيف

أولًا يجب أن يكون التعبير بصورة لا يوجد فيها عنف لغوي، فلا أقول مثلًا إياك أن تفعل كذا أو لو فعلت كذا سوف تندم بل أقول مكانهم أنا في رأيي كذا أو أنا أكره كذا وأكيد بدون التعبير بتلويح الأيدي.

الأفضل أن تبدأ بشيء إيجابي قبل أن تقول السلبي مثل أن تقول استمتعت بالعمل معك السنة الماضية لكن في الفترة الأخيرة حصل كذا.

مباشر

أيضًا يجب أن يكون الغضب مباشرًا أمام الشخص المعني وبدون أي تحوير ومراوغة. لا تفصل بين نفسك ومشاعرك باستخدام ضمير الغائب أو باستخدام العبارات العامة مثل:

 "عندما يقوم الناس بكذا يحصل كذا".

كُنّ واضحًا بضمير المتحدث فتقول مثلًا: أنا أشعر بالانزعاج من كذا. 

أمين 

وضح أيضًا السبب الأخلاقي لغضبك وكن مستعدًا أن تُناقش أخلاقيات وأسباب ردّة فعلك وإحباطك، وعند انتقادك لشخص لا تنتقده شخصيًّا بل انتقد سلوكه الذي ضايقك فبدل أن تقول له أنت أناني، قُل كانت أنانية منك أنك لم تفكر في احتياجاتي.

مركز 

حاول عدم الخروج عن الموضوع وعدم إدخال أحداث الماضي البعيد. ابقَ في اللحظة الحالية. لا تحاول لعب المحلل النفسي والاجتماعي وراء سلوك الشخص الذي سبب لك الإزعاج في أثناء حديثك معه، كأن تقول له أنت تعلمت هذه العادة من بيئتك، وبصورة عامة ابتعد عن المسميات، مثلًا لو أن امرأة لا تقود بشكل جيد صدمت سيارتك؛ فلا تبدأ بالحديث عن قيادة النساء ابقَ في الحالة الفردية التي حدثت معك لا تخلق جدالًا وتدخل نفسك في مسميات عامة.

غضب الآخرين

رائع! انتهينا الآن من التعامل مع غضبك أنت؛ فلننتقل للتعامل مع غضب الآخرين.

تخيل بأنك سُجنت مع شخص ممسوس من العفاريت، ولأنه لا يستطيع السيطرة على نفسه فهو يقوم بتكسير كل ما حوله. 

تعامل مع الشخص الغاضب على أنه شخص غير واعٍ لما يقوم به وكأنه ملبوس من العفاريت. 

انتبه لأنك تواجه شخصًا تمنعه حالته الفسيولوجية من التصرف بعقلانية، وليس هدفك أبدًا الآن إيجاد أي حل للصراع.

الصفات

"العفريت" الذي معنا له أربع صفات يمكن أن نستغلها للسيطرة عليه.

  1. هذا العفريت يحب من الناس الاعتراف بمشاعره لذلك يصرخ.
  2. لا يحب أن يسأله أحد عن أي شيء.
  3. لا يحب أن يجيب أي أحد عن أسئلته.
  4. ويحب أن يأكل كل دقيقة وإلا سيموت.

اعترف بمشاعر الآخر

أول ما يجب عليك القيام به مع الشخص الغضبان هو الاعتراف بمشاعره وإظهار هذا الاعتراف له كأن تقول بنبرة جادة: يبدو أنك غاضب من هذا!

ولا يجب أبدًا أن تقول ذلك بنبرة ساخرة.

فائدة هذه النقطة بأنها توضّح للشخص الغاضب بأنه ليس مضطرًا بأن يستمر في الصراخ أو الإساءة كي يفهمك حقيقة شعوره. أنت تخبره بأن شعوره وصل تمامًا لك.

لا أسئلة

بعد أن وضّحت له بأنك معترف بمشاعره، لا تستفسر منه عن أي جزء من كلامه؛ لأن ذلك مضيعة للوقت وخطر ليس عليه فقط بل عليك أنت أيضًا. وكن متيقّظًا أيضًا بأنه يجب عليك السيطرة على غضبه هو وكذلك بألا تسمح له بإدخالك في حالة انفعال غير مسيطر عليها.

في كل الأحوال أنت لن تحصل منه على إجابات مرضية لأسئلتك، مما قد يدخلك أنت أيضًا في حالة غضب؛ لذا من الأفضل أن تؤجل الاستفسارات إلى أن تنتهي نوبة الغضب. 

أجب كلامه بالإنصات العكسي. أي إنك بعد أن ينتهي من كلامه أعده عليه، مثلًا:

عميل غاضب جدًّا من المنتج ويشتم ويخبرك بالمساوئ فعندها تخبره بأنك فهمت بأنه غير راضٍ عن الخدمة ولاحظت بأنك تحب ألا أكون متأخرًا.

لا أجوبة

أيضًا لا تجب عن أسئلته بإجابات واضحة، لأنه سيقفز بكلامه من نقطة لأخرى وسيغريك بكل الطرق كي تجيب عن أسئلته المستفزة، ممكن أن يتهجم عليك بتغيير الحقائق ويبالغ مثلًا، الحل هنا أن تستخدم معه أسلوب الرقم القياسي، إن سألك عن شيء محدد فإياك أن تجيب، أخبره بأنه يبدو أنك غاضب الآن لنناقش هذا الأمر يوم الإثنين القادم مثلًا.

التشويش

ووصلنا لآخر وأهم نقطة، إن أردت قتل العفريت هذا ببساطة لا تطعمه.

فهو بسبب حاجته للأكل يبدأ بانتقادك ويدفعك بكل الطرق كي تُستفز كي تشتمه أو ترد عليه بشيء يزيد من غضبه، وبالتالي يأكل من الإساءات التي تقدّمها له فيبقى على قيد الحياة.

تستطيع ببساطة أن تمنع عنه الطعام بألا ترد على تعليقاته وألا تحاول إقناعه بأنه ليس عادلًا أو ليس منطقيًّا في اتهاماته. 

إلا أنه لا يجب أن تبقى صامتًا أيضًا.

مثال:

شخص ما غاضب يقول لشخص آخر هل تذكر عندما جعلتنا نخسر العميل الفلاني، عندما قمت بالغلطة الفلانية، الشخص الآخر يمكنه أن يرد: خسارة العميل الفلاني تلك كانت فعلًا مشكلة كبيرة لعملنا.

بهذا الرد سيشعر الشخص الغاضب بأنك مواقف على كلامه بدون أن توافق تمامًا على رأيه. لو فعلت ذلك وبيّنت له أنك موافق معه على الخطوط العريضة في الكلام، ولم تحاول مواجهته بذلك لن يجد في ردّك أي تغذية لغضبه وسيتوقف من تلقاء نفسه.