كتاب الحافز: الحقيقة المدهشة بشأن الأشياء التي تحفزنا

Book-Cover

كتاب الحافز: الحقيقة المدهشة بشأن الأشياء التي تحفزنا (المؤلف: دانيال اتش. بينك)

 

نظام التشغيل

 يعمل "عبد الحميد" مصمم مواقع، لديه مجموعة من البرامج يستخدمها فى عمله ويهتم بها، بحيث إنه من الممكن أن يشتريها بأي ثمن، إلى أن يأتي يوم ويتعطل نظام التشغيل الذي يستخدمه ويُعطِّل معه كل برامج التصميم، ولأول مرة ينتبه عبد الحميد لمدى أهمية نظام التشغيل الذي لم يكن يعترف بوجوده سابقًا، ولم يعتبره يومًا ذا أهمية في عمله، عندها سيفهم أنه لولا وجود نظام التشغيل في الخلفية لما اشتغل أي برنامج آخر ومن بينها برامج التصميم بالطبع.

الحافز

هو نظام التشغيل الذي يتم تجاهله تمامًا طالما هو موجود، لكن بمجرد غيابه، سينتبه الناس لمدى أهميته ويبدؤون بالشكوى والتذمر. 

مثال:

مدير يقوم بمقابلات عمل، سيهتم باختيار أكثر شخص لديه مهارة، وبذلك يكون قد اختار أفضل برنامج تصميم متجاهلًا نظام التشغيل نفسه. 

الأداء = المهارة x الحافز أو الدافعية

المدير لم يضع في اعتباره معادلة الأداء التي تقول إن النتيجة- نتيجة أي عمل- هي حاصل ضرب المهارة أو القدرة في الحافز أو الدافعية. فمثلًا إذا كان الشخص يمتلك مهارة تعادل ١٠٠ درجة ولكن الحافز يساوي الصفر فستكون النتيجة أو الأداء تساوي الصفر أيضًا! المهارة في هذا الوضع مهما كانت كبيرة فلن يكون لها أي قيمة.

إصدارات الحوافز

حسنًا! الآن بعد أن اتفقنا على أن الحافز يشبه في أهميته نظام التشغيل، يجب أن نراعي أيضًا أنَّ كل نظام تشغيل له أكثر من إصدار. 

الحافز له ثلاثة إصدارات لحد الآن: 

(1.0)

أول إصدار؛ الإصدار القديم جدًّا، والذي كان يشمل على إشباع الحاجات الأساسية للإنسان المحرّكة له مثل: الأكل والشرب والبحث عن الأمان.

(2.0)

ثاني إصدار؛ الإصدار قديم بعض الشيء، والذي كان يستخدمه كامل باشا قبل ١٠٠ سنة مضت.

"كامل" لديه شركة لصناعة القطن ويريد زيادة اجتهاد العمال والإنتاجية؛ فيقوم بالإعلان عن مكافآت مالية لكل شخص يعمل ساعات أكثر، ولكي يمنع التأخير عن موعد الحضور ويحافظ على النظام يهدّد بأنه سيخصم من مرتب أي شخص يتأخر، باختصار سيستخدم الحوافز المادية كي يضبط أداء العمل، الموظف الذي يقوم بعمل جيد يأخذ مكافأة مادية والذي يقوم بعمل سيئ سيؤخذ منه ماديًّا. ويستمر هذا النظام على أنه الأنسب إلى أن يظهر  الإصدار الثالث. 

(3.0)

آخر إصدار والقائم على الحافز الداخلي

إن عُدت عشرين سنة للماضي، وتخيلت أنك تراقب مؤسستين الأولى يعمل بها أشخاص متخصصون يتقاضون أجورًا عالية، والأخرى يعمل بها أشخاص هواة لا يتقاضون مالًا مقابل عملهم أصلًا. إذا تنافست المؤسستان وبفرض أننا سنتبنّى الإصدار الثاني فبكل تأكيد المؤسسة الأولى ستربح، ولكنَّ العكس هو الذي حدث!

الحافز الخارجي

لدى "محمد" ورشة تصليح سيارات، وورشته تلك عادية، العمال يهدرون الوقت كبقية العمال. قرر محمد أن يزيد كفاءة العمال ويقلل الهدر ويحوّل ورشة لأفضل ورشة في المدينة، لذلك استخدم حافز المادة، المال! 

"محمد" سيعد العمال بالمكافآت المادية وستنجح الطريقة على المدى القصير، حيث إن عدد السيارات التي تُصلّح في الشهر تزداد ودخل الورشة يزداد أيضًا، ولكن على المدى البعيد سمعة الورشة ستصبح سيئة.

العمال في البداية سيشعرون بالحماس، ولكن مع مرور الوقت سيصبح اهتمامهم منصبًّا على المكافآت نفسها وليس العمل، فلكي يضمنوا المكافآت سيحاولون رفع المعدل بأي صورة ممكنة، مثلًا إجراء تصليحات غير ضرورية وسيُصلِحون الأعطال بكفاءة أقل المهم السرعة وليس النتيجة.

الحوافز الخارجية لوحدها

سيكون تأثيرها سلبيًّا مع الأعمال التي تتضمن أي صورة من صور الإبداع، ستقلل الكفاءة وستخلق مليون مشكلة على المدى البعيد كالتفكير الضيق بصورة قصيرة الأجل، لا أهتم بالعواقب في المستقبل الأهم بأن أحصل على المكافأة القريبة، وستؤدي إلى تصرفات غير أخلاقية، كالغش مثلًا بل وتصبح إدمانًا ويتعود عليها الناس، يمكن تشبيهها بالمنشطات التي تحقق نتائج فورية وسريعة ولكن بصورة قصيرة الأجل، فبمجرد انتهاء مفعولها سيكون هناك احتياج لمنشطات جديدة وإلّا لن نحصل على أي نتائج.  

كيفية استخدامه؟

"مروة" تريد أن تؤثر في سلوك ابنها كي يتصرف بطريقة لبقة. ستستخدم معه أسلوب المكافآت الخارجية فتقول له: أطعْ أمك وستحصل على المكافأة الفلانية! احصل على الدرجة النهائية في الاختبار وسأعطِك المكافأة الفلانية! 

طبعًا ستنجح وسلوك الطفل سيتحسن جدًّا طمعًا في المكافآت، ولكن بعد شهر من تكرار الموضوع، بالصدفة ستطلب منه أن يفتح الباب ولكن سيرد عليها ما المقابل؟ ستقول له لن تأخذ شيئًا مقابل فتحك للباب! فيجيبها إذًا لن أفتحه!

أحضروا مجموعة من الأطفال وقسموهم لقسمين، قسم سيرسم ويأخذ شهادة تقدير كمكافأة والقسم الآخر سيرسم ولكن بدون أن يعدوهم بأي مكافأة وجرت الأمور على ما يرام، وبعد قليل طلبوا من نفس المجموعتين أن يرسموا، وهذه المرة بدون أي وعد بمكافأة، رسم أطفال المجموعة الثانية، أما المجموعة الأولى فكان لديهم رغبة أقل بأن يرسموا.

أي إن الحافز الخارجي المتمثل بالمكافأة قلل من الحافز الداخلي ومع التكرار سيقتله تمامًا! 

وقد تتساءل هل معنى ذلك ألا نستخدم الحافز الخارجي أبدًا؟

لا، بل يمكننا استخدامه:

  • في الأعمال التي لا تتطلب تفكيرًا إبداعيًّا، كأي عمل روتيني جدًّا لا يحتاج إلى قدر كبير من التفكير، تعبئة الأكياس في المتاجر مثلًا.
  • إن كان العمل يتطلب بعض التفكير الإبداعي ولكن مدته قصيرة يومين أو ثلاثة.

حسنًا إذًا لا يمكنني استخدام الحافز الخارجي في الأعمال المتطلبة للتفكير الإبداعي طويلة الأمد، صحيح؟ 

ليس تمامًا، يمكنك استخدامه مع بعض الشروط:

 أولًا: ألا يكون الحافز الخارجي متوقعًا، فلو أرادت "مروة" أن تشتري هدية لابنها لا تخبره وتجعلها مفاجأة له.

وألا تستخدم صيغة أعطيك هذا الشيء مقابل فعلك لهذا الأمر؛ لأن هذه الطريقة تجعل التركيز كله منصبًّا على المكافأة، الأفضل أن تنتظر طفلها لينتهي من المهمة ثم تعرض عليه المكافأة، في صورة مديح للمجهود الذي قام به وليس كنتيجة، يعني المكافأة غير مشروطة بالناتج، وبالتالي ستحافظ على الحافز الداخلي وبذات المنطق يمكن تطبيق الأسلوب هذا على المؤسسات والموظفين.

كيف تبني بيئة محفزة؟

والآن نأتي للإصدار الثالث والأخير، التحفيز الذي يقوم على التحفيز الداخلي.

كان يقوم النظام القديم على أن الشركة تعطي الموظف المال في يديه ولا تهتم لحالته النفسية ولا بتحفيزه داخليًّا، لكن التحفيز الآن أصبح مسؤولية المؤسسة، بأن تخلق بيئة تحفز الإنسان ذاتيًّا ليكون متحمسًا في أثناء أدائه للعمل.

 كان هناك شاب اسمه "خالد"، نظر "خالد" لصورة لشركة جوجل من الداخل وقال لنفسه: وصلت لسر نجاح جوجل! وبدأ يقلد بيئة جوجل نفسها من ناحية الشكل، ولكن للأسف خالد في النهاية سيفشل ويخسر نقوده ويخرج من التجربة تلك ويشتم الموظفين، مقتنعًا بأن الموظفين هم السبب والخلل فيهم لأنه مهما فعل معهم لن ينفع، لأنهم أشخاص كسالى لا يحبون العمل ولا يتحملون المسؤولية!

كي تستخدم النظام الجديد وتحول بيئة العمل لبيئة محفزة ذاتيًّا هناك ثلاثة احتياجات للموظف عليك مراعاتها، وبالطبع أنا لا أقول هنا بأن تتجاهل المال تمامًا، قبل أي شيء يجب أن يكون الراتب مناسبًا وكافيًا وعادلًا يؤمن للموظف حياة كريمة. 

Autonomy – الحكم

أول غلطة ارتكبها "خالد" أنه كان مديرًا متحكمًا جدًّا لا يثق إلا بنفسه، وكان يأخذ كل القرارات لوحده بدون الرجوع لأي شخص، وليس هذا فقط بل كان دائمًا يراقب الموظفين ويتجسس على كل ما يفعلونه.

الاحتياج الأول: الحكم الذاتي

بيئة العمل يجب أن تكون مبنية على النتائج أي أن تخبر الموظف بالنتيجة النهائية المطلوبة منه، وتترك له السيطرة والتحكم الكامل في طريقة إتمام المهمة. لديه تفويض كامل. عندما يملك الموظف صلاحية اتخاذ القرار سيكون متحمسًا للعمل وستشبع عنده الرغبة في التحكّم في عمله وتحمّل المسؤولية.

Mastery – الإجادة

الغلطة الثانية هي أن "خالد" لم يكن مهتمًا بالتطوير الذاتي للموظفين كان يهمه كمدير أن تسير أمور العمل ليس إلا.

الاحتياج الثاني: التحدي في إثبات الذات والنمو.. تعلم الجديد والسعي وراءه

اختيار المهام لكل موظف بحيث إن العمل نفسه يساعده على النمو والتطور والمهمة تكون في المنتصف بين الملل والقلق؛ فلا تكون سهلة جدًّا أقل من قدراته بكثير فيشعر بالملل منها، ولا أن تكون صعبة جدًّا وأكبر من مستواه بشكل يسبب له القلق، بل أن تكون أعلى من مستواه بشكل بسيط فتحقق له رغبته في تطوير نفسه وتحسين مهاراته.

Purpose – الغرض

الغلطة الثالثة لـ"خالد" هي أنه كان يقسم العمل على الموظفين ويعطي كل منهم مهمته، ويأخذ منهم الناتج بدون أن يخبرهم أي تفاصيل عن الفائدة من عملهم وكيفية استخدامه بعد إنتاجه. لم يكترث لذلك لأنه مقتنع أنه يعطي الموظف راتبه وذلك يكفي!

 الاحتياج الثالث: تحقيق الذات

يجب أن تكون القيمة التي أضافها الموظف للعمل واضحة، كي يشبع لديه رغبته في تحقيق الذات والشعور بالإنجاز.

هذه الاحتياجات الثلاثة إن وجدت في أي وظيفة مهما كانت بسيطة ستحول من يقوم بها إلى فنان مهتم يعمل بكل جهد وينغمس في عمله لساعات طويلة بدون مراقبة أو إشراف. 

الخاتمة

كي تخلق بيئة محفزة ذاتيًّا يجب أن تشبع ثلاثة احتياجات:

  • أن يكون للشخص السلطة الكاملة على المهمة المسؤول عنها.
  • المهمة يجب أن تحمل تحديًا بسيطًا بحيث يتعلم منها أشياء جديدة.
  • أن تظهر قيمة المهمة، بحيث يستطيع رؤية أن ما يقوم به هو أكبر من حيزه الذاتي.