كتاب الخيار البديل

Book-Cover

كتاب الخيار البديل (المؤلف: شيريل ساندبرج)

تخيل أن هناك عمودًا مثبتًا في الأرض طوله نصف متر، فوق العمود يوجد لوح خشب كبير وفوق لوح الخشب موجود أنا وكل ممتلكاتي في الدنيا.. لكي يبقى اللوح ثابثًا وأحافظ على اتزانه سأقوم بترتيب الأشياء التي أمتلكها بحسب الوزن بحيث يكون الوزن في النهاية متوزعًا على مساحة لوح الخشب كلها، وبذلك أكون مع كل ممتلكاتي في حالة اتزان.

كلام جميل! ولكن لو أن أحد تلك الأشياء التي أمتلكها سقط من اللوح أو اختفى لأي سبب عندها الاتزان سيتغير واللوح سيهتز وحالة التوازن ستختل، ومن الممكن أن أسقط مع بقية الأشياء.

 نسبة احتمال وقوعنا يتناسب طردًا وزن الشيء الذي سقط أو اختفى، فلو كان شيئًا مهمًّا ويزن عشرين كيلو جرامًا، سيترك أثرًا أكبر بكثير من سقوط شيء بوزن خمسة جرامات مثلًا، كما أن هناك علاقة بين احتمال السقوط من جهة وقدرتي على إعادة التوازن من جهة ثانية.. هل أستطيع إعادة توزيع الأشياء فوق اللوح، هل أستطيع استبدال ما فُقِد بشيء آخر قريب منه بالوزن والحجم! لو استطعت فعل ذلك سأتمكن من المحافظة على توازننا جميعًا، وإن لم أستطع فمصيرنا السقوط.

التوازن

اللوح الخشب يمثل حياتك فوقه كل ما يهمك من ممتلكات وأشخاص.. حالة التوازن للوح هي حالتك النفسية. 

عندما تخسر شخصًا عزيزًا أو تخسر أي شيء، المال مثلًا، سيؤدي ذلك لفراغ مكانه، وذلك سيدخل حالتك النفسية في صدمة وارتباك، ولكن لو استطعت استبدال ما خسرته أو أن تعيد ترتيب ما تملكه من جديد بحيث تصل للتوازن ستستطيع أن تتعافى، ولكن إن لم تستطع عندها ستقع أنت وكل ما تملكه.

سأتحدث اليوم عن الخسارة وتحديدًا رد الفعل والألم الملازم لها، سأتحدث عن الموضوع في حكاية واحدة عن خسارة محددة ولكن المبادئ والأفكار ممكن استخدامها مع كل أنواع الخسائر، بداية برجل الأعمال العجوز الذي خسر أمواله ووصولًا للفتاة الصغيرة الحزينة لأن ظفرها كُسِر بعد أن اعتنت فيه لأسابيع عديدة.

مراحل الحزن


الشيء الأول الذي سيساعدك في التعامل مع الخسارة ويزيد فرصة أن تفكر داخليًّا بصورة منطقية وتقلل الارتباك الحاصل، هو أن تفهم ردود أفعالك التي ستمر بها.

هناك خمس مراحل لرد الفعل الذي يحصل بعد كل أزمة سواء كانت الخسائر كبيرة أو صغيرة.

نموذج كيوبلر روس

"بسمة" متزوجة منذ عشر سنوات وزوجها الذي تحبه قد مات في المستشفى بعد حادث سير، هذا الحدث بالنسبة لها خسارة، مأساة، كارثة كبيرة جدًّا.

"بسمة" عند سماعها للخبر ستقول، لا مستحيل أن يحصل هذا بكل تأكيد أنا أحلم، هي لن تصدق ما حدث، وبعد أن تتأكد بأن ذلك هو الحقيقة، في الفترة الأولى لن تبكي ولن يظهر عليها أي تأثر، سيحدث لها تبلّد مؤقت.

الإنكار

"بسمة" الآن في أول مرحلة من مراحل الحزن، الإنكار.

تحدث هذه المرحلة بعد الخسارة مباشرة، وخصوصًا لو أن الصدمة كانت كبيرة وغير متوقعة.

بعدما مرّت "بسمة" في مرحلة الإنكار ستدخل في مرحلة جديدة.

 مرحلة الغضب

ستبدأ بالغضب داخل المستشفى، ستوجّه غضبها للطبيب الذي قام بالعملية لزوجها بعد الحادث، سترى بأنه هو السبب لأنه لا بدَّ أن يكون قد أهمل عمله ولم يتحمل مسؤوليته تجاه زوجها، ستنتهي بغضب أن ما يحدث ليس عادلًا وستردد لماذا يحدث كل هذا لي؟

بعد ذلك ستدخل بسمة في مرحلة المساومة أو الذنب.

مرحلة المساومة أو الذنب

ستُشعِر نفسها بالذنب وتبدأ بجمع كل الأحداث قبل وقوع الحادث وربطها معًا وتبحث عن كل الاحتمالات التي كانت يمكن أن تفعلها لتمنع الموت عن زوجها، وإن لم تجد أي شيء ستبحث عن أي ذنب قامت به في الفترة التي سبقت الحادث، وسترى بأنها هي السبب.

بسمة وكل شخص فينا نملك بداخلنا إحساسًا أن كل شيء وراءه سبب، ولا أعني هنا السبب المادي لوقوع الحادثة؛ أي إن الفرامل كانت معطلة، لا بل أقصد السبب المنطقي من المأساة التي حصلت لبسمة، لماذا هي بالذات يحصل لها كل ذلك وتتعذب، لا بدَّ أن هناك سببًا منطقيًّا لما يحدث لها، فتبدأ بالبحث في كل الأحداث التي وقعت قبل وفاة زوجها ومراجعة نفسها وتقول: بالطبع السبب هو لأنني ظلمت أختي وسرقت مالها، لذلك هذه عقوبتي، أنا السبب في موت زوجي. بكل تأكيد تصرفها مع أختها بهذا الشكل خاطئ تمامًا، ولكن لا علاقة له بموت زوجها.

الاكتئاب

ومن ثم ستدخل في المرحلة الرابعة، التي هي الاكتئاب.. ستبقى بمفردها وتنعزل عن الناس.. أفكارها كلها ستدور حول أن زوجها مات، لماذا تستمر بالحياة، وهنا بسمة ستفقد الحماس والاهتمام بكل الأشياء من حولها. 

القبول

آخر مرحلة.. هي مرحلة القبول وهنا "بسمة" سترضى وتسلّم بالوضع الجديد. هذا التصالح إما أن يكون تفاهمًا سلبيًّا بحيث تكمل حياتها باكتئاب صامت، أو أن تكمل حياتها بتفاهم إيجابي، وتستطيع الخروج من الأزمة. 

منابع الحزن


الآن بعد أن درسنا رد فعل "بسمة" على المشكلة التي حدثت، إن أردنا مساعدتها، ماذا يمكننا أن نفعل؟

هناك ثلاثة منابع للحزن وهي ما تجعل الأمر بهذا السوء، سنحاول أن نسلط الضوء عليها.

الشخصنة

أول منبع هو أن بسمة تأخذ الأمور بصورة شخصية وتشعر بالذنب، شعورها بالذنب من أي شيء يحصل، وكأن حياة زوجها أو موته مسؤوليتها هي! ستلوم نفسها على كل شيء، ستقول لنفسها بأنه كان من الممكن أن تمنعه من ركوب السيارة في ذلك اليوم، أو أنها كان عليها أن ترسله لبلد آخر متطور كي يعالجه بعد الحادث، وغير ذلك من السيناريوهات الوهمية!

وحتى لو أنها لم تجد أي شيء ستلوم نفسها بأنها لم تودعه في ذلك اليوم، لو كانت قد ودعته؛ فنجدها تلوم نفسها لأنها لم تودعه كما يجب، المهم أن تُشعِر نفسها بالذنب. 

حذارِ من أن تسمح لنفسك بالوقوع فريسة للشعور بالذنب!

أنت لن تستطيع أن تغيّر الماضي، انظر للأمام، ذلك لم يكن ذنبك أو خطأك. 

كي تجفف منبع الحزن هذا، لا تأخذ المأساة التي حدثت بصورة شخصية.

التغلغل والامتداد

بعد الحادثة "بسمة" تشعر بأن كل حياتها دمرت، لم يعد هناك أي معنى أو شيء جميل فيها، تشعر بأن الألم والحزن قد وصل لكل جزء من حياتها.

"بسمة" مقتنعة أن حياتها انتهت.. أصبحت كلها عبارة عن مأساة وتعاسة.

لكي تستطيع التغلب على شعور التغلغل والامتداد الذي يحدث بعد المشكلة هناك طريقتان:

العودة للروتين بسرعة

أول حل أن تحاول العودة لحياتك الطبيعية في أقرب فرصة، تشغِل نفسك وتعود لروتينك، إن فعلت ذلك ستشعر بأن حياتك ما زالت غنية وهناك أشياء أخرى تحدث، ونعم تستحق منك أن تهتم بها، وطالما أننا ذكرنا النعم، فستكون مفتاحنا للدخول في الحل الآخر.. الامتنان.

الامتنان

في حالة بسمة هل من الممكن أن تكون الأمور أسوأ مما هي عليه؟ 

نعم! كان يمكن أن يحصل الحادث لزوجها في أثناء وجود أطفالهما معه في السيارة.

هل المشكلة أو الحادثة السلبية هي فعلًا كل حياتها؟ 

هي بكل تأكيد خسرت شيئًا عظيمًا، ولكن ما الأشياء الأخرى التي لا تزال تملكها؟ 

اكتب قائمة بكل الأشياء الجيدة في حياتك، جمّعها وأشعر نفسك بالامتنان. الامتنان هو أروع صديق يمكن أن يقف بجانبك في هذا الموقف، ذلك سيساعدك أن تتخطى محنتك، وأن تتعافى بسرعة. 

الديمومة

المنبع الثالث هو الديمومة.. "بسمة" تشعر بأن حزنها هذا سيستمر للأبد، فهي في أثناء مواجهتها للمشكلة لا تستطيع أن تتخيل بأن هذا الشعور الحالي يمكن أن يتغيّر في المستقبل، يسيطر عليها شعور بأنها خسرت، والحياة كلها انتهت.

ولكن ذلك غالبًا لن يحدث، والزمن سيمر على كل الأماكن الفارغة ويملؤها، وإذا أرادت "بسمة" أن تسرّع العملية عليها أن تبحث عن جوهر الشيء الذي خسرته وتحاول استعادته طالما أن الشيء نفسه للأسف لن يعود… (أفكار الشخص الذي مات، قيمة الأشياء التي كان يحبها، الطريقة التي كان يرى بها الحياة) عليها أن تحافظ على كل الأمور تلك وكأن زوجها ما زال حيًّا.

لا قرارات طويلة الأجل

وبمبدأ الديمومة نفسه!

بسمة ستكون مخطئة جدًّا إن قررت بيع بيتها، أو أن تهاجر، تستقيل من عملها بعد الحادثة مباشرة. 

بعد أي خسارة عليك ألا تأخذ أي قرار طويل الأجل وخصوصًا لو كان قرارًا مصيريًّا، لأن هذا ليس حلًّا، غالبًا ستشعر بالندم بعد مدة من الزمن، لأنك وقت المشكلة تكون مضطربًا عاطفيًّا، ولا تستطيع التفكير بشكل منطقي، انتظر مدة من الزمن ومن ثم راجع قرارك وادرسه مرة ثانية لتتأكد إن كان قرارًا منطقيًّا أم هو مجرد هروب. 

الخاتمة


المشكلة تأتي من بعيد من خارج نطاق تفكيري، ولكن عند دخولها، أنا أضيف إليها ٣ أمور فيكبر حجمها ويزداد الأمر سوءًا:

  • الشخصنة: أنا السبب.. أنا من دمرت كل شيء!

  • الامتداد: حياتي كلها تدمرت!

  •  الديمومة: حياتي ستظل على هذا النحو للأبد! 

قبل التعامل مع المشكلة وقبل أي شيء يجب أن أزيل الثلاث إضافات تلك، كي أستطيع رؤيتها بحجمها الطبيعي.

  • أنت لست السبب وحتى إن كنت! فالندم لن ينفع في أي شيء.

  • الدنيا لم تضع كلها أبدًا، ما زال هناك الكثير من النعم، ابحث عنها!

  • وأيضًا لن تستمر الأمور على هذا النحو السيئ، الزمن سيملأ كل الفراغات.