كتاب كيف تتحدث إلى أي شخص

Book-Cover

كتاب كيف تتحدث إلى أي شخص (المؤلف: ليل لوندز)

في بعض الأحيان نرغب في الحديث مع الناس، لأسباب عديدة، سواء كانت أسبابًا تجارية بحتة أو شخصية، ولكن عند التنفيذ نجد أن الأمر لم يتم بالكفاءة التي كنّا نتمناها.

اليوم سأتحدث عن بعض المبادئ لحوار فعَّال، يمكنك استخدامها في محادثاتك بمختلف أنواعها.

بيئة مشتركة

لنفترض أنني جالس في أحد المطاعم آكل طبق كشري، ويجلس على الطاولة المجاور شخص مهم بالنسبة لي، كيف يمكنني أن أبدأ حديثًا معه؟

دعونا نرى! سأنتظر إلى أن ننتهي من الطعام وفي أثناء نهوضنا سأقول: يبدو أن الكشري هنا ليس طازجًا وأن طعمه سيئ أليس كذلك! سيجيبني بأن الخدمة لم تعد كما كانت من قبل.

سأرد عليه: هذه المرة الأولى التي آتي بها إلى هنا، هل تتردد كثيرًا لهذا المطعم؟ 

سيجيبني بأنه زبون دائم. ويقول: منذ أسبوعين تغيّر العمال في هذا المطعم، ومنذ ذلك الحين وجودة الخدمة والطعام ليست كما يجب.

كسر الجليد

لو أن هناك شخصًا لا تعرفه أبدًا أو تعرف عنه معلومات بسيطة جدًّا، وترغب في بدء حديث معه كمقدمة لأمر آخر تجاري، شخصي أو أيًّا كان، أول مشكلة يمكن أن تواجهك هي أنك لا تعرف ماذا ستقول، ولكن أسهل طريقة لكسر الجليد والتي تعتبر مفتاح الحديث هي أن تبحث عن البيئة المشتركة أي بيئة مشتركة كانت أو رابط بينكما مثلما فعلت أنا في المطعم مع ذلك الشخص وفي أثناء مرورنا بالتجربة نفسها، بدأت بها حديثي. 

إذا كان الشخص الذي تريد التحدث إليه يسكن بالقرب منك، يمكنك أن تتكلم معه عن كيف أن عمال البلدية كسروا الأسفلت من جديد بعدما كانوا قد رصفوه وانتهوا من ذلك، أو لو كان هذا الشخص معك في المدرسة يمكن أن تبدأ الحديث معه عن امتحان الكيمياء الصعب.

ولكن ماذا لو أنه لا يوجد أي شيء مشترك بينكما؟

 في هذه الحالة وسّع نظرتك للبيئة المشترك، فمثلًا إن كنت تركب مع شخص في الحافلة ولا يوجد شيء مشترك بينكما يمكنك أن تبدأ الكلام معه عن مباراة كرة القدم التي حدثت في اليوم السابق، أو أي خبر مهم حدث في الآونة الأخيرة يعتبر بداية مناسبة. 

الوقت المناسب

النقطة الثانية هي التوقيت أو الوقت المناسب أنا عندما تحدثت للشخص في المطعم، انتظرت إلى أن انتهينا من الطعام، لم أقاطعه في أثناء غدائه.

لكي تستطيع القيام بمحادثة فعَّالة اختر التوقيت المناسب عندما يكون الطرف الآخر غير منشغل، حتى لا تظهر بمظهر الإنسان الفضولي أو المزعج، لا يصح أن تحدث جارك – الذي أشرنا إليه في مثال عمال البلدية – في أثناء عودته من المتجر وفي يديه خمسة أكياس كبيرة.. بالطبع هذا ليس وقتًا مناسبًا للحديث أبدًا!

تاريخ مشترك

لنعد للرجل في مطعم الكشري، ستلفت انتباهي سلسلة مفاتيحه التي هي عبارة عن مجسم لرأس جريندايزر، سأسأله عن المكان الذي اشتراها منه، وبعد ذلك سأقول له بأنني كنت مهووسًا بهذا الكرتون عندما كنت صغيرًا، وسنتحدث عن هذا الموضوع لخمس دقائق بكل حماس! 

هناك علاقة طردية بين حجم معرفتك بالناس وثقتك بهم من جهة وبين اللحظات والتجارب المشتركة بينكم، أي تاريخكم المشترك من جهة ثانية.

هنا، استطعت- أنا- أن أجدَ مؤشرًا عن التاريخ المشترك كي يساعدني في الحوار، سأتحدث عنه، وذلك سيترك انطباعًا بأن كلا منا مرّ بتجارب الطفولة المشابهة نفسها ولدينا الذكريات نفسها وطالما لدينا تاريخ مشترك، فهذا يعني أنني تحولت في نظره من شخص غريب تمامًا إلى شخص غريب بدرجة أقل.

صدى الصوت

حسنًا! بعد حديثنا القصير عرفت بأن هذا الشخص اسمه "عامر" وعمره ٢٥ سنة، هناك شيء آخر لاحظته في أثناء حديثنا ألا وهو أنه يكرر كلمة "بين قوسين"، وأنه يقول كلمات إنجليزية بدون أن يترجمها، فعندما يأتي دوري في الكلام سأستخدم الأسلوب نفسه، سأستخدم الجمل الكلمات نفسها التي يستعملها هو بكثرة، والنتيجة أنه الآن يستمع إليَّ باهتمام أكبر.

كل شخص له طريقته الخاصة، كتفضيله لكلمات معيّنة عن كلمات أخرى يمكننا تسمية ذلك أسلوب الكلام، أنت عندما تتحدث إلى أي شخص وتريد أن تتواصل معه بصورة أقوى عليك أن تكون صدى لصوته، بأن تحاكي أسلوبه في الكلام، تستخدم الكلمات التي يحبها هو وباستخدامك لها سيصله انطباع بأن اختياراتكما واحدة واهتماماتكما مشتركة.

فكرة مجردة

بعد أن انتهينا من كل ذكريات الطفولة والكرتون، وصلنا لنقطة ثانية، آخر جملة قال فيها كلمة ساعة ثم اسم علامة تجارية لا أتذكر ماذا كانت، وهنا توقف الحوار! هو ظل صامتًا وأنا لا أعرف الكثير عن الساعات وليس لديَّ أيّ تعقيب عن حديثه، وفي الوقت نفسه لا أريد أن ينتهي الحديث هنا، ما الحل إذًا؟

سأقول له مبدأ العلامات التجارية هذا غريب جدًّا، الأسعار لا تتناسب مع حجم العمل في المنتج سيرد عليَّ شارحًا وجهة نظره في الموضوع، ويعقب على كلامي والأمور ستسير على ما يرام من جديد!

أي محادثة بشكل طبيعي ستتجه إلى ناحية التحديد، تبدأ بموضوع عام ثم تدخل بالتفاصيل شيئًا فشيئًا إلى أن تصل مع محدثك لنقطة صمت بحيث لا يوجد المزيد لتقولاه، كل ما عليك فعله هو أن تنطلق من الحوار الأخير الذي كنتما تتحدثان عنه ووصلتما لفكرة محددة جدًّا، وتسحب الحوار لفكرة مجردة كبيرة لها علاقة بذلك الموضوع.

عندما وصلنا إلى نوع محدد من الساعات ولم يعد هناك ما نقوله، قمت أنا بسحب النقاش إلى النقاش حول العلامات التجارية بشكل عام، وتقييمها وهل هذه العلامات التجارية تستحق فعلًا المبالغ التي تدفع لأجلها أم لا؟!

مثال آخر

 موضوع آخر انتهى بجملة ليس من السهل أن تعلّق عليها، انتهت بالتفاح الأمريكي مثلًا! 

ماذا سترد غير أنّ مذاقه لذيذ! ربما هذه فرصة مناسبة لك لتنقل الحوار لأي مبدأ أو فكرة مجردة متعلقة بالتفاح الأمريكي. يمكنك أن تتحدث عن البضائع المستوردة والبضائع المحلية الاستيراد ودعم المنتج المحلي أو حتى القيمة الغذائية للفواكه والطعام الصحي وهكذا.

يمكنك فتح حوارات غير منتهية بالأفكار المجردة، وبذلك يمكنك التحكم أكثر في الحوار والطريقة التي يجري بها.

الباب المغلق

رائع! لقد تمكنت بالطريقة السابقة من الهروب من النهاية المسدودة، لكن عليك ألا تتوقع بأن يكون لدى الطرف الآخر نفس مقدرتك ومرونتك في الحوار لذلك تجنب إيصال الحديث لباب مقفل، أي تجنب مثلًا أن تسأله أسئلة مقفلة تكون إجابتها بنعم أو لا، ولكن بالطبع تستطيع استخدام تلك الأسئلة كمقدمة لسؤال جديد.

بفرض أن الشخص المقابل لك هو من طرح عليك سؤالًا "مقفل"، له إجابة محددة كلمة واحدة ولا يوجد فرصة للتعليق عليه، الأمر سهل، أجب عن سؤاله وأضف إليه فكرة مجردة لها علاقة بالإجابة، الفكرة تلك ستفتح الحوار من جيد، وبمنطق النقطة السابقة نفسه، شخص يسألني مثلًا: هل أعجبك الفيلم الفلاني؟ هذا سؤال عليَّ أن أجيب عنه بنعم أو لا، ولكنني سأجيب هكذا: 

لا لم يعجبني، وسأضيف:

منذ زمن بعيد لم نشاهد أفلاما تستحق، الأفلام في الماضي كانت أجمل بكثير من أفلام هذه الأيام!

هنا بدلًا من أن أجيب بإجابة مقفلة فيها فرصة صغيرة جدًّا للشخص الآخر كي يعلق عليها، لصقت بها فكرة مجردة، بحيث يستطيع التعقيب بأن يقول رأيه في الأفلام القديمة والتي ستفتح حديثًا جديدًا عن التراث وتوصلنا لفكرة المقارنة بين الماضي والحاضر بصورة عامة حتى خارج إطار الأفلام، وتشد معها سلسلة كبيرة من الأفكار المفتوحة غير المنتهية.

الببغاء

النقطة الأخيرة! في أثناء حديثنا سرحت بالتفكير في أمر آخر، وفقدت التركيز مع محدثي الذي قال جملة "مسألة حياة أو موت" ثم سكت. 

هنا ليس لدي أي رد لأنني بالأساس لا أعرف ما الذي كان يتحدث عنه، ولكنني لا أريد للحوار أن ينتهي، لذا لم يعد لدي سوى أن استخدم أسلوب الببغاء، سآخذ آخر جملة أنهى بها الشخص كلامه وأكررها.

سأقول: مسألة حياة أو موت؟!

سيرد بنعم ويبدأ بسرد المزيد من التفاصيل حول الموضوع السابق.

أسلوب الببغاء هو أن تأخذ آخر كلمتين قالهما محدثك وتكررهما بصيغة سؤال استنكاري، سيصل إليه الحديث بمعنى أنك مستغرب، وتسأل كي تفهم أكثر عندها سيشرح الفكرة أكثر ويكمل كلامه.

الخاتمة

  • البيئة المشتركة.
  • الوقت المناسب.
  • الحائط المسدود.

البيئة المشتركة: إن كنت أنت والشخص الآخر لا تعرفان بعضكما بشكل نهائي، حاول أن تجد أي رابط مشترك بينكما واختر الوقت المناسب.

الحائط المسدود: عندما تجد بأن الأفكار انتهت والحوار سيموت اخرج لخارج التفاصيل المحددة لفكرة كبيرة مجردة لها علاقة بالفكرة، وعند طرحك للسؤال تجنب الأسئلة التي يمكن الإجابة عنها بكلمة واحدة.

عندما لا يكون لديك أي رد أو تفقد التركيز مع محدثك بدلًا من أن تقول له نعم نعم وأنت لا تعرف ماذا يقول، كرر آخر كلمتين سمعتهما بطريقة سؤال، ويمكن أن ترفع حاجبيك للأعلى لتظهر استغرابك!