كتاب مقدمة ابن خلدون

Book-Cover

كتاب مقدمة ابن خلدون

كان هناك رجل اسمه "عزيز"، "عزيز" كان يعيش في الغابة مع أبيه وأمه. أكبر مشكلة كانت تواجه هذه العائلة بعد عدم توفر الطعام هي الخوف من الأخطار البدائية؛ ولحل هذه المشكلة، ستبحث العائلة عن عائلة ثانية وثالثة ورابعة ويبدؤون بالتجمع مع بعضهم بعضًا. يجمعهم الخوف من شيء واحد، يهددهم ويتعاونون معًا للقضاء عليه. مع هذا التجمّع ستظهر مزايا جديدة ويفتح باب التبادل وتشارك المنتجات مع بعضهم بعضًا. 

هرم الاحتياجات

مع مرور الوقت وبعد أن اطمأن الناس وشعروا بالأمان سيبدأ هذا التجمع البشري الذي تكوّن في التدرج في هرم الاحتياجات، وبعد أن كان أكثر ما يشغل الناس هو ألا يموتوا من الجوع أو من هجوم الحيوانات المفترسة، بدأت تظهر الرفاهيات وبدأ الناس بالتفكير في تحسين جودة حياتهم.

وهنا ستظهر مشكلة جديدة، "عزيز" بعدما كبر وتزوج، وفي أحد الأيام عاد لمنزله ليتفاجأ بأن الخروف الذي يربيه قد سُرِق ويكتشف بعد ذلك بأنه لم يكن الوحيد بل جميع البيوت المجاورة تعرضت للسرقة أيضًا! كما يتضح جليًّا أن هناك لصًا! سيبدأ المجتمع يتنبّه إلى أن ليس كل مشكلاته سببها الحيوانات المفترسة فقط؛ بل إن هناك مشكلة كبيرة تواجهه وهي الشر الداخلي الموجود في المجتمع نفسه، ولحل هذه المشكلة ستتكون فكرة السلطة كي تحمي الإنسان هذه المرة من نفسه.

نشأة السلطة

ستنشأ سلطة تكون في يدها القوة وعندها القدرة أن تؤذي وتعاقب أي شخص يخرج على الأحكام التي تحددها، وهذه الأحكام ستكون نواة للقانون.

يمضي الوقت ومع الزمن يضعف الشعور الجماعي بين الناس وينسون الأهداف التي جمعتهم، كل شخص منهم أصبح مهتمًا بنفسه فقط. في الوقت نفسه كان هناك دولة على حدود دولتهم، طامعة في الاستيلاء على أرضهم، هاجمتهم وهزمتهم.

العصبية

المجتمع يشبه المركبات الكيميائية، حيث يمكننا قياس قوتها تبعًا لقوة الروابط بين جزيئاتها، هذه الروابط تخلق التماسك الاجتماعي الذي أطلق عليه "ابن خلدون" العصبية.

هذا الشعور الجماعي يمكن أن يكون روابط الدم، روابط الدين، روابط العرق الواحد، أو روابط المفاهيم الوطنية كالتي توجد في الدول الحديثة. كل ما كانت الروابط أكثر قوة كل ما كان كسرها أصعب، لكن لو كانت هذه الروابط ضعيفة كما في مثال المجتمع الذي بدأنا به الحكاية، وواجهها عدو استطاع كسرها؛ فثقافة المجتمع ستتشكل من جديد بلون ثقافة الدولة المنتصرة.

المغلوب يتبع الغالب

المغلوب مهموس بالتشبه بالغالب فى كل أحواله بالرغم من كرهه له في عقله الواعي، لكنه يتشبه به مرغمًا.

المغلوب يحب ألا يقلل من شأنه لذلك لن يترجم خسارته على أنها ضعف منه بل لأن المنتصر شخص كامل تمام الكمال. المغلوب سيقلد الغالب، سيقلده في كل شيء بداية من الدين لو كان المنتصر يعبد النار فسيعبد النار مثله وصولًا لتقليده في طريقة لبسه وقصّة شعره، كالابن الذي يحاول التشبّه بأبيه.

المرحلة الأولى

وتمر سنوات والمجتمعان المنتصر والمهزوم أصبحا مجتمعًا واحدًا كبيرًا يشتركان في كل شيء، وسيدخلان معًا في مرحلة ضعف من جديد، الدولة الكبيرة التي كانت قوية أصبح يحكمها عشرون حاكمًا، وجميعهم يتنافسون فيما بينهم على السلطة. سيجمعون على اختيار شخص ضعيف من بينهم اسمه "عادل" ويولونه العرش كي يحكموا باسمه، إلّا أن عادل سيتمكن في النهاية من أن يكوّن لنفسه جماعة قوية ونفوذًا وأتباعًا، بعد ذلك سيسيطر على السلطة بصورة كاملة.

سيبدأ أولًا بفرض النظام على الناس بالقوة العسكرية والقهر، وبعد ذلك لن يحتاج لإكراه، دولة القانون والنظام الأمني سيكمل لوحده باستخدام القلم.

السيف والقلم

"عادل" بعد أن سيطر على الدولة سيبدأ بالاهتمام بالتعليم الذي كان مترديًا جدًّا، سيشكل لجنة كي يدرسوا المشكلة، اللجنة ستخرج بمليون حل ومليون فلسفة وتقريبًا جميعها يقوم على اتهام الجيل الجديد بأن أخلاقه سيئة وأنه لا يصلح للتعليم وأن المشكلة في الطلبة أنفسهم، ولكن "عادل" كان يعمل بصناعة السجاد من قبل توليه الحكم وسيتمسك بقناعة كان قد اكتسبها من عمله.

التعليم

كان رأي "عادل" في عملية التعليم بأنها مشابهة تمامًا لعملية صناعة السجاد بحيث تتكون من ثلاثة عوامل:

  • الصانع أو العامل أو المدّرس.
  • الآلة أو أداة الصناعة أو طريقة التعليم.
  • وأخيرًا الناتج النهائي الذي هو السجادة أو الطلبة.

فلو كانت السجادة رديئة سيكون السبب إما طريقة العمل- الأدوات المستعملة- غير صالحة، أو أن العامل غير مدرب بما يكفي ولا يعرف الطريقة الصحيحة لاستعمال الآلة،

كذلك التعليم، النجاح والفشل هما نتيجة للقائمين على التعليم وطريقتهم في التدريس. "عادل" سيحل مشكلة التعليم بأن يوفر أحدث أساليب التعليم، ويبدأ بتدريب المدرسين على تلك الأساليب. ستمضي السنين و"عادل" الحاكم سيموت ويستلم الحكم من بعده ابنه "عماد"، الذي يمثل الجيل الثاني وستدخل السلطة في المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية

"عادل" الأب عاش معظم حياته- قبل أن يصبح الملك- حياة عادية صعبة قاسية، مثل بقية الناس، عكس ابنه الأول الذي قضى جزءًا من حياته في قصور الحكم وكانت حياته مرفهة أكثر؛ فكان أقل من أبيه قدرة على التعامل مع الأمور، وذلك سيؤثر في الدولة بأكملها. خلال حكم "عماد" سيظهر "صالح". "صالح" كان يطمح لإصلاح تصرفات الناس والوضع السيئ، كان يرى بأنه قادر على خلق عالم مثالي وسيبدأ بنصحهم بالكلام مجرد الكلام.

تجربة صالح مع الناس ستمر بأربع مراحل.

في البداية الناس سيتجاهلونه هو وكلامه، ولكن بعد مدة سيلاحظ الناس بأن صوته عالٍ، فسيبدؤون بالاستهزاء به، ولأن ذلك لم يجد نفعًا فسيقاطعونه هو وكل من يقف بصفّه ويستمع لكلامه، وإن لم تنجح هذه الطريقة نكون قد وصلنا لآخر مرحلة، هنا الناس سيحاربون "صالح" ويقتلونه في النهاية.

الدعوات الإصلاحية وحتى الدينية لا تتم ولا تكتمل إلّا بالقوة وبالعصبية. لا يوجد نبي بُعِث لقومه إلا وقومه منعوه من نشر دعوته وحاربوه، بدون عصبية (عُصبة) تحميه- للأسف- قومه سيقتلونه.

لا تخرج على الحاكم الظالم

موقف "ابن خلدون" في الخروج عن الحكام براجماتي نوعًا ما؛ فهو يرى بأن الدعوة أي دعوة من غير عصبية قوية لن تتم.

الأفضل والأسلم لك وللناس ألا تخرج عن الحاكم إلّا لو أمّنت عصبية قوية تقف خلفك وتساعدك، أما إن لم تتوفر لك العصبية فخروجك سيسبب الفوضى وتقسيم المجتمع، ستؤذي نفسك وتؤذي الناس بدون أيّ نتيجة. اتبع آراء المجتمع وامشِ مع التيار!

المرحلة الثالثة

وبعد بضع سنين يموت "عماد" ويحكم من بعده ابنه "نبيل". "نبيل" يمثل الجيل الثالث المرفّه والذي تربّى طوال حياته في القصور. "نبيل" لن يحدث أي تغيير في الدولة بل سيعتمد في كل شيء على المؤسسات والبيروقراطية- الإرث- الذي تركه له والده وكان قد حققه، وفي هذه المرحلة ستبدأ الدولة بالتآكل والانهيار.

الملكية الفردية

بالإضافة لذلك لم يكن "نبيل" مقتنعًا بقدسية الملكية الفردية الخاصة، كأبيه وجده- اللذين كانا يسرقان تحت اسم القانون- لكن "نبيل" حاكم عابث يتبع هواه فنجده يستولي على نصف محصول الفلاحين بدون أي قانون أو ووجه حق، قيامه بذلك على المدى القصير سيكسبه المال بدون عناء إصدار القوانين وتعديلها، ولكنه على المدى البعيد سيخلق شعبًا كسولًا.

الملكية الخاصة هي الدافع والحافز الأكبر للعمل، التعدي عليها سيخلق فردًا ليس لديه أي دافع لأن يتحرك أساسًا.

فأنا كفرد لماذا أتعب نفسي وأبني مشروعًا وأنميّه في الوقت الذي تستطيع الدولة الاستيلاء عليه في أي وقت بدون وجه حق وبدون قانون يشرّع ذلك. ونتيجة لهذا سيتظاهر الناس بالعمل والإنجاز، ولكن في حقيقة الأمر هم كسالى، يؤمنون بأن لا شيء يستحق العناء، ويترسخ ذلك في وعي الشعب، تحولوا إلى شعب كسول لا يريد أن يعمل.

الظلم مؤذن بخراب العمران 

جزء من الناس سيتمكنون من الهرب من الكسل، عندما يأتي جنود الحاكم ليأخذوا منهم المحصول، سيتملقون ويرحبون بهم أحسن ترحيب، ويعبرون عن مدى ولائهم للحاكم ومدى سعادتهم بإعطائه من المحصول- وهم في الحقيقة يخفون ثلاثة أرباعه- يظهرون عكس ما بداخلهم ويتعلمون الكذب والخداع والمكر، تلك ستكون طريقتهم الوحيدة كي يستطيعوا النجاة من الظلم، وسلوكهم اليومي ذلك سيشكل طبيعتهم وينتقل من الكذب والمكر على جنود الحاكم إلى الكذب على أي أحد، وتصبح تلك هي طريقتهم في التعامل مع المواقف، وتسوء أخلاق المجتمع.

مثال على ذلك:

مجموعة عرقية دينية معروف عنها الخبث والمكر كطبع لأفرادها، لكن إن تتبّعنا تاريخهم سنجد بأنهم دائمًا عاشوا كأقلّية وكانوا دائمًا يُعاقَبون على أي كارثة تحدث في أي مكان يتواجدون فيه، فمثلًا عندما كان يصل الطاعون وينتشر في الدولة الموجودون فيها كانوا يُتّهمون مباشرة بأنهم السبب في ذلك. نتيجة لهذا ولكي يتمكّنوا من العيش سيستخدمون الكذب والمكر في البداية كوقاية وحماية لهم وبعد تكرار الموضوع ستترسخ الصفات السيئة تلك في ذواتهم وتصبح طبعًا فيهم.

السببية

لنَعُد للمجتمع الأول الذي كنا نتكلم عنه، سيمرّ الوقت وعندما تترسخ تلك الصفات تمامًا فيه، سيأتي قوم لينظروا للمجتمع نظرة عامة ومن ثم يبدؤون بإصدار الأحكام واتهام باقي المجتمع بالتخلف نظرا لكسلهم وكذبهم وبأنهم عديمو الأخلاق وذلك خطأ.

الظروف التي عاشوها هي السبب في سلوكهم وليس العكس! فالحكم على سكان دولة بصفة معيّنة مربوط بالمؤثرات المحيطة بهم، لو تغيّرت تلك المؤثرات سيتغير سلوك المجتمع. وأكثر من ذلك، لو أنك تابعت سلوك شخص جاء من مجتمع مثالي وانتقل ليعيش في مجتمع جديد مليء بالعيوب، بعد تعرضه للمؤثرات السلبية التي يتعرض لها الناس هناك، ستجده أصبح مشابهًا لهم وتحول لواحد منهم. 

المرحلة الرابعة

ويمضي الوقت وبعد عدّة سنوات "نبيل" الحاكم الثالث يموت ويأتي من بعده ابنه "خالد" الذي يمثل الجيل الرابع وهنا وصلت الدولة لمرحلة الشيخوخة تمامًا وتكون بانتظار أي حدث كبير نسبيًّا أو نكسة لتهتز أركانها ويُقضى عليها تمامًا. الدول أو المؤسسات بصورة عامة كالبشر، كائنات حيّة لها عمر زمني محدد تولد وتمر بالطفولة، الشباب، وأخيرًا الشيخوخة والموت.

الخاتمة

عندما نجد مجتمعًا كسولًا، مجتمعًا متعصبًا أو مجتمعًا يتّصف بأي صفة سلبية، علينا أن نراقب، هل كان أفراد هذا المجتمع طوال الوقت هكذا؟ والأهم هل سيبقون كذلك دائمًا؟ المجتمعات لا تملك طباعًا ثابتة واختلافهم يكون بسبب اختلاف أحوال معاشهم لو أن المؤثرات التي يتعرّضون لها تغيّرت، ستتغيّر الخصائص التي يتسم بها الناس!