كتاب علم نفس البيع

Book-Cover

كتاب علم نفس البيع (المؤلف: براين تريسي)

في أحد الأيام بينما كنت أجلس مقابل حاسوبي تلقيت دعوة لمقابلة شخص مشهور، يتكلم عنه الجميع ويضّرب به المثل في النجاح في مجال البيع. وعندما ذهبت لمقابلته وأخبرني بأنه مستعدّ بأن يطلعني على السرّ بشرط أن أعِده بأن أشاركه معكم! فوافقت طبعًا!

لقد وضع بيني وبينه رغيف خبز وقال لي: هذه عملية البيع. ثم قسّمه إلى نصفين وقال: هذا النصف هو أنت والنصف الآخر هو العميل. أيّة عملية بيع تتكون من نصفين، البائع والمشتري. ولكي تصبح بائعًا محترفًا يجب أن تفهم نفسيّة كل جزء منهما بشكل جيد.

البائع

 فلنبدأ بالبائع، قال لي: الناس بطبعهم يحبون أن يشتروا، يحبون أن يجرّبوا أشياء جديدة وأن يستكشفوا منتجات جديدة. لو أمعنت النظر لوجدت نفسك تشعر بسعادة غامرة عند فتحك غطاء منتج اشتريته توا، ستشعر بالسعادة و الحماسة لأن فتح الغطاء هذا يشبه فتح باب على تجربة ومغامرة جديدة. الناس يحبون هذا الشعور جدًّا، ولكن مع حبهم الكبير للشراء هم يكرهون أن يخدعوا. بسبب تعرضهم لعمليات غش كثيرة، توقع أنهم سيكونون متحفظين ومتشككين تجاهك لو حاولت بيعهم شيئًا ما.

ستظل داخل دائرة الشك والناس ينظرون إليك بريبة طالما أن هدفك هو بيع المنتج، ولو أردت أن تتخلص من هذه المشكلة غيّر الطريقة التي تنظر فيها إلى عملك، فبدلًا من أن تعتبر نفسك تبيع منتجًا يجب أن تنظر إليه بأنك مستشار للناس. مستشار لهم تساعدهم لاكتشاف منتجات، تنصحهم بأكثر الأشياء المناسبة لهم.

لكي تكون مستشارًا معناه أن تتحلى بصفتين أساسيّتين: الفهم والأمانة.

المستشار يتحلّى بالفَهم

المستشار يجب أن يكون فاهمًا لكل صغيرة وكبيرة عن منتجه وعن المنتجات الأخرى في السوق بصورة عامة. لو كنت على سبيل المثال تبيع نوعًا من الهواتف النقالة، فيجب عليك الإلمام بالنوع الذي تبيعه والأنواع الأخرى الموجودة في السوق، تعرف أنواعها وأحجامها ومميزاتها وأسعارها ومدى ملائمتها للزبون.

المستشار صادق – جدير بالثقة

المستشار أيضًا يجب أن يكون جديرًا بالثقة، ينصح الناس بمنتهى الأمانة. فلو كان منتجه غير مناسب للعميل نجده يوجِّه الزبون ويساعده كي يجد ما يحتاجه فعلًا حتى لو أنه لن يستفيد شيئًا من ذلك. لو فعلت ذلك من المحتمل أنك ستخسر صفقة اليوم لكن ستكسب مقابل ذلك صفقات كثيرة في المستقبل من الشخص نفسه، ومن كل الذين يعرفهم بعد أن يقترحك عليهم، ستكون قد كسبت ثقته مدى الحياة، لأنه من النادر أن يجد المرء شخصًا أمينًا يشتري منه. 

ازرع تحصد

لنر مثالًا عمليًّا عن هذا الكلام، بفرض أنك تعمل في مجال العطارة، وترغب أن يكون لك وجود إلكتروني لتستخدمه في توسيع عملك. الطبيعي أنك ستنشئ صفحة وتعرض عليها منتجاتك وعروضك وما إلى ذلك، ولكن بهذه الطريقة سوف يراك الناس كبائع وهناك الآلاف غيرك وبذلك فلن يهتموا كثيرًا لأمرك وستواجه صعوبة كبيرة في لفت انتباههم.

أما لو طبقت مبدأ المستشار وجعلتها صفحة غايتها الأساسية ليست البيع بل تقديم النصائح والاستشارات للناس في مجال خبرتك، عندها سوف ينجذب إليك الناس ويشاركون محتواك مع أصحابهم وسيثقون بك ويردّون الجميل لك بأن يشتروا منتجاتك حتى من غير أن تطلب ذلك.

بالمناسبة أنا هنا لا أطلب منك أن تمثّل دور المستشار بل أن تكون مستشارًا حقيقيًّا هدفك الأول ونيتك الأساسية هي خدمة الناس بالمعرفة، بأن تقدم المشورة لهم في مجال تخصّصك. ولو فعلت ذلك عندها سوف يثق بك الناس ويطمئنون لك ويشترون منك، حتى لو كان لديك منافسون يبيعون بسعر أرخص، الناس تذهب لمن تثق به.

المشتري

الكون يدور حولنا

جميع الناس يرون أن العالم يدور حولهم، يدور حول الأشياء التي تهمهم، لا أحد يهتم أن يعرف أي شيء عن العالم إلا إذا كان يهمه بشكل شخصي، العميل المحتمل ربما يستمع لكلامك عن أن قوة محرك السيارة هذه تساوي كذا، لكنه سيظل غير مهتم إلا لو أخبرته عن معلومة متعلقة به بشكل شخصي.

عندما تتحدث للناس ستجدهم دائمًا منشغلين بحياتهم، ولكي تستحوذ على انتباههم تحتاج أن تثير فضولهم، ولكي تثير فضولهم يجب أن تخبرهم معلومة تتعلق بهم شخصيًّا. هذه العملية أشبه بتصميم بدلة. 

حيث يتألف من خطوتين:

الدافع

الخطوة الأولى هي أخذ المقاسات أو معرفة الدافع. هنا أنت تحاول أن تستشف دوافع واحتياجات الشخص المقابل لك. فمثلًا إن كنت تحاول بيعه لسيارة يجب عليك معرفة حالته الاجتماعية هل هو أعزب أم متزوج هل يريد تلك السيارة ليشعر بالتميّز أم أنه يحتاج إلى سيارة عملية. فلا يجوز أن تخيط البدلة بدون أخذ المقاسات، ولا يجوز أن تتحدث مع المشتري قبل أن تعرف دوافعه ومقاساته.

التموضع

بعد أن أخذت المقاسات هنا تبدأ مرحلة التفصيل أو التموضع أي أن توظف المعلومات التي عرفتها من الخطوة السابقة في مساعدتك بتفصيل المنتج الخاص بك على مقاس العميل.

منتجك فيه مميزات كذا وكذا، غالبًا ستكون متحمسًا جدًّا لقول كل شيء عن المنتج، لكن إياك أن تفعل ذلك! يجب أن تختار اتجاهًا واحدًا وتكمل به.

الاتجاه الذي يوضّح القيمة التي يبحث عنها العميل، فلو كان رجلًا كبيرًا مثلًا، ويبحث عن الأصالة اعرض له الأجزاء الخاصة التي تحوي أعمالًا يدوية، ولو كان شابًا صغيرًا يبحث عن التميز حدثه عن المشاهير الذين يركبون السيارة نفسها، ولو كان رب أسرة يمكن أن تركز معه على الصفات التي تتميز بها السيارة من اتساع ومقاعد مريحة ومخزن كبير.

الاعتراضات

صحيح نسيت أن أخبرك عن الأبواب الحديدية، في أثناء سيرك مع العميل من الممكن أن تعترضك أبواب حديدية اسمها الاعتراضات. هذه الأبواب مصفّحة وقد تجعلك تشعر بأن طريقك مسدود، لا تقتنع بذلك.

اطرح علامات استفهام وارمِها على تلك الأبواب ستجدها تنهار من تلقاء نفسها. حوّل الجملة الخبرية -الاعتراض- لسؤال ثم أجب عنه.

مثلًا:

في طريقك مع العميل وجدت باب: العميل يقول لن أستطيع دفع ثمن هذا التلفاز.

ماذا تفعل؟ هل تفترض أنك وصلت لنهاية مقفلة؟ لا ارمِ على هذا الاعتراض علامة استفهام وحوّله من جملة خبرية تقول: "أنا لا أستطيع دفع ثمنه "إلى" كيف يمكنني دفع ثمنه؟"، وأجب عن هذا التساؤل، عندها ستجد الباب فُتح من تلقاء نفسه، ويمكنك متابعة المشي مع العميل.

مثال آخر:

باب مكتوب عليه إن السعر الذي تطلبونه غالٍ والمنافس سعره أرخص!

ماذا سنفعل في هذه الحالة؟ سنقوم بالخطة السابقة نفسها نضع علامة استفهام ونحول اعتراض العميل إلى سؤال: لماذا السعر الذي تطلبونه غاليًا؟ وماذا سأستفيد من سعركم الأغلى؟ ونجيب عنه بأنه مثلًا منتجاتنا يدوية الصنع، والخامات التي نستخدمها ذات جودة أفضل، المنتج سيعيش عمرًا أطول وهكذا.

لا تستسلم أبدًا للاعتراضات مهما كانت تبدو وكأنها طريق مسدود. حوّل الاعتراض إلى استفهام وارمِه على ذلك الباب وسوف ينهار بالتأكيد.