كتاب إغواء العقل الباطن

Book-Cover

كتاب إغواء العقل الباطن (المؤلف: روبرت هيث)

لنتخيل أنني أبيع لك منشارًا ماذا سأقول لك لكي تشتريه؟! هل تعرف أن هذا المنشار هو الأفضل في السوق، إنه قوي، ومصنوع من مادة التيتانيوم، غير البقية المصنوعة من الحديد العادي. وزنه خفيف، مئة جرام، أخف من غيره بخمس مرات. سعره عشرة جنيهات لا أكثر، أقل من سعر المنافسين.

لاحظت ما فعلته كي أقنعك؟ قدمت لك المعلومات (الحقائق) التي تحتاج إلى معرفتها عن ذلك الشيء بالمقارنة مع غيره، وتركت بالنهاية السلطة بيدك لتجري تقييماتك بالموازنة ما بين نقاط القوة ونقاط الضعف فيه وفي غيره.

لماذا يحتاج الناس إلى إقناع غيرهم؟

الذي يحاول إقناعك بشيء يريد منك التصرف بطريقة معينة وتتخذ القرار يخدم مصالحه بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لو أنا سياسي؛ سأقنعك بانتخابي في سبيل المحاربة في قضية معينة. لو كنت إعلاميًّا؛ سأقنعك لتثق بي حتى أعمل على توجيهك باتجاه يخدم مصلحتي. لو كنت أعمل في شركة تجارية؛ سأحاول إقناعك لكي تشتري منتجاتي.

العقل الباطن

توجد مشكلتان في طريقة الإقناع الموجهة للعقل الواعي:

المشكلة الأولى

ربما لا تكون الحقائق في صفي من الأساس، فلا يمكنني بيعك الحقيقة إلا لو كانت ستجلب تأييدك لي، وإلا فسيكون من المنطقي أن تتجه لمنتج أحسن مني.

المشكلة الثانية

لو خاطبتك بالمنطق ببساطة أنت لن تسمعني. من كثرة ما تعرضت له من الإعلانات، هي فقدت تأثيرها عليك، لم تعد تجذب تركيزك، بالعكس الفواصل الإعلانية أصبحت تعتبر فترة راحة ولا أحد يعطيها من تركيزه.

لهذا لم تعد تلك الطريقة مناسبة للإقناع، استخدامها لن ُيحدث حجم التأثير الذي أرغب به. هنا نلجأ للطريقة الثانية؛ بدائية نعم ولكنها ناجحة. وهي تقوم على مبدأ مخاطبة اللاوعي.

التواصل

مكون من جزءين، مثلًا في السابق لو أني كنت في مصر وأنت في المغرب وعندي معلومة أريد توصيلها إليك؛ فسأحتاج إلى: رسول ورسالة. وكذلك العقل الباطن، يحتاج إلى: رسول ورسالة.

الرسول

نحن بحاجة لمن ينقل لنا الرسالة، ولكن ناقل الرسالة له شروط معينة، كأن يكون ناجحًا مشهورًا أو شخصًا جذابًا، فتاة جميلة، أو طفلًا بريئًا لا يوحي بالخداع والمصالح المستترة، يكون شخصًا يمكن أن يكسب ثقتنا بسهولة ولا يبدو عليه أنه يحاول استغلالنا.

بمراعاة استيفاء تلك النقاط، نزيد من فرصة تقبل الناس وانفتاحهم على تلقي الرسالة من الرسول، ويتبقى المرحلة التالية وهي الإقناع.

الرسالة

للرسالة شرطان:

▪ أولًا: أن تكون عاطفية.

▪ ثانيًا: أن تكون عامة.

أن تكون عاطفية

ردود الفعل العاطفية هي ردود فعل بيولوجية لا يمكن التحكم بها، كل ما يمكننا التحكم فيه بشأنها هو مدى استجابتنا للمؤثر. مثال: لو قمت بتعريضك لمؤثر حزين، صورة مأساوية مثلًا؛ فستشعر بالحزن، هذا خارج عن إرادتك، أما كل ما ستتحكم فيه هو نقطة هل أنك ستسمح لهذا الحزن بالظهور أم لا، ولو أنك ستظهره، فكيف ستعبر عنه بالفعل.. بكل الأحوال أنت تأثرت سواء أظهرت ذلك أم لم تظهره.

العاطفة نقطة ضعف قوية؛ عندما يكون الإنسان عاطفيًّا يسهل التحكم فيه وتوجيه قراراته، ولذا يتسلل التلاعب من باب العاطفة بسهولة. الإعلانات قائمة على ربط العواطف بالمنتجات.

مثال

إعلان لشركة اتصالات، فيه مجموعة من المشاهير تظهر الفرح وترقص في أجواء ألفة على خلفية موسيقى وإنارة خلابة. ما الذي يفعلونه هنا؟ إنها عملية ربط عاطفي بين العلامة التجارية وبين شعور السعادة، يحدث الربط على مستوى اللاوعي دون انتباه منك أصلًا.

النظام الحوفي

في عقلنا نظام بدائي يسمى النظام الحوفي، وهو منتبه طوال الوقت يلتقط الإشارات بغض النظر عن مستوى تركيزك أو انتباهك، إنه يستقبل المؤثرات ويضع لها المعاني ويخزنها، ولأنه بدائي فهو يخزنها بطريقة بدائية. لديه من التصنيفات اثنان: جيد وسيئ، إيجابي وسلبي. في مثل ذلك الإعلان هي تجربة إيجابية والناس فرحانة وبسيطة، ذهب ذلك المنتج إلى خانة الإيجابي.

المقارنة

عندما تشتري تعمل تلك التصنيفات بطريقة معكوسة، إنك في المتجر وتحتاج لاتخاذ قرارات سريعة ولا وقت لديك للتحليل والمقارنة، بل ستختار في لحظة أي المنتجات ستأخذ. ولكن على أي أساس ستختار؟ عندك منتج مخزن في الجانب الجيد، إعلاناته كثيرة، أما الآخر فهو غير معروف لديك وليس عليه تصنيف في عقلك، أو أنه معروف لك وموجود في خانة الإيجابي ولكن ليس كثيرًا.

هنا أنت تقرر وأنت غير واعٍ، وعلى الأغلب أنت مدرك أن هذا القرار متأثر بعامل خارجي، يمكنك التبرير بأسباب منطقية مثل أن هذه الشركة تصنع المنتجات الأفضل، وليس أنك وقعت ضحية إغواء ممنهج.

أن تكون عامة

أن تكون الرسالة عامة، ولا يهم محتواها الفعلي وإنما كيف تبدو من الخارج. مثال: لو قلنا لك عن منتج إن فيه 10% دهون فهذه رسالة ولكنها غير جذابة، أما لو قلنا إن فيه 90% بروتين، الرسالة نفسها ولكنها مغلفة بورق هدايا تجعل شكلها جذابًا أكثر.

مثال

شركة دواء تدعوك لتشتري أحد العقاقير كالأسبرين لأنه ليس هناك دواء أسرع فعالية منه في كل السوق، وهذا صحيح، ولكن ليس هناك ما هو أبطأ فعالية منه أيضًا، غالبًا كلها مثل كلها، ربما ليست متطابقة 100% فنتجنب الخوض في التفاصيل كي لا نخسر.

مثال

أنا سياسيٌّ وأريد استقطاب أصوات الناس لتنتخبني أو لأحصل على الإجماع، فلو خاطبت فئة دون أخرى فسوف أخاطر بخسارة فرق معينة مقابل كسب تأييد غيرها، فالأسلم لي هنا أتحدث بكلام عام كالتنمية المستدامة والسلام العالمي وما شابه. سيبدو مغريًا وجذابًا؛ كلام كبير ولكن على أرض الواقع لا معنى له، ولا واضح كيف سيتم تطبيقه، بهذا ستضع كل فرقة تفسيراتها عليه وتخلق له المعنى الذي يخدم تطلعاتها، وأحصل أنا على أصواتهم.

تكوين الفريق – اخلق هوية

بعدما أوصلت الرسالة، حان وقت تشكيل الفريق؛ أن تخلق هوية لمستخدمي المنتج. مثل إعلان مشروب يرمز إلى الرجولة، إنه ليس مجرد دعوة للشراء ولكنه دعوة للانتماء.

وعليك أن توحي لهم بالحصرية، هذا المكان ليس لأي أحد، إنه للناجحين فقط، كما ذكرنا أعلاه شروط حامل الرسالة. الناس تحب الإحساس بالانتماء، وهناك من يشجعهم لشراء المنتج الذي يمثل لهم عضويتهم في الفئة التي يرغبون بالانتماء إليها.