كتاب الوسواس القهري

Book-Cover

كتاب الوسواس القهري (المؤلف: لي باير)

تخيل أن هناك شخصًا محبوسًا بداخل رأسه، تسيطر عليه أفكاره وترغمه على أن يتصرف بطريقة معينة، وهو فاقد الحيلة ولا يمتلك إلا أن يجاريها، وينفذ كلامها ليرتاح منها.

طقوس الاستحواذ

عملية الاستحواذ عليه تتم على ثلاث مراحل:

أول مرحلة

تبدأ بفكرة في عقله؛ فكرة غير مرضية، مثل إصابة الأشخاص الذين يهتم لأمرهم بمرض.

المرحلة التالية هي التفسير

تفسير قاسٍ للفكرة التي طرأت على ذهنه للتو، مثل أنه هو الذي سينقل لهم هذا المرض الخطير؛ لأنه مهمل في غسل يده.

تلك الفكرة وتفسيرها ستخلق قلقًا وتوترًا

وبسبب أن القلق غير مريح، فإنه سيتصرف بطريقة تجعله متأكدًا من أن الفكرة التي تقلقه لن تتحقق، سيظهر ذلك على شكل سلوك مثل أن يغسل يده 400 مرة كلما لامست أي شيء. هذا يخفف توتره بالفعل، ولكن لفترة قصيرة، أما الأفكار السيئة وتفسيراتها فلن تنتهي وستتكرر ثانية وثالثة، وتصبح جزءًا أساسيًّا ويوميًّا من عالمه.

تعريف الوسواس القهري

الوسواس القهري مرض سلوكي، والمصاب به يعاني وساوسَ تدفعه للقيام بأفعال محددة، لا يمكنه الامتناع عنها، يلجأ لها لتخفيف قلقه.

أمثلة

تلك السلوكيات لها أشكال عديدة. هناك من يخاف من التلوث وانتشار الأوساخ، وهذا يُتَرجم لسلوكيات نظافة قهرية كتكرار غسل اليد.

هناك من يشعر بإلحاح لمراجعة الشيء مرة تلو الأخرى، كأن يتأكد من أن الباب حقًّا مغلق للمرة الثلاثين، إذ إن الباب المفتوح مرتبط عنده بخطر محتمل قد يقع لو نسي إغلاقه.

يوجد هوس متعلق بالترتيب والنظام؛ الخوف من أنه لو لم يتم تنفيذ كل شيء بدقة حرفية وعلى أكمل وجه، فإن أمرًا مريعًا سيقع.

لدى البعض مخاوف من حدوث أمر سيئ إذا قاموا بالتخلص من شيء، وهذا يضعهم في سلوك الاحتفاظ بكل شيء مهما كان، لا يهم إن كانوا سوف يحتاجون إليه أو لا، يصل الأمر للاحتفاظ بالصحف القديمة والأغراض المكسورة.

ضرر الوسواس القهري

مريض الوسواس يبدد وقته في تكرار أفعال معينة، يدخل في دائرة هدر معنوي ومادي، إضافة إلى أن بعض الأفعال قد تؤذيه بدنيًّا، كما يحدث مع كثرة غسل اليد وتأثير المطهرات التي تحتوي مواد كيمائية تلحق الضرر بالبشرة.

العلاج السلوكي

هناك ست خطوات لتسهيل التعامل مع الوسواس القهري:

التسمية

تعلم كيف تميز الوساوس المستحوذة والإلحاحات القهرية عن بقية أحداث الحياة الطبيعية.

إن وعينا اليومي أتوماتيكي، معظم ما نفعله يتم بشكل استجابات آلية، بصورة شبه غير واعية، أعطش فأذهب للشرب دون أن أفكر بكل خطوة بشكل واعٍ.

الآن تحتاج أن تركز قليلًا لتُبقي وعيك متيقظًا لما تعمله طوال الوقت، يمكنك أن تعين مشرفًا يراجع أفعالك، لنسمه المراقب الحيادي؛ عمله أن يراقب كل تصرفاتك، وحينما يجدك تعاني الشعورَ الوسواسي المزعج، سيذكرك بالرسالة الآتية: هذا الشعور المزعج ما هو إلا وسواس قهري.

لو شئت يمكنك استخدام كلمات مثل "استحواذ" أو "اضطرار". درب نفسك على أن تقول شيئًا مثل: أنا لا أعتقد ولا أرى أن يدي متسخة فعلًا، ولست بحاجة إلى غسلها، لكني أعاني استحواذًا يجعلني أحس أن يدي متسخة. كلما أعدت تسمية الشعور الذي يعتريك بهذه الطريقة، بدأت تدرك أنه مجرد إنذار زائف لا علاقة له بالواقع.

النسب

قم بنسب الوساوس، الفكرة الملحة والسلوك الاستحواذي لمصادرها الحقيقية، إنها حالة مرضية ولست أنت المتسبب بها، هذه خطوة مهمة في العلاج؛ كلما أحسست بالأعراض تذكر أنك لست السبب، إنها إشارات عصبية مزيفة يرسلها دماغك.

مع الوقت ستجد أنك لم تعد تأخذها بجدية وستتعامل معها على أنها أعراض مرضية هذا يساعدك كذلك بتجنب الطقوس التي تلجأ لها لترتاح، كلما ضغطت عليك لاستدراجك فكر أنه مجرد "فخ" ولا تلتقط الطُعم، ستخبرك الفكرة أن يدك متسخة لا بدَّ من غسلها، فكر "وماذا في ذلك؟ ما الذي سيحدث في أسوأ الأحوال؟"، تذكر أنه "فخ" واستجابتك ستجلب لك راحة لحظية، ولكن مع الوقت سيأخذ هذا الإلحاح بالازدياد أكثر فأكثر.

التركيز

كي تمتنع عن الاستجابة للإلحاح، تحتاج إلى تعلم متى تنتقل من سلوك إلى الثاني.

تخيل أن هناك جراحًا متمرسًا، وهو معتاد على غسل يده مباشرة قبل أي عملية جراحية، إنه ليس بحاجة إلى منبه يخبره متى تنتهي مرحلة غسل يده، هو يدرك لوحده أنه قد أتم الآن عملية غسل يده، فيكتفي.

أما المصاب بالوسواس القهري فلا يستطيع الوصول إلى الشعور بتمام الفعل حتى ينتقل للذي يليه، وكأن الطيار الآلي لديه متعطل.

تصرف منذ البداية على أن طيارك الآلي متعطل، قم بالتدخل بنفسك لتوجيه انتقالاتك من تصرف للآخر، وإلا فسوف تنفق الساعات وأنت عالق في عملية غسل يدك. قاوم إحساسك أن يدك لم تنظف بعد وأرغم نفسك على القيام بعمل آخر، تجاهل إحساسك وانشغل بغيره.

لا تتصارع مع أفكارك الوسواسية فذلك لن يجعلها تختفي وإنما سيزيد من توترك، والتوتر سيزيد من شعورك بالضغط ويكثف من سطوة تلك الأفكار وقوة الأعراض. ذكر نفسك كلما أحسست بعرض وسواسي أنك تحتاج القيام بعمل آخر.

تأخير الاستجابة لربع ساعة

كلما استحوذت عليك رغبة ملحة في القيام بأي عادة اضطرارية، أخبر نفسك أنك ستفعلها، ولكن بعد ربع ساعة من الآن، ضع فاصلًا زمنيًّا بين شعورك بالحاجة لعمل الشيء وبين عمله، هكذا تكون قد عطلت الاستجابة بعض الشيء.

من الممكن أن تبدأ بفترة انتظار خمس دقائق وتزيدها بالتدريج. مع الوقت والتدريب ستخف الرغبة الملحة، وحتى لو لم تنجح بالكامل فإنها ستشعرك باستعادة السيطرة.

صورة ذهنية

مثال: لو مشكلتك هي الشك في قيامك بإغلاق الأبواب؛ فاحرص وأنت تقوم بالأمر بالمرة الأولى على أن تستحضر إدراكك الواعي، وتعتني بملاحظة كل التفاصيل كما لو أنك تسجل فيديو مصورًا في دماغك، ويمكن أيضًا إضافة حوار تقول فيه: "إن الباب الآن مقفل" أو "أنا أغلق الباب"، وتشاهد القفل وهو ينغلق.

اصنع صورة ذهنية كمرجع قوي يوضح لك أنك قد قمت بالفعل بما تطلب منك وساوسك التأكد من فعله، هذا يساعدك على مقاومة الإلحاح.

التوقع والتقبل

توقف عن الانفعال في كل مرة تحس بالوسواس وكأنها المرة الأولى. لا تسمح له بمضايقتك، عندما تتعرف عليه وتتوقع مجيئه فإنك تكون مستعدًا للتعامل معه بلا انفعال. إنه وسواسي الغبي، لا معنى له ولا داعي للاهتمام به.

لا تتعارك مع الفكرة لتطردها، ولا ينبغي أن تتضايق من نفسك لأن ما تمر به مجرد خلل في كيميائية المخ، ولا تنسَ أن الجزء الأكبر من سلطة الوساوس عليك سببه التوتر.