كتاب تفسير الأحلام

Book-Cover

كتاب تفسير الأحلام (المؤلف: سيجموند فرويد)

المفكرة اليومية

الأحلام بمثابة السجلات الشخصية. مثلًا لوأنني سمعت أحلامك؛ فيمكنني أن أعرف من أنت وكيف تفكر بنفسك وما الذي تضمره بداخلك وما الأمور التي تشغل بالك.

الحلم انعكاس لك

لنتخيل أحدهم، يتعرض للضرب كل يوم، واليوم لم يكن استثناء، وقد ُضرب للتو ثم ذهب للنوم، يغلق جفنيه ويدخل في الظلام، عقله يقوم الآن بتشغيل "مسرحية" هو فيها المتفرج الوحيد، وهي مصممة من أجل إشباع أمنياته وتفريغ توتره النفسي؛ أحداثها تستكمل أحداث الواقع، ولكن هذه المرة هو المخرج الذي يوزع الأدوار.

ربما يحلم أنه قد انتقم من هؤلاء الناس وضربهم إلى أن أركعهم لتقبيل قدميه طلبًا للرحمة. أو ربما يحلم أنه خاصمهم ومضى عنهم وتركهم نادمين لخسارتهم إياه. قد يحلم أنه أصبح شخصية مهمة وهم يحاولون الوصول إليه وهم يستمر بتجاهلهم.

كشف المكونات النفسية

لو أن هذا الشخص جاء وأخبرك عن رؤيته لحلم مشابه لأحد تلك الأحلام، فلو عرفت تترجم الحلم، ستكتشف الصراع الحقيقي الذي يعاني منه في حياته دون أن يصارحك به. من الحلم فقط تستطيع كشف أحد مكوناته النفسية في الصندوق الذي يحمله في رأسه؛ عقله.

السجل

تصور لو جمعت له عشرة أحلام كذلك لأحداث مختلفة، هذا سجل كامل يُمكنُك من فهم شخصيته دون حتى أن تكون قد تعاملت معه. من خلال أحلامه، تأخذ فكرة عن تصوراته عن نفسه وعن الناس من حوله، أليس هو المخرج الذي يوزع عليهم الأدوار؟! قد يضع والده المتزمت في دور مأمور سجن مثلًا، بغض النظر هل ذلك الأب متزمت فعلًا أم لا؛ هو يراه هكذا وهذا يكفي.

الدوافع غير المشبعة

الأحلام ستُظهر أيضًا الدوافع الغريزية؛ الدوافع غير المشبعة، كل ما لا يتمكن من تحقيقه في الواقع سيعبر عنه في الحلم، وهكذا يعطيك فكرة حول ما الذي يتمناه ويرغب فيه. هناك المشكلات والصراعات المكبوتة، سنراها أيضًا في الحلم.

الأحلام المباشرة

إلى الآن، نحن نتحدث عن نوع من الأحلام المكشوفة، هناك من قام بضربك خارج الحلم وأنت تضربه الآن في الحلم، حلم مباشر وسهل تفسيره. على سهولة هذا النوع من الأحلام إلا أنها ليست نوع الأحلام التي نحلم بها دائمًا. لقد وصفنا الأحلام بأنها مسرحية، ولكنه هذا الوصف ليس دقيقًا، إنها أقرب إلى مسرحية "شعرية".

الرمزية في الحلم

كيف يُكتب الشعر؟

مثال: شاعر ما كان موجودًا في بنك في أثناء حدوث سطو مسلح، وبعد نجاته من تلك الحادثة خرج بقصيدة تتحدث عن الثعالب التي هجمت على الأرض، وكيف كل النعام من حوله كانت قد خبأت رأسها في الرمل ما عدا أسد.. أسد صغير خرج من بين النعام وهزم الثعالب.

لا البنك كان فيه ثعالب ولا نعام ولا أسود؛ إنه يستخدم التشبيهات والاستعارات، هذا ما يفعله العقل في الحلم، حيث لا تظهر الذكريات ولا تتحقق الرغبات بصورة مباشرة بل في صور رمزية أو بديلة.

تأويل الأحلام

لو أردنا فهمه فنرجعه لأصله كما نشرح القصيدة بمعانيها المستترة؛ ذلك الأسد كان مجرد تشبيه يقصد به رجلًا شجاعًا. هذه هي الفكرة التي يقوم عليها مبدأ تأويل الأحلام.

الحلم شخصي

لنعد إلى وصف الحلم كمسرحية شعرية، هذا أيضًا تعريف ناقص؛ لنكن أكثر دقة سنقول إن الحلم هو مسرحية شعرية شخصية جدًّا، أي لن يطلع على خشبة المسرح سوى الأشخاص والأحداث المرتبطة بحياة المرء بصورة شخصية.

نحن لن نحلم إلا بالأشياء التي لها علاقة مباشرة ومتصلة بنا وجدانيًّا، رغباتنا الخاصة وصراعاتنا الشخصية. هذه نقطة مهمة بالتأويل، خصوصًا في التفريق بين الأحلام المكشوفة والأحلام غير المكشوفة،

هذا سهل مع الأحلام الغريبة، مثل أن أحلم بحصان يتكلم.

انظر لهذا المثال، أحدهم حلم أنه كان مكان الصحفي العراقي الذي رمى "بوش" بالحذاء، هل هذا حدث شخصي بالنسبة له؟ كلا، هو مهم عنده، لكن لنفرق بين المهم والشخصي؛ أي شيء خارج نطاق الشخصي لن يجلبه عقلك للحلم، ولو حصل، فهو مجرد إسقاط بالنسبة للحالم.

في المثال المذكور، "بوش" سيمثل شخصًا هو يعرفه، صورته متناسبة مع الصورة الذهنية التي كان يحملها عنه، فبدلًا من أن يظهر في حلمه ذلك الشخص الذي يعرفه، وضع "بوش" مكانه. قد يتشابه الاثنان من ناحية السلطة أو التعبير عن عدم الترحيب أو تمني إحراجه.

قاموس التفسير

حسنًا، طالما أن هناك رموزًا وتفسيرات؛ فهذا قد يتسبب بالتباس الأمور، من الذي يحدد المقصود بكل رمز؟

الحالم نفسه

لنفرض أن جزءًا من حلم إحدى السيدات فيه بقرة تصيح- لا ننسى، لا أحد يحلم بشيء غير موجود في دائرته ولا بأحداث ليست من حياته- البقرة هنا ليست لها علاقة بها، فكيف سنفسرها؟ قبل كل شيء، نتعرف على فكرتها عن البقرة، وكيف تترجم في دماغها كرمز.

قد ترى أن البقرة هي حيوان وديع ومسالم وطيب، يطعمها ويسقيها بلا مقابل، نضع هذا الوصف على شخص مقرب منها لديها عنه نفس الانطباع، ونستنتج أن البقرة تمثل أمها. بالطبع لا يمكننا التأكد تمامًا من صحة استنتاجنا.

فكيف نتأكد؟

نراجع بقية أحلامها، وأيضًا أحداث حياتها، ظروفها الحالية هل تتوافق مع تفسيرنا للحلم؟ وإلا نعيد ترجمة البقرة لأن ترجمتنا السابقة لها قد تكون غير دقيقة. نعيد التحليل على حسب أحداث الحلم نفسه وأحداث الأحلام الأخرى وكذلك أحداث حياتها الشخصية.

الرمز في الحلم

قد يكون للرمز الواحد أكثر من معنى في أعماق الشخص نفسه، إضافةً إلى أنه يختلف من شخص للآخر على حسب الثقافة والجنس والعمر وغيرها من العوامل.

مثال: اثنان رأيا الحلم نفسه؛ كل منهما رأى أنه يقود سيارة بسرعة مجنونة. الأول شاب مراهق؛ نلقي نظرة على حياته فنجده يعاني الكبت؛ فالتفسير الأقرب لحلمه بناء على سنه وظروفه وطريقة اهتمامه بالسيارات، هو أنه يتمنى التخلص من القوانين التي تقيده، السرعة الجنونية تمثل رغبته في الثورة وتحدي السلطة التي يعجز عن القيام بهما في الواقع. بينما الآخر هو رجل متقدم في السن ولديه ميول انتحارية؛ فالتفسير المنطقي قد يكون هو أنه يفكر في إنهاء حياته.

الحالة الانفعالية

أي بداخل الحلم نفسه؛ خصوصًا لو أنها منفصلة عن الأحداث، مثل أن أشعر بالفرح بداخل حلم مزعج أو بالحزن في وسط فرح. الحالة الانفعالية تلك تمدنا بالمزيد من التفسيرات.

مثال: إحداهن حلمت أنها مسافرة بالقطار، وتعمدت أن تتأخر على موعد انطلاقه، ثم عندما بدأ بالتحرك ظلت تجري خلفه وبالنهاية لم تتمكن من اللحاق به. من خلال حياتها ومن أحلامها الثانية تبين أنه القطار هو قطار الزواج، ومن الممكن أن نستنتج ثلاثة احتمالات مختلفة؛ إنها ترغب في الزواج، إنها تخشى الزواج، إنها ترفض الزواج.

نتفحص حالتها الانفعالية بداخل الحلم، هل كانت تشعر بالسعادة أم بالحزن أو الخوف؟

التجارب غير المهضومة

أهم فائدة من تفسير وتأويل الأحلام، أنها تمكننا من اكتشاف التجارب غير المهضومة.

نحن نرى ما تفعله بعض الحيوانات، كالعصافير، حين تقوم الأم بمضغ الطعام لصغيرها الذي ما زال عاجزًا عن الهضم، ثم تلقمه إياه بفمه، وهكذا ينمو بصورة سليمة حتى يمتلك القدرة على الهضم بنفسه. المبدأ هذا يحصل مع البشر، ولكن في التجارب وليس الأكل.

أنا مثلًا وأنا صغير، كان عمري ثلاث سنين، كنت متعلقًا بجدي وقد توفى، ذلك الحدث كان تجربة يصعب عليَّ هضمها وفهمها، ينبغي أن يتدخل أحد الكبار، يمضغ هو التجربة ثم ينقلها لي، يفهمني الذي حصل بطريقة أقدر على هضمها. ولكن لم يقم أحد الكبار بهذا الدور معي، لم يكن هناك من هو مؤهل لفعل ذلك. كطفل، تلقيت تجربة لا أستطيع هضمها لوحدي، وخرجت منها باستنتاج غريب؛ إن الذين أحبهم قد يختفون في أي يوم أستيقظ ولا أجدهم، كما حدث لجدي، لقد غادر وتركني، ولهذا الأسلم لي ألا أتعلق بأحدهم. هذه قناعة ستستمر معي لبقية حياتي وتتشكل حولها طباعي، حتى وقد نسيت التجربة ظاهريًّا.

تجارب الطفولة

كل منا لديه من هذه التجارب، صدمات قوية، اعتداءات، أو مجرد التعرض للسخرية العلنية… تجارب الطفولة الأكبر من استيعابنا، تتخزن في وعينا وتجعلنا نتصرف بطرق غير سليمة لأننا توصلنا من خلالها لاستنتاجات غبية.

كل ذلك سينكشف في الأحلام. سنجد أن تلك التجارب ما زالت موجودة حتى بعد مرور السنين، حتى لو أنها منسية ومدفونة في الذاكرة. الحل هنا بعد اكتشافها هو التصالح معها والعمل على فهمها من زوايا جديدة، بالمعرفة والقوة التي لدى نسختنا الحالية وليس القديمة.