كتاب تعرف على المواد الكيميائية السعيدة الخاصة بك

كتاب تعرف على المواد الكيميائية السعيدة الخاصة بك (المؤلف: لوريتا برونينج)
لو تابعنا طفلًا صغيرًا، سنجد أنه من الممكن أن يتصرف في اتجاهين؛ اتجاه التصرفات الجيدة التي ستعود عليه بالنفع وتضمن بقاءه، أو يذهب في اتجاه التصرفات السيئة التي ستضره وتقلل احتمالية بقائه.
حسنًا، لو أردنا دفعه للتصرف في الاتجاه الأول فقط ماذا يمكن أن نفعل؟
سنستخدم معه الهدايا! بحيث إنه في كل مرة يقوم فيها بعمل جيد نعطيه هدية، وشيئًا فشيئًا وبدون أن ينتبه سنُدخله في نظام مبني على الهدايا، كل تصرّف جيد سيحصل مقابله على هدية، وهذه الهدية ستجعله سعيدًا وتوجهه ليكرر العمل نفسه، ويتصرف في الاتجاه الذي نريده. سيكون تقريبًا مُبرمَجًا على التصرف بشكل جيد كي يشعر بالسعادة.
يتولى جهازنا الحوفي إدارة المواد الكيميائية المسؤولة عن سعادتنا، ويعمل على دفعنا للتصرّف بطريقة تحسّن فرص بقائنا.
النظام
المبدأ نفسه موجود داخلنا، لدينا الجهاز الحوفي الذي يمكننا تشبيهه مجازًا بالمشرف. يتولى جهازنا الحوفي إدارة المكافآت في جسمنا- المواد الكيميائية المسؤولة عن سعادتنا- ويعمل على دفعنا للتصرّف بطريقة تحسّن فرص بقائنا بصورة مشابهة لتصرف الطفل الذي تحدثنا عنه.
في كل مرة تقوم فيها بفعل ما أو تواجه موقفًا معينًا يتم عمل تقييم سريع للحدث، إن كان التصرف يدعم بقاءك؛ فأنت تستحق القليل من المواد الكيميائية السعيدة، ستجعلنا تلك المواد نشعر بالسعادة. بالتالي سنكرر ما فعلناه لكي نحصل على المكافآت مرة ثانية.
الجهاز الحوفي يسيطر بصورة مجازية على فتح صنابير أربعة خزانات. يوجد بداخلها مواد كيميائية عندما تضخ في جسمنا نشعر بالسعادة.
الدوبامين
الخزان الأول أحمر اللون ويضخ مادة اسمها "دوبامين"
تُضَخ في كل مرة شعرت أنك ستنجح في إشباع احتياج ما، كأن تحقق هدفًا كنت تنتظره منذ مدة طويلة، أو تأخذ مكافأة على عمل جيد قمت به، أو كأن تتعلم شيئًا جديدًا، أو عندما تكون جائعًا وفجأة تجد الطعام بقربك، وحتى عندما تجد موقفًا لتركن به سيارتك من أول محاولة.
لماذا تحصل هذه الاستجابة الكيميائية؟
لأنك عندما تشعر بالسعادة مع كل مكافأة سيحفزك ذلك على البحث في بيئتك، أن تظل ساكنًا مكانك وتكتفي بما تعرفه لن يساعدك على البقاء على عكس الخروج ومواصلة البحث والحركة؛ فذلك سيزيد فرصة بقائك بتعلمك مهارات جديدة وهكذا.
الإندورفين
الخزان الثاني أزرق اللون ويضخ مادة اسمها "الإندروفين"
تخرج عندما ندّفع بأنفسنا خارج نطاق قواتنا الجسدية، وهي لا تسبب سعادة بالمعنى العام بل نشوة تساعدنا بأن نخفي الألم لمساعدتنا على الاستمرار.
لماذا تظهر هذه الاستجابة الكيميائية؟
لأن النشوة تحجب الألم الجسدي. هذه المادة موجودة في أجسام الحيوانات أيضًا، وتساعدهم على البقاء، تخيل مثلًا غزالة وهناك أسد على وشك أن يأكلها وهي تركض منذ وقت ليس بالقليل والمفترض أن قواها ستخور، ولكن هنا الإندروفين سيخرج. وهذا سيساعدها على استخدام كل الطاقة المتبقية في جسمها رغم تعبها الشديد.
أنت تشعر به عندما تدفع نفسك خارج نطاق حدود قدراتك؛ فتجد نفسك بدلًا من الشعور بالإجهاد وأنه تم استنفادك، تشعر بشعور جيد.
الأوكسيتوسين
الخزان الثالث بنفسجي اللون ويضخ مادة اسمها "الأوكسيتوسين"
تخرج كلما شعرنا بالثقة، هو الشعور الرائع الذي تحس به عندما تثق في شخص ما وتكون بقربه.
لماذا يسمح المشرف بخروج هذه المادة؟
لأن الانتماء لمجموعة هو أمْرٌ جيد للبقاء. لذلك المشرف يريد أن يدفعك أن تقيم تحالفات اجتماعية مع الناس، كلما كان لديك تحالفات اجتماعية أكثر زادت فرص نجاتك وبقائك.
ويؤدي الأوكسيتوسين دورًا مركزيًّا في جميع مراحل تنميتنا الاجتماعية؛ فعندما يولد الطفل مثلًا يتم إطلاقه في دماغ أمه، وذلك يجعلها تحس بالارتياح والسعادة تجاهه ويحفزها على الاهتمام به ورعايته، ويتم إطلاقه في دماغ الطفل وذلك يزيد من تعلقه بها وهكذا.
السيروتونين
الخزان الرابع أخضر اللون ويضخ مادة اسمها "سيروتونين"
تخرج كلما شعرت بأنك شخص مهم، أو لديك سيطرة على الآخرين، أو بأنك تأخذ خطوات تحركك للأعلى في الهرم الاجتماعي.
لماذا يقوم المشرف بمكافأتك ويسمح بخروج هذه المادة الكيميائية؟
لأنه كلما كان لديك سلطة على الناس سيكون هناك عدد أكبر ممن يستمعون لك، وينفذون تعليماتك، ومن ثم فمن الممكن أن تتحكم في مواردهم وموارد الآخرين فتوجهها لصالحك أو حتى تأخذها لنفسك. وذلك سيُترجَم كتعزيز فرص بقاء أفضل. لذلك تشعر بالرضا والسعادة كلما ترتفع في اتجاه السلطة والهيمنة.
عندما نفهم الطريقة التي يعمل بها المواد الكيميائية السعيدة سيسهل علينا إيجاد طرق لتحفيزها بها.
السلوك البشري
المواد الكيميائية السعيدة تلك والجهاز الحوفي تشكل حياتنا وتفسر سلوكنا، عندما نفهم الطريقة التي تعمل بها الطريقة سيسهل علينا إيجاد طرق لتحفيزها بها. وأيضًا سيجعلنا ذلك نفهم لماذا نقع في السلوكيات السيئة.
عندما يجرب دماغنا شيئًا ما يؤدي ذلك إلى إطلاق مواد كيميائية سعيدة، ولكن كل مادة لها مدة معينة وبعدها يزول تأثيرها. ولنحصل عليها من جديد نرتبط بسلوك سلبي ونكرره. هذا السبب وراء إدمان الأشياء السيئة كإدمان المخدرات والكحول وأيضًا الوجبات السريعة وغيرها.
الدوبامين
لماذا يستمر دماغك في البحث عن عن الشوكولاتة مثلًا والتفكير في أكلها، على الرغم من أنكِ لا تريدين ذلك وتحاولين اتباع حمية غذائية؟
لأن طعم الدوبامين لذيذ! الشوكولاتة هي مكافأة، ودماغك يبحث عن المكافآت التي تفرز الدوبامين الذي يشعركِ بالسعادة.
ولماذا تبدأ بالتخطيط لهدف كبير وتكون متحمسًا جدًّا له لكن بعد فترة تتوقف ولا تكمله؟
لأنك لم تصمم طريق وصولك للهدف بشكل يساعد دماغك أن يكمل! أنت لم تصمم هدفك وتقسمه لأهداف صغيرة تحصل مقابل تحقيقها مكافآت، لو فعلت ذلك ستساعد دماغك على تعزيز إفراز الدوبامين طوال مسيرتك لتحقيق هدفك.
لكن أنت أكتفيت بمكافأة كبيرة ستحصل عليها في نهاية الطريق، وفي منتصف الطريق يكون تأثير المادة السعيدة التي ضُخَّت في البداية قد زال ولن يكون لديك أي شيء يدفعك للاستمرار، فتتوقف.
الإندورفين
لماذا يستمر دماغك في الجري وراء الألم الجسدي بطريقة مؤذية؟
لأجل الحصول على الإندروفين، مع أنه باستطاعتك تنشيطه بطرق أخرى؟ الضحك والبكاء مثلًا يحفزان خروج الإندروفين بكميات قليلة.
يمكنك أيضًا أن تستغله لصالحك، تغيير روتين تمرينك الخاص مثلًا بطريقة تحفز الإندورفين بدون فائض ضار وهكذا.
الأوكسيتوسين
ولماذا يستمر دماغنا في البحث عن الثقة والحياة الاجتماعية، لدرجة أنك ستشعر بالتعاسة في حال غيابها مهما كان مقدار ما لديك؟
لأن الأوكسيتوسين يشعرك بالارتياح، ولكن أنت تستطيع تحفيز الأوكسيتوسين من خلال الاستمتاع بالثقة التي تمتلكها بالفعل بدلًا من التركيز على الثقة التي لا تمتلكها.
السيروتونين
أخيرًا، لماذا يستمر دماغك في البحث عن الأهمية مهما كان حجم الأهمية التي تمتلكها فعليًّا، وفي بعض الأحيان تقوم بخيارات سيئة في سبيل الحصول عليها؟
بسبب الشعور الجيد الذي تشعر عندما تحصل على السيروتونين.
ابحث عن طرق صحيحة للشعور بالأهمية؛ فأنت لن تستطيع التحكم في العالم والأهمية التي يعطيك إياها. لكنك تستطيع تدريب عقلك على أن يشعر بالثقة بأهميتك الخاصة بغض النظر عما يفعله الآخرون، وركز على تقدير الأهمية التي تمتلكها بدلًا من التركيز على الأهمية التي لا تمتلكها.
يمكنك أن تتعلم كيف تحفز دماغك للحصول على المواد الكيميائية بطرق إيجابية.
التحكم
برغم أن النظام الحوفي مسؤول عن سلوكنا، لكن توجد قبله خطوة التقييم. يمكننا أن نغير التقييم هذا بالتعلم، تعلم كيف تحفز دماغك للحصول على المواد الكيميائية بطرق إيجابية.
على سبيل المثال، أنت في اجتماع وزميلك يقدم مشروعًا جديدًا، وأنت تعرف أن أفكاره التي يقولها غير دقيقة.
لديك خياران، إمّا أن تقول رأيك هذا بصوت عالٍ وتشعر الناس الجالسين بأنك أفضل منه، وذلك سيؤدي لإطلاق السيروتونين الخاص بالأهمية، أو أنك ستمنع نفسك من إذلال زميلك وتكلمه بعد انتهاء الاجتماع على انفراد، وتوضّح له الأمر. وهذا سيؤدي لإطلاق الأوكسيتوسين الخاص بالعلاقات الاجتماعية.
في الحالتين سيتم إفراز مواد كيميائية سعيدة. لن تخسر شيئًا؛ لكن سيفرق اختيارك.