الكون يتمدَّد
الكون يتمدَّد
أدت نظرية النسبية إلى تطورات كبيرة في الفيزياء النظرية وهو ما انعكس على النظرية الكونية، غير أن هذه الأفكار الجديدة لم تلقَ قبولًا إلا حين مكَّنت المشاهدات المحسنة علماء الفلك من وضع تقديرات يعتمد عليها بشأن حركة المجرات والمسافات التي تفصلنا عنها، وأولها مشاهدة العالم هابل لتمدد الكون، وقانونه البسيط الذي ينص على أن السرعة الظاهرية لأي مجرَّة آخذة في الابتعاد عن الراصد تتناسب طرديًّا مع المسافة التي تفصل بينهما، فأجزاء المادة كلها في الكون تبتعد بعضها عن بعض بسرعة يصفها هذا القانون.
وقد توصَّل “هابل” إلى هذا عن طريق (التحليل الطيفي) للضوء القادم من المجرات، ومن السبل البسيطة للوصول إلى هذه النتيجة المنشور الذي يفصل الضوء الأبيض العادي إلى طيف يمثل ألوان قوس قزح، غير أنه كانت هناك بعض الصعوبات أمام تفسير هابل؛ منها مثلًا معنى مصطلح “المسافة” وكيفية قياسها، فهناك تفسير بسيط وهو أنه في الكون المتمدد يزيد الانفصال بين أية نقاط بالوتيرة عينها في جميع الاتجاهات.
تخيَّل عدة نقاط تزداد بالمقدار نفسه؛ أنت بحاجة إلى معرفة معامل التمدد وتطبيقه لتعرف الحالة السابقة والحالة اللاحقة والفرق بينهما.
وهنا يظهر ثابت هابل، وهو أحد أهم الأرقام في علم الكونيات، إلا أنه رقم تقريبي، وتعرض للعديد من التعديلات على يد أكثر من عالم بتطور فهم الكون، ولا تزال قيمته غير معروفة بدقة، ويرجع هذا إلى أن الخطأ البسيط في القياس يؤثر في ما يليه من معاملات؛ فتكون النتيجة كارثية، بيد أن التطورات التكنولوجية، ومع وجود تليسكوب هابل وقدرته على تصوير النجوم؛ ستحدد هذا الثابت على وجه الدقة.
وليس كل شيء يشارك في عملية التمدد، فالأجسام التي تحتفظ بتماسكها بفعل قوى أخرى خلاف الجاذبية لا تتمدد، وهذا يشمل الجسيمات الأولية والذرات والجزيئات والصخور، فهذه الأجسام تظل في حجم مادي ثابت بينما الكون يتمدَّد حولها، وبالمثل الأجسام التي تهيمن داخلها قوة الجاذبية تقاوم التمدد هي الأخرى، فالكون والنجوم والمجرات مترابطة معًا بقوة شديدة بواسطة قوى الجاذبية، وذلك يمنعها من أن تتمدَّد مع بقية الكون.
الفكرة من كتاب علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا
يعدُّ علم الكونيات هو العلم الذي يهتم بالدراسة العلمية لكل ما في الكون كبيرًا كان أم صغيرًا، بَدءًا من المجرات والنطاق الفلكي للنجوم وصولًا إلى العالم المجهري.
في هذا الكتاب يحاول بيتر كولز التعرض لهذا العلم تاريخيًّا؛ مبينًا كيف تطوَّر، وكيف جمع بين مفاهيم متعددة على مر مسيرته، وأهم إنجازاته وتأثيرها في فهمنا للكون، وعلى ما تلاها من نظريات، وكيف مهَّدت التحسينات التكنولوجية طرقًا جديدة في الاستكشاف.
مؤلف كتاب علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا
بيتر كولز Peter Coles: أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة نوتنجهام، ولد في 4 يونيو 1963 في نيوكاسل أبون تاين في المملكة المتحدة، وشارك في تأليف كتابين دراسيين عن علم الفلك وما يربو على مائة مقال فني متخصص عن مختلِف جوانب نظرية الانفجار العظيم، حاصل على زمالة معهد الفيزياء، وهي جائزة تُمنح من معهد الفيزياء في لندن للفيزيائيين الذين يبدون مستوًى مرتفعًا جدًّا في الفيزياء ويقدمون مساهمة بارزة في هذه المهنة، وألَّف أيضًا كتابَي «أينشتاين ومولد العلم الكبير»، و«هوكينج وعقل الإله».