هذه ليست حلبة مصارعة
هذه ليست حلبة مصارعة
إذا أخبرتك أنك على وشك الدخول في حوار مع أحد الأشخاص عن موضوع معين، فما الذي ستفعله؟ بالطبع ستجمع الحجج المنطقية لإثبات وجهة نظرك، ومن ثم ستركز على نقاط ضعف الطرف الآخر، والآن مع هذه المعلومات ستبدأ في محاولة تغيير أفكاره وردود فعله، وذلك كله بالطبع في سبيل الفوز، لكن هل طلبتُ منك الفوز؟ لماذا افترضتَ يا صديقي أن عليك تغيير أفكار الطرف الآخر وإثبات خطئه؟ أعلم أنك تشعر بالحيرة الآن، فأنا طلبت منك محاورة أحدهم، وبدهيًّا يعني هذا أن على أحد الفوز في النقاش، وبالطبع إذا كان على أحد الفوز فلا بد أن يكون أنت وليس الطرف الآخر.
وهذه هي المغالطة التي يقع فيها معظمنا، فنحن نعتقد أن الحوار تفاعلٌ يدور فقط حول التكيف مع القوى الخارجية، كآراء الآخرين وردود أفعالهم وطريقة تفكيرهم، في حين أن الحقيقة هي أن التركيز على صفاتنا وسمات نقاشنا مهمٌّ بالقدر نفسه في ما يُعرف بالتأمل الذاتي، وهو أول خطوات الحوار الناجح، ونعني به القدرة على ملاحظة ردود أفعالنا الخطأ وتحيّزاتنا اللا واعية بدلًا من ملاحظة أخطاء الآخرين فقط، وممارسة التأمل الذاتي عملية بسيطة، لكنها تحتاج إلى تمرين مستمر، ويمكنك إتقانها من خلال تقييم أسلوب حوارك وتدريب نفسك على الاعتراف بردود أفعالك الخطأ وملاحظة التحيزات اللا واعية خلال محاورتك للأشخاص من حولك، والأهم هو مسامحة ذاتك حين ترتكب الأخطاء نفسها والعودة إلى التمرين مجددًا.
وبممارسة التأمل الذاتي ستتخلص من غرورك وخداعك لنفسك، وهو ما سيقودك إلى الاطلاع على جوهر ردود أفعالك وسبب غضبك وردودك السلبية المتحيزة، وهذا الجوهر هو ما نطلق عليه اسم النية، وعلى الرغم من أننا نميل إلى افتراض نيات الآخرين بسهولة، فإن تحديد النية الذاتية عملية صعبة، لكنها مجزية وضرورية في خطوات الحوار الناجح، فتحديدك لنيتك الأساسية من الحوار يساعدك على تبين نيات الآخرين من خلال الاستماع لإجاباتهم باهتمام دون الأحكام المسبقة من نياتك غير المحددة، كما يتحول الحوار من مصارعة لا بد لطرف ما من الفوز فيها إلى عملية إيجابية تفيد الطرفين.
الفكرة من كتاب أنا أقول فحسب: فن الحوار المتحضر: دليل للحفاظ على تواصل مهذب في عالم منقسم بشكل متزايد
“حسنًا أنا على حق! لقد هزمتهم في النقاش، وجهة نظري دائمًا صائبة!”، أريدك أن تفكر يا صديقي في آخر عدة نقاشات خُضتها، وأخبرني.. هل فكرت في هذه الجمل أو حتى صرّحت بها في نهاية النقاش؟ إذا أجبت بـ”نعم” فهذا يعني أنك لم تخُض نقاشات إيجابية، وإنما دخلت مصارعة بنية الفوز، ولم تستمع لغير كلماتك وأفكارك الخاصة.
ولا داعي إلى القلق، إذ يدل وجودك هنا على اهتمامك بحل هذه المشكلة، فدعني أصطحبك في رحلة قصيرة تعرف فيها قواعد الحوار المتحضر، فما الحوار المتحضر إذًا؟ وهل للفوز أهمية؟ وكيف تكون مستمعًا جيدًا؟ وأخيرًا كيف تخلق مساحة حوار مشتركة مع الأشخاص المختلفين؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
مؤلف كتاب أنا أقول فحسب: فن الحوار المتحضر: دليل للحفاظ على تواصل مهذب في عالم منقسم بشكل متزايد
ميلان كوردستاني: رائد في مجال الأعمال، ومدافع عن البيئة، إذ تمحورت دراسته حول تأثير البشر في الأنظمة البيئية، وهو ما دفعه إلى البحث عن حلول جماعية باستخدام الحوار المجتمعي، ولذلك حوّل تركيزه إلى تشجيع الجيل القادم على إيجاد المساحات المشتركة التي تسمح للجميع بالمشاركة في عملية التغيير الإيجابي، وأنشأ ميلان منظمات عدة تسعى إلى تقديم حلول مستدامة عبر تحسين عملية الخطاب المدني وتنمية الثقافة العامة.
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.