المهمشون يركضون
المهمشون يركضون
شكّل الركض هويات خاصة، وساعد المهمشين على التعبير عن وجودهم مثلما حدث مع العدائين السود الذين شاركوا في السباقات وسط شكوك وادعاءات عنصرية، مفادها أن بنيتهم الفيزيائية أقرب إلى الحيوانات، مما يسمح لهم بالركض أسرع ولفترات أطول من الرجل الأبيض، ولكن أجريت عدة دراسات على مختلف العدائين، وانتهت إلى رفض اختلاف الطبيعية الفيزيائية للراكضين السود عن أقرانهم البيض، رغم أن هناك دراسات تظهر اختلافات في القياسات الحيوية بين الأطفال السود والبيض، تعطي الأفضلية في الاستجابة للنمو لصالح السود.
احتفى العالم المهمش بأسطورتين، أحدهما جِيسي أُوينز، أسطورة الركض السوداء، الذي عُدَّ بعد وفاته خير تمثيل للمظلومين في أمريكا وألمانيا، وجسرًا بين اللونين المختلفين، والأسطورة الأخرى كان الإثيوبي بيكيلا، صاحب أول ذهبية إفريقية في الأولمبياد، والمفضل لدى الإمبراطور الإثيوبي، لدرجة أنه عفا عنه بعد تورطه في محاولة للتمرد على الحكم ، ثم فاجأه القدر بحادثة سيارة أسقطته مشلولًا لما بقي من عمره، إلى أن توفي عام 1973م، مُخَلِّدا اسمه بأحرف من ذهب، ولافتًا نظر العالم إلى مواهب إفريقيا في الجري.
وصلت مواهب أخرى إلى العالمية، وكان لكينيا نصيب منها بامتلاكها العداء كينو، بعدما عانت سنوات من القمع الإمبريالي من بريطانيا، التي نقلت الجري إلى مستعمراتها، ودفعت المواطنين إلى ممارسته حسب نظامها كوسيلة للضبط الاجتماعي والتحكم في أوقات فراغ الأفراد، والسبب الأهم هو شغل الكينيين لمنعهم من سرقة الماشية.
وليس كل المهمشين يهمشون بسبب ألوانهم، فقد يكون جنسهم سببًا لمعاناتهم، مثلما حدث مع النساء، وخصوصًا في عصر البرجوازية، التي كانت تراها كائنًا ضعيفًا حساسًا، ليس مناسبًا له أن يركض لمسافات طويلة، ولكن تلك النظرة تغيرت بعد الحربين العالميتين، ظهرت فيهما قدرة المرأة، وتحملها للظروف الصعبة، فبدأت الثقافة تتغير، وشاركت المرأة في السباقات الطويلة، مسجلة أداءات تتحسن تدريجيًّا، وسط شكوك وسخرية من الصحافة.
الفكرة من كتاب الجري: تاريخ غير تقليدي
متى بدأ الإنسان في الجري؟ لا توجد إجابة أكيدة، فالجري قديم قدم الإنسان نفسه، ولم ينحصر في حضارة دون أخرى، فلقد ركض الفراعنة والسومريون، وتسابق العداؤون اليونانيون في الساحات الأولمبية، حتى أوربا وآسيا لم تسلما من عدوى الركض.
سَنَجُوب قارات العالم القديم والحديث لنسمع الحكايات الشعبية عن الركض، ونكتشف الأساطير المرتبطة به، ونفهم لماذا قدس القدماء الجري، ونعلم كيف أضفت جميع الثقافات لمستها الخاصة على الجري، وماذا مثّل لهم، وما المراحل التي مر بها حتى أصبح وسيلة لكسب المال، ومدى إمكانية أن يغيّر الجري من حياتك.
مؤلف كتاب الجري: تاريخ غير تقليدي
ثور جوتاس: هو مؤرخ فلكلوري نرويجي، ولد في برومندال عام 1965م، يعمل محررًا رياضيًّا ومعلقًا للأحداث الرياضية على التلفزيون النرويجي، وقد شارك أيضًا في عديد من الفاعليات الرياضية الكبرى حول العالم، بالإضافة إلى أنه ألقى المئات من المحاضرات على مدى السنوات العشرة الماضية في عديد من السياقات المختلفة، كما أنه أعطى صوتًا لأحد عشر مسلسلًا إذاعيًّا حول مواد كتابه الخاصة.
ويعد ثور جوتاس من أهم الكتاب في مجال الركض، وله تأثير كبير في المجتمع الرياضي النرويجي والعالمي، وقد ألَّف عديدًا من الكتب التي تناولت تاريخ الركض منذ أيام الإغريق القدماء حتى العصر الحديث، ومن أشهر كتبه:
Magnus
Brødrene kvalheim – to løperliv
Taterne – livskampen og eventyre
معلومات عن المترجمة:
نادين الخطيب: مترجمة ورسامة سورية، ولدت في دمشق عام 1977م، حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، ثم درست الترجمة في جامعة البعث في حمص، وعملت مترجمة للغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وأيضًا رسامة للكاريكاتير والرسوم المصورة، قدّمت أعمالها في معارض فنية دولية، وحصلت على جوائز عديدة عن أعمالها الفنية، ومن الأعمال التي شاركت في رسمها: بعض أعمال سلسلة صديقي شوشو.