الأسرة.. أساليب ونتائج
الأسرة.. أساليب ونتائج
يعتقد الكثير منا أن التربية عملية تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل أو عملية فطرية تبدأ مع ولادة أول طفل بل بمجرد الحمل، إلا أن هذا الاعتقاد أورثنا نتائج سلبية مع الأسف في مجال التربية وجعلنا نكرر نفس أخطاء الأجيال السابقة، فضلًا عن كونه اعتقادًا مغلوطًا.
لا تكمن المشكلة في تقليد طرق التربية القديمة التي قد يتعارض بعضها مع متطلبات الأزمنة وتحدياتها الجديدة، بل إن من العدل والإنصاف أن نشير إلى فاعلية بعضها وضرورة تربية النشء على بعض المفاهيم الأصيلة، لكن المشكلة تكمن في استبدالنا ولجوئنا إلى تقليد العالم الغربي واقتباس كل ما يأتي منه، أو في تسليم مهمة التربية إلى مأجورين تحت مسمى “ناني، أو خادمة أو ربة منزل”، نعم قد نستثمر أموالًا طائلة في الماديات لكن حين يتعلق الأمر بأن نتعلم أسسًا ومهارات للزواج أو التربية فإننا نركن إلى الفطرة أو الموروث أو الدعم الخارجي.
تبدأ التربية السليمة بتحديد الأهداف والأولويات الصحيحة، وهذا يتطلب معرفة لها من قِبل الوالدين، وبهذا نجد أنه من أول خطوة ستظهر نتائج ذلك الاستثمار، فالتربية هي استثمار الإنسان في نفسه أولًا بالتعلم وهو استثمار طويل الأجل وثماره يجنيها هو نفسه وكل من حوله، وتحديد الأولويات والأهداف الأسرية لا يكون إلا من نفس لها توجهات وآمال معينة تطمح أن تتحقق لها ولأسرتها، سواء كان المنطلق لذلك عقديًّا أم اجتماعيًّا أو حتى ماديًّا، وتبعا لتلك الأهداف تكون الحركة والسعي والبذل والعمل من قبل الوالدين والأبناء.
ومع هذا سأكون واضحًا معك عزيزي القارئ، التربية ليست عملية سهلة، حتى بتحديد الأهداف والأخذ بالأسباب، فهي عبارة عن “دوام” مستمر لاينقطع وجهد ومراجعة دائمة، دعك من الإعلانات التي تزيف لك الواقع وتريك الحياة الأسرية على أنها سعادة مطلقة ومرح في الحقول! التربية هي فن مواجهة التحديات والصبر على غرس القيم والأخلاق وسقيها بالحب مع انتظار قطف الثمر الذي قد يتأخر، وأنصحك بأن تعمل من دون أن تنتظر تقديرًا لجهودك من أبنائك فمعظم الأبناء ينظرون إلى ما يقدمه لهم والديهم على أنه حق مكتسب لهم، لذا لا داعي للتضحيات المبالغ فيها، لا يريد منك أبناؤك أن تحترق من أجلهم، عليك أن تعطي نفسك حقها حتى تستطيع أن تعطيهم حقوقهم أيضًا، كل بحسب حاله وشخصيته وظروفه فأصابع يديك لا تشبه بعضها وكذلك أبناؤك.
وبالمناسبة، أبناؤك ليسوا نسخًا منك ولن يكونوا، فلا تحاول كسر القاعدة بالإكراه.
الفكرة من كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
لا ملل ولا تعب من تكرار التأكيد والتنبيه على أهمية تكوين الأسر وبنائها على أساس قويم متين، وما نشهده اليوم في العالم من حولنا ما هو إلا تداعيات وثمار أسر هوت منذ سنين، أسر أسست بنياها على الحافة فانهارت وانهارت معها قيم المجتمع السليمة وأعرافه الأصيلة بل ودينه القويم!
إن بناء الإنسان أشرف وأخطر بناء على وجه الأرض، وما تكريمه ورفعته إلا من جهة ذلك، فإن أضعنا وعطلنا أصل التكريم والتشريف فقد قضينا على الإنسانية بدم بارد، بل وقضينا وأفسدنا الكون كله المسخر أصالة لخدمة ذلك الإنسان وتسهيل حياته، الخلاصة: إن فسدت الأسرة فسد الإنسان وبفساده يفسد الكون كله!
مؤلف كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
هشام يحيى الطالب، حاصل على البكالوريوس والدكتوراه في الهندسة الكهربائية، شغل مناصب عدة في منظمات إسلامية مختلفة ونظم العديد من دورات التدريب القيادي داخل وخارج أمريكا وله عدة مؤلفات منها: “ميثاق الشرف الدعوي”، و”دليل التدريب القيادي للعاملين المسلمين”.
عبد الحميد أحمد أبو سليمان، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية وعلى الدكتوراه في العلاقات الدولية، شغل عدة مناصب هامة منها الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وله العديد من المؤلفات المعنية بإصلاح المجتمع الإسلامي منها: “أزمة العقل المسلم” و”إحياء التعليم العالي في العالم الإسلامي”.
عمر هشام الطالب، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة شيكاجو، عمل في عدة مناصب وكتب العديد من الأبحاث عن الأسرة والتربية وله حضور في العديد من المؤتمرات الدولية في أنحاء العالم.