مستقبل النشر
مستقبل النشر
إنَّ التغيرات الحديثة التي طالت حركة النشر تعكس تقدُّم الرأسمالية؛ فقد تغيرت أهداف نشر الكتب من الأهداف الفنية والثقافية إلى تحقيق نسب أرباح عالية توازي أرباح السلع التجارية تصل إلى ١٥٪ وأكثر بعد أن كانت تقنع بأقل من ٥٪، وتحوَّل الناشر إلى مستثمر يبحث عن عناوين الكتب التي تحقِّق أرقام مبيعات عالية ويبتعد عن الكتب التي لا تحقِّق منها المكاسب المرجوَّة، واتخذت دور النشر شكل التكتُّلات التجارية الضخمة، وبالأمس كانت رواتب المحرِّرين في دور النشر متقاربة مع رواتب أساتذة الجامعات والمحاضرين، أما الآن فتُحدَّد أجور الناشرين بحسب مبيعات الكتب التي اشتغلوا عليها، ما حدا بالمحرِّرين للحرص الشديد على حصصهم من أرباح المبيعات، والمجالات الأخرى أصابها ما أصاب مجال النشر، فأصحاب الأعمال والتجارة يميلون إلى “صناعة المطر”، أي الوصول إلى زبائن مليئين ماليًّا، والمعماريون يركِّزون في بناء حاويات تحقِّق أقصى استفادة من المساحة لا تصميم أبنية جميلة، والمتوقَّع من الأطباء تقديم نوع الرعاية الذي يجلب الربح للمستشفى العاملين فيها، وهذه التغيُّرات لا تعكس رغبات ممارسيها بقدر ما تلبِّي متطلَّبات المجتمع الرأسمالي.
كانت منشورات دار مثل «Harper Collins» خلال الخمسينيات والستينيات تماثل منشورات أفضل الجامعات في أمريكا، أما اليوم فيرتبط ما تنشره بما يُعرض في الأفلام والميديا لتشكِّل جزءًا من “صناعة الترفيه”، هذه الظاهرة لا تقتصر على أوروبا وحدها، بل إنَّ حركة النشر في الصين تُظهر صبغة رأسمالية على المجتمع الصيني! وقد شاهد المؤلف كتب الاقتصاد الرأسمالي وإدارة الأعمال تتصدَّر أرفف المتاجر، وتتبع دور النشر نفس السياسة التي تحرص على الكتب ذات المبيعات الكبيرة، ومع ذلك فتجارة الكتب لا تأتي بالعوائد التي يأملها أصحاب الأعمال، ومن ثَمَّ لجؤوا إلى المتاجرة بشراء وبيع دور النشر نفسها، وحصدوا من ذلك ملايين، ولذا يفصل عدد غير قليل من موظفي هذه الدور، ويتعسَّر على الكُتَّاب نشر كتبهم ولا يكادون يُحصِّلُون الحد الأدنى من الأجور نظير كتاباتهم.
الفكرة من كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
يناقش أندريه شيفرين في هذا الكتاب مظاهر التحوُّل في عالم الكلمات في السنوات الأخيرة، ويرصد الأحوال الطارئة على دور النشر والسينما ومتاجر الكتب والصحافة والمآلات التي قد تصير إليها بحس خبير في عالم النشر والكتب والإعلام وعقلية مدركة لمساوئ الرأسمالية وأضرار التكنولوجيا على الحراك الثقافي والإعلامي، وهو تتمَّة لكتابه السابق “عالم أعمال الكتب” الذي لاقى ردود فعل متباينة، ورغم أنه يتناول التغيرات الثقافية في قطعة صغيرة من العالم؛ في أمريكا وبعض أوروبا، فإن الوضع في العالم العربي مشابه إن لم يكن أسوأ، بل ربما ما زال مثقَّفوه لم ينتبهوا لوجود مشكلة من الأساس أو لم يحرِّكوا حيالها أي ساكن يظهر أثره.
مؤلف كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
آندريه شيفرين : وُلِد شيفرين عام ١٩٣٥، ودرس في جامعتي ييل وكامبريدج، وهو كاتب فرنسي أمريكي ذو توجُّه اشتراكي مناهض للشيوعية، عارض الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا وحرب الولايات المتحدة في فيتنام، وعمل لمدة ثلاثين عامًا ناشرًا لـ«Pantheon Books»، ثم أسَّس في عام ١٩٩٢ مؤسسة «The New Press» غير الربحية، لمعارضته الاتجاهات الاقتصادية التي منعته من نشر الكتب الجادة التي يرى وجوب توفيرها، وكانت أزمة النشر الغربي على رأس اهتماماته، وقد مُنِح شيفرين وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية عام ٢٠١١، وتُوفِّي بعدها بسنتين بسرطان البنكرياس.
من مؤلفاته:
– The Business of Books: How the International Conglomerates Took Over Publishing and Changed the Way We Read.
– A Political Education: Coming of Age in Paris and New York.