العلم غير البريء
العلم غير البريء
لم يكن العلم الطبيعي يومًا بريئًا من التُهم، ففي خمسينيات القرن التاسع عشر صار العلم الطبيعي الأداة الأولى لقراءة العقل، ومحاولة فهم الإنسان دون الحديث معه، وبِه يعتقد العُلماء قُدرتهم على تجاوز الفلسفة وبعض المفاهيم كالإرادة والإحساس والإدراك من خلال عالم البيولوجيا، وكأن السيكولوجيين نسوا أنهم يدرسون الكائن الإنساني من الأساس.
وبالتعاون مع الحكومات والسلطة يُمكن للعلم توظيف نتائجه إلى الغايات التي تختارها القوى النخبوية، وبذلك تضمن الحكومات عدم انحراف النشاط الفردي عن غاياتها، ولكن كل ذلك يبدو حُرًّا دون قسر، وبالفعل ففي عام 2010 قامت الحكومة البريطانية بافتتاح “وحدة استبصارات سلوكية” لتوظِّف تلك النتائج في صناعة السياسة.
فالعملية تبدأ بتقنية مسح جديدة وفعَّالة، يتفاعل معها الناس، إذ تجمع تلك البيانات والدراسات المسحية، فتعود مرة أخرى للسلوكي الباحث في سيكولوجية البشر، ليستخدمها في اكتشاف طرق جديدة لإنتاج المشاعر والمُتطلَّبات والحاجات.
وبالفعل ظهر الكثير من العلوم المُختلفة التي تخدم النموذج الرأسمالي، مثل مدرسة علم النفس الأمريكي الذي أنقذ التهديد الاقتصادي الناجم عن الصحة العقلية والنفسية لدى الموظفين، لذا كان من الضروري أن يبذل المدير مزيدًا من الإنصات والاحترام للاستماع إلى الموظف، ومشاركته مكان العمل حتى لا يفر أحدهم من مقر العمل فيتأثر الإنتاج.
كذلك نشوء علم الأدوية النفسية، وأهمها عقاقير SSRI التي تتمتَّع بخصائص مضادة للاكتئاب التي تقلِّل الانكماش النفسي الذي قد يتعرَّض له الفرد، وبالتالي يتأثر رأس المال، وكذلك نشوء علم الإدارة الذي يبحث في سيكولوجيا الجماعة، والذي يُمثل المهارة الناعمة لتطويع العقل دون مزيد من المال، فحينما تكون العلاقات سهلة بين العُمال، ويكونون أكثر ترابطًا تكون الحالة الاقتصادية نشطة وفي حالة من النمو.
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.