حالُ الناس مع الصلاة
حالُ الناس مع الصلاة
إن الصلاة هي أساس صلاحِ المؤمن، إذا حافظ عليها وأحسن أداءها فاز باستقامة الحال وبركة الرزق وبركة العلم والفرج من الهموم، وحسُنت أخلاقه وطباعه وسهل عليه ترك المنكرات والمحرمات؛ إنها مفتاح خير الدنيا والآخرة.
والناس في صلاتِهم درجاتٌ ومراتب، قسمها الإمام ابن القيم (رحمه الله) إلى خمس كما يلي: المرتبة الأولى هي مرتبة الظالم لنفسه الذي يفرط في صلاته، فلا يتم وضوءها وأركانها ولا يهتم بمواقيتها وهو معاقب، والمرتبة الثانية هي مرتبة من يحافظ على وضوئها وأركانها الظاهرة ومواقيتها لكنه لا يجاهد نفسه كما ينبغي فيضيع مع الوساوس والأفكار فهو محاسب، أما الثالثة فهي لمن يحافظ على أركان الصلاة ويجاهد نفسه في دفع الوساوس ويجاهد عدوه لئلا يسرق صلاته فهو في جهاد وصلاة ومُكفَّرٌ عنه، والرابعة هي مرتبة من إذا قام إلى الصلاة أتمَّ حقوقها وأركانها وكان كل همه إقامتها كما ينبغي واستغرق قلبه أمر الصلاة وعبوديته لربه سبحانه وهو مُثاب، وأما الخامسة فهي مرتبة من إذا قام إلى الصلاة أدَّى ما كان في الرابعة وزاد عليه أنه يأخذ قلبه ويضعه بين يدي ربه سبحانه ناظرًا إليه بقلبه وقد امتلأ بمحبته وتعظيمه كأنه يراه فهذا مقرَّبٌ من ربه قريرُ العين به.
فلنسأل أنفسنا، أين نحن في هذه الدرجات والمراتب، ولنرفع همتنا ونعقد العزم على الترقي فيها، ولنتذكر حال رسول الله (ﷺ) مع الصلاة، فقد كانت قرة عينه فيها، وكان يقول ﷺ: “يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها”، وكان يطيل الصلاة ويصلي حتى تتفطَّر قدماه وقد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ولنتذكَّر حال أصحابه (رضي الله عنهم) الذين كانت الصلاة أحب إليهم من أموالهم وأولادهم، وحال التابعين والسلف من بعدهم الذين كانوا يحرصون على ألا يفوتوا تكبيرة الإحرام في المسجد، وكان معيار حكمهم على الرجال صلاح صلاتهم.
الفكرة من كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
للصلاة حلاوةٌ ولذة تفوق لذائذ الدنيا، محرومٌ من لم يذُقها، ولا يعرف المعنى الحقيقي للسعادة والأنس والطمأنينة، ما السبب الذي يمكن أن يحرمنا تلك اللذة؟ الجواب في قول ابن القيم: “وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) يقول: “إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور؛ يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول”، ما يعني أننا بحاجةٍ إلى مراجعة أنفسنا، ألسنا نحرص على تجديد كثير من أمور حياتنا وتحسينها مثل البيت والثياب وغيرها؟ فلمَ لا نفعل ذلك مع صلاتنا ونحن نعلم أنها لا تسلم من النقص والخطأ ونشكو قلة الخشوع فيها وقلة حرصنا عليها، إلا من رحم الله؟
مع هذا الكتاب نحاول أن نجدِّد ونُحيي فينا معاني الصلاة وأحوالها، ونعرف معنى الخشوع ونطلب أسبابه، ونسعى للظفر بلذَّتها.
مؤلف كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وإمام وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ينشر عليها خُطبًا وخواطر واقتباسات من كتبه.
له العديد من المؤلفات، منها: “الأنس بالله تعالى”، و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه”، و”الحياة الزوجية السعيدة، قواعد وحقوق وعلاج للمنغصات”، و”صناعة طالب علم ماهر”، و”آداب طالب العلم وسبل بنائه ورسوخه”، و”حياة السلف بين القول والعمل”، و”عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله”.