الضحك وهدم الدفاعات
الضحك وهدم الدفاعات
يرجع جوهر الضحك إلى أن الإنسان يرى نفسه متفوقًا على غيره، حيث ينظر إلى الآخرين ضاحكًا وهو يقول في نفسه: “كم هو أمر رائع أنني ذو صفات عالية، ولست معيبًا هكذا”، أضف إلى ذلك أن هذا الاستهزاء والضحك على شوائب الآخرين يتضمَّن بشكل خفي نوعًا من أنواع حرية الاستمتاع بالعيوب الشخصية والذاتية التي تعتريه، وكأن لسان حاله يقول: لولا رفض واستهجان المجتمع لقمتُ بالانغماس في تلك التفاهات والسخافات، فكما يرى سقراط في جمهورية أفلاطون: “أننا نستمتع بمشاهدة الآخرين وهم منغمسون في السلوكيات المضحكة التي نرغب داخليًّا في أن نشارك بها بأنفسنا”، فرغم كرهنا لمبدأ اللامبالاة الذي يسير عليه هؤلاء المضحكون، فتلك اللامبالاة هي التي تدفعنا إلى السخرية منهم، إلا أن البعض يرغب في داخله أن ينغمس معهم فيها.
فالإنسان يتمنى أن يهدم جميع الدفاعات والقيود التي تمنعه من إظهار عيوبه وشوائبه، لذلك يضحك ويبتسم من جرَّاء عدم قدرة هؤلاء المضحكين على إخفاء عيوبهم بشكل جيد، فهو رغم عدم قدرته على إظهار عيوبه مثلهم -دون خجل وبشكل وقح وفج- فإنه يكون مسرورًا من الداخل، فقدرتهم على التباهي بعيوبهم دون خجل تحرِّضنا على هدم دفاعاتنا التي وضعناها خشية استهجان المجتمع.
بل قد يقوم الإنسان بالضحك على نفسه، مظهرًا بذلك أفضلية ذاته اليوم وتفوُّقها على ذاته السابقة، وهذا النوع من الضحك على الذات -في الحقيقة- هو ازدراء للنفس ومثير للشفقة في ذات الوقت، كما أن هناك بعض الشخصيات الكوميدية تقدم نفسها كمادة للسخرية، وبالتالي عندما نضحك عليهم، فنحن نضحك على سلوكهم الذي عرضوه بشكل وأداء احترافي، وإلى جانب ذلك هناك بعض الشخصيات لكي تكون مصدرًا للضحك فلا بد أن يدعمها جمهور شديد التلطُّف بها حتى ترى في نفسها أنها مضحكة، وبالتالي يحتاج مثل هؤلاء لكي يصبحوا مضحكين إلى “أسلوب ماكر، ومجموعة من كاتبي السيناريو الذين يتقاضون أجرًا كبيرًا”.
الفكرة من كتاب فلسفة الفكاهة
تذهب دراسات كثيرة إلى القول إنه لا ينبغي تفسير الفكاهة، لأن تحليلها وتفسيرها يؤدي إلى تدميرها، إذ إن تفسير الفكاهة ينفي عنها كونها فكاهة، وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا إلا في حال تم إلقاء الفكاهة وتفسيرها في ذات الوقت، وبالتالي فإن فهم الطريقة التي تعمل بها الفكاهة لا يعني في الحقيقة تدميرها، وعمومًا فإن للدعابة والفكاهة استخدامات عديدة، فبعض الأشخاص المتصفين بالعنصرية قد يستخدمونها للترويج لأفكارهم التي لا يستطيعون -خوفًا من المجتمع- قولها بشكل تقليدي خالٍ من الدعابة، وقد تستخدم الفكاهة للحض على فضيلة، أو الترويج للجنس والعنف تحت ستار الدعابة، كما أن الفكاهة من وجهة نظر جوناثان ميلر: هي تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيدًا لها.
مؤلف كتاب فلسفة الفكاهة
تيري إيغلتون : هو كاتب ومفكر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني، يعمل في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، قام بتأليف العديد من الكتب، منها: “النظرية الأدبية”، و”أوهام ما بعد الحداثة”، و”الرعب المقدس”، و”معنى الحياة”، و”مشكلات مع الغرباء”، و”فكرة الثقافة”، و”فلسفة الفكاهة”.
معلومات عن المترجم:
ماجد حامد: ترجم عددًا من الكتب، ومنها رواية “إجازة في بركة دماء”، لمؤلفها مايكل كونللي، وكتاب “نوڤاسين – عصر الذكاء الفائق القادم”، لمؤلفيه جايمس لوڤلوك وبراين آپليارد، ورواية “باسم الشعب”، لمؤلفها زو مايسن.