الأنماط الثلاثة
الأنماط الثلاثة
توصل المؤلف وصديقه “تراجر” بعد مشاهدات طويلة إلى تقسيم ثلاثي لسلوك الناس، فكل ثقافة تتكون من أنماط رسمية تمثل النواة، تدعمها سلسلة من الأنماط التقنية وتدور حول المركز أنماط غير رسمية، لذا سرعان ما تتحول الأنماط التقنية إلى رسمية، فالوقت الرسمي هو المعروف للجميع ويتكرر يوميًّا، والوقت غير الرسمي هو إشارات غير دقيقة مثل “لحظة” و”في ما بعد”، والوقت التقني هو ما يصطلح عليه الفنّيون والعلماء وغير مألوف لغير المتخصصين. 5
والتعليم الرسمي يتم بالإرشاد والتحذير والتصحيح من قبيل: افعل ولا تفعل، وهذا صحيح وذاك خطأ، بنبرة صوت مناسبة للموقف، فهو ذو طبيعة ثنائية مغمورة بالعاطفة غالبًا، والتعليم غير الرسمي يتم بغير إدراك دون قواعد حاكمة عن طريق المحاكاة والتقاليد واستخدام الآخرين نماذج وملاحظتهم، فيمكن أن تمثله جملة “ستعرف حين تكبر”. والتعليم التقني يمكن معاينته في الخدمات العسكرية إذ يمكن لصانع أحذية أن يصبح ميكانيكي طائرات أفضل من ميكانيكي مدني، لأن الأول أقدر على اتباع التعليمات، فهو يعتمد على كفاءة المادة والقدرة على تحليلها أكثر من كفاءة الطالب، وتُنقل شفويًّا أو كتابيًّا من المعلم للطالب دون اشتراط وجود المعلم. 6
والإدراك الرسمي يميل إلى اتباع الأعراف السائدة والتأثر بالماضي أكثر من الحاضر والمستقبل، بينما الإدراك غير الرسمي هو أشياء نفعلها آليًّا دون التفكير فيها بل إن التفكير فيها يفسدها، فلو فكر سائق خبير في كل حركات قيادة السيارة، فلن تكون القيادة سلسة، أما الإدراك التقني فهو أعلى درجات الوعي بالسلوك ومنه العلم. 7
الأنظمة الرسمية في العادة عصية على التغيير ويحدث فيها ببطء من داخلها، وتعطي مساحة واسعة للتحرك فيها لكن الخروج عنها يسبب مشكلات، وعندما تتصارع أنظمة رسمية تكون النتائج مأساوية. وتغير ثقافة ما يتم بفكرة تقاوم كل الجهود لتغييرها حتى تنهار فجأة.
الفكرة من كتاب اللغة الصامتة
لو أنك عربي تريد أن تعيش في الولايات المتحدة فلا يكفيك إتقان اللغة الإنجليزية وتناول الغداء في مطاعم الوجبات السريعة، فثمة لغة غير محكية ينبغي لك معرفتها للتكيف مع نمط الثقافة الأمريكية. إنَّ اللغة الصامتة هي انعكاس لسلسلة معقدة ومتشابكة من الاتصالات غير الشفوية، وترجمة لطائفة كبيرة من السلوكيات والإشارات والكنايات وأنماط التعليم والأفكار وأسلوب التعاطي مع الزمان والمكان، والأعراف التي نتعامل بها داخل نظامنا الاجتماعي وتميزه عن غيره بأشياء خلاف الاختلافات الرسمية المُعلَنة. إن اللغة الصامتة ليست وسيلة للتواصل بقدر ما هي طريقة لبناء ثقافة المجتمع وتنظيم أنماط الحياة، ويمكن اعتبارها نقيض العولمة، فهي ليست عالمية بل سمة مُميِّزة للمجتمع والعائلة والفرد!
مؤلف كتاب اللغة الصامتة
إدوارد تي هول : هو أستاذ جامعي متخصص في علم الإنسان، وُلد عام ١٩١٤ وتخرّج في جامعة كولومبيا ومنها حصل على درجة الدكتوراه. درّس في جامعات كثيرة مثل هارفارد ودنفرو ومعهد إلينوي للتقنية، كما خدم في الجيش الأمريكي وعمل في الخارجية الأمريكية. صاغ هول مصطلحات أنثروبولوجية عن علاقة الثقافات والأعراف المختلفة بمفاهيم الزمان والمكان.
من مؤلفاته:
– البعد الخفي.
– Beyond culture.
– The dance of life: other dimension of time.
المترجِمة لميس فؤاد: ترجمت “البعد الخفي” للمؤلف نفسه، و”التحليل النفسي الفوري” لديفيد ليبرمان، و”كيف تحصل على الأفكار” لجاك فوستر.