إبادة الذاكرة المكانية
إبادة الذاكرة المكانية
يُقصَد بإبادة الذاكرة هاهنا، وعلى وجه التحديد تدمير الذاكرة الجماعية لأمة أو مجموعة معينة، تلك الذاكرة التي تشكِّل الوعاء الذي تحتفظ فيه تلك المجموعة أو الأمة بذكرياتها والأحداث التاريخية الماضية المتعلقة بها، فالذاكرة الماضية تعطي الإنسان القوة والقدرة التي تجعله يتصور الماضي ويعيش الحاضر، فمن وظيفة الذاكرة الجماعية إلى جانب كونها وعاءً للماضي فهي أيضًا تحفظ تصور الجماعة الإنسانية لنفسها كما كانت في الماضي، فالماضي هو الذي يربط الجماعة بهويتها في الحاضر ويمتد ليحفظ بقاءها في المستقبل، وبالتالي يهدف المحتل إلى إبادة ومحو بعض أو كل الذاكرة التي تُذكِّر أمة من الأمم أو شعبًا من الشعوب بالماضي السياسي أو الاجتماعي أو الفكري والعقائدي، كما يستهدف إلى جانب ذلك تقويض قدرة هذه الجماعة على تذكُّر الماضي الخاص بها.
وبالتالي لكي يتم محو وإبادة الذاكرة الجماعية لأمة ما، يهدف المحتل إلى طمس تاريخ تلك الجماعة وإحلال تاريخ آخر جديد ليحل محله كنوع من أنواع تزييف التاريخ، وكذلك تدمير الآثار المادية التي تذكِّر تلك الجماعة بماضيها، عن طريق هدم المباني كالمدارس ودور العبادة، وغيرها من الآثار المادية التي تربط تلك الجماعة بالمكان، ولذلك تدخل إبادة الذاكرة ضمن الإبادة الجماعية كونها تقوم على محو هوية الجماعة وثقافتها، وهذا التدمير للذاكرة الجماعية يتزامن مع الإبادة الجماعية بشكل عام والتطهير العرقي بشكل خاص.
وهذا بالضبط ما نراه يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهناك عشرات الآلاف من المهجَّرين في الشتات، الذين تم تهجيرهم وسرقة بيوتهم وإقامة مستوطنات صهيونية بدلًا منها عن طريق تزييف تاريخ تلك الأماكن وطمس هويتها العربية والإسلامية، وهي ذاتها الإبادة الجماعية للذاكرة والتطهير العرقي الذي يتم في حي “الشيخ جراح” بمدينة القدس، حيث يتم طرد الفلسطينيين أصحاب الأرض وأصحاب الحق في تلك الأماكن من بيوتهم وتهجيرهم منها، حيث يستخدم المحتل الصهيوني في ذلك كل أساليب العنف والقوة العسكرية، وطمس الماضي وتزييف التاريخ!
الفكرة من كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني ليس مجرد قتل عادي أو عشوائي، بل هو بمثابة قتل ممنهج مخطط له، والهدف من ورائه إلى تحقيق إبادة جماعية للشعب الفلسطيني من أجل تثبيت أركان المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ويعتمد المحتل الصهيوني في تطبيقه العلمي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي على الكولونيالية الاستيطانية إلى جانب القصص والنصوص الواردة في الكتاب العبري “التوراة”.
مؤلف كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
عصام سخنيني، هو أستاذ التاريخ في جامعة البترا الأردنية ونائب المدير العام لمركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت بين عامي 1971 و1978، وله العديد من المؤلفات التاريخية، منها: “فلسطين والفلسطينيون”، و”تهافت التاريخ التوراتي”، و”القدس.. تاريخ مختطف وآثار مزورة”، و”عهد إلياء والشروط العُمرية”، و”الإسرائيليات”.