نموذج التفاهة
نموذج التفاهة
المُتأمِّل الفطِن لطبيعة العصر الذي نعيش فيه سيلاحظ بلا شك أن الذوق الرديء والانحطاط المعياري يصعدان بطريقة غريبة سريعة، فقد هُمِّشت القيم، وتدهورت الجودة، وبرزت الأذواق المُنحطة، وصار جمع الأموال غاية لذاتِه، فكان سبب ذلك انتشار شريحة كبيرة من ذوي الكفاءة الفكرية البسيطة، أو الجاهلين، أو أصحاب الرأي السطحي، وقد تصفهم كلمة “Mediocracy”، والتي تعني النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين.
ولم يكن انتشار هذه الشريحة مُجرد صُدفة، بل هم مُشتركون جُدد في لُعبةٍ يلعب فيها أطراف عدَّة، وهذه اللعبة يعرفها الكثيرون لكنهم لا يتكلمون عنها، لعبة بلا قواعد مكتوبة لكن بمجرد دخولها تستطيع فهمها جيدًا، وأهم قيمة في هذه اللعبة هو الربح والخسارة؛ سواء كان على المستوى المادي أو المعنوي، فكلما ازداد مالك وثروتك أو شهرتك وسمعتك بلا شك أنت في المُقدِّمة.
وهذه اللعبة لا تُدار من أصحاب الكفاءة العالية أو أصحاب الطموح، بل يديرها أصحاب القيم والطموحات المُتدنِّية، فهؤلاء هم الأقرب إلى متطلَّبات العصر، وما أسهل النزول إلى الأسفل مع الجاذبية، لكن ما أصعب مقاومتها، فما أسهل أن تكون بلا شعور، أن تُقلِّل إحساسك بذاتك إلى شيء لا معنى له، لكن ما أصعب أن تكون صاحب فكرة جيدة ذات قيمة.
وعلى الرغم من ذلك لا تعتقد أن التافهين لا يعلمون، بل يدعم بعضهم بعضًا، ويعملون بجد حتى يُشكِّل التافهون سُلطةً تقوى يومًا بعد يوم، وتسيطر شريحتهم فتكون هي المعيار الذي تُحكَّم إليه الأفكار والآراء، ولو لم يكن ذلك واضحًا؛ فبمراقبة جيدة تستطيع لمس التسطيح والتبسيط في كل الأمور، فأصبحت الأعمال منزوعة الحيوية، فترى أناسًا يعملون على إنتاج الوجبات لكنَّهم لا يعرفون الطبخ في البيت، وترى الرجل يبيع الكُتب لكنه لا يقرؤها، وترى العُملاء يعطونك تعليمات لإصلاح الهاتف لكنهم لا يستطيعون إصلاح هواتفهم، إننا فقط نؤدي أدوارًا في مسرحية كُبرى إلا أننا نتعب بلا شك.
الفكرة من كتاب نظام التفاهة
حينما تفتح التلفاز فتُشاهد “الفنانة” المُلوَّنة تُقدِّم نصائح زوجية، فتسأل ما الذي جعل الفنانة مُرشدة مجتمعية؟ أو حينما تتأمَّل في الفيلم أو مقطع اليويتوب الأكثر مشاهدة ثم تسأل: لماذا هذا العدد الضخم من المُشاهدات لهذا النوع من المقاطع والأفلام؟ فإن هُناك سمة مُشتركة بين هذه الفنانة وهذا الفيلم وهذا المقطع؛ إنه التسطيح والفراغ القيمي.
إننا في عصرٍ يطلب منك ألا تُفكِّر كثيرًا، يجب ألا تكون عميقًا أبدًا، كُل الأشياء في حقيقتها بسيطة لا تتطلَّب منك سوى فنجان قهوة وكتاب عنوانه غير مفهوم، أنت الآن مثقف، أنت الآن مُتحدِّث جيد حول القضايا المُهمة.
في كتابنا يأخذنا الكاتب إلى رحلةٍ شيِّقة مؤلمة بعض الشيء ليُظهر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فنعرف خطر المُنزلق الذي يزداد انحدارًا يومًا بعد يومًا على عدة مستويات؛ فيضعنا أمام حقيقة مُشاهدة لكن لا أحد يعبأ بخطورتها!
مؤلف كتاب نظام التفاهة
الدكتور آلان دونو: أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وله اهتمام كبير بالتصدِّي للرأسمالية والعولمة، اشتهر بكتابِه Noir Canada ويعني “كندا السوداء”، والذي هاجم فيه شركات صناعات التعدين الكندية هجومًا قويًّا بسبب عمليات الفساد والنهب التي قامت بها في أفريقيا.
من مؤلفاتِه: Imperial Canada Inc.: Legal Haven of Choice for the World’s Mining Industries
معلومات عن المُترجمة:
مشاعل الهاجري: أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة الكويت، حاصلة على دكتوراه في القانون المدني المُقارن من جامعة “إسيكس” في المملكة المُتحدة، ونالت جائزة “جامعة الكويت لأفضل باحث من أعضاء هيئة التدريس للشباب”، عام 2008.
ألَّفت كتاب: “قانون العمل الكويتي الجديد”.