مفارقة الفكر والواقع

مفارقة الفكر والواقع
ظهرت كلمة أيديولوجيا أوَّل ما ظهرت على يد الفرنسيين، وكانت تعني -في أصلها الفرنسي- علم الأفكار، ثم استعارها الألمان وأضافوا إليها معانيَ أخرى، ثم استعارها الفرنسيون مرة أخرى لتصبح بذلك دخيلة على لغتها الأصلية، ومع تغيُّر دلالتها لا يمكننا أن ننظر إليها على أنها عِلمٌ حياديّ خالٍ تمامًا من المعيارية، إذ إن الأفكار عالمٌ يندر أن يخلو من النزوع المعياري والقيمي، فما الأسباب التي جعلت الفكر الإنساني في كل أدواره يرى الأشياء طبقًا لدعواه، لا طبقًا لذاتها؟ ولنضرب مثالًا: إذا ناقشت أحدهم في أمرٍ ما، فاختلفت الآراء وتنازعت، مع من يكون الحق؟ وكيف يمكن إدراكه؟ أليس إدراكه بالضرورة يستلزم إدراكًا للواقع، حتى ينشأ الحكم؟
إذا تأملنا الفلسفة اليونانية، نراها تحكم على المصيب والمخطئ من خلال سلامة الحواس وصحة العقل، فإن كان أحدهما صحيح العقل كامل الحس، فإن الآخر إما أن يكون معطوب الحواس أو عنده خلل في العقل، فالواقع عند فلاسفة اليونان ثابت، والحقيقة واحدة، ومن ثم فإن عدم موافقة الواقع يعود إلى اضطراب آلة الإنسان، ومع تأملنا فلسفة الغزالي، الذي مثل الإرث الإسلامي عند العروي، نرى أن علة من لم يتبع الحق ولم يوافق الواقع لا تقتصر على خلل في أدوات الإدراك والحواس فحسب، وإنما تكمن المشكلة الأساسية في النفس البشرية، إذ إن الغل والحقد والحسد وغيرها من الصفات، تبعد الإنسان عن طريق الوصول إلى الحقيقة مهما كان عاقلًا سليم الحواس.
وإذا حصرنا أنواع النزاع وجدناها على وجهين؛ قد تتنازع مع من يوافقك الدين، وأنتما حينئذٍ تنطلقان من أرضية مشتركة واحدة، كما هو واقعٌ بين المسلمين شيعة وسنة، وبين المسيحيين كاثوليك وبروتستانت، وهناك نزاع يقع بين اثنين غير مشتركين في الأرضية المعرفية الفكرية، كما هو واقع بين الدينيين واللا دينيين، ويتمثل في القرن الثامن عشر بين الكنيسة وفلسفة الأنوار.
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.





