في معنى الانطوائي
في معنى الانطوائي
إن النظريات التي تحصر الإنسان في عدة سمات محدَّدة هي في الحقيقة نظريات باهتة، وذلك لأن الشخصية الإنسانية مُركَّبة وليست على درجات مُحدَّدة، فحينما نتحدَّث عن الانطوائية والانبساطية فإننا نتحدَّث عن نسب ودرجات مختلفة، ففي الإنسان ذاته تتفاعل الانطوائية والانبساطية مع سماته الشخصيَّة الأخرى فينتج الاختلاف الشديد والتنوُّع بين الناس.
إن الانطوائي والانبساطي يعملان بشكل مُختلف، فالانبساطي قادر على معالجة المهام بشكل سريع وقد يتخذ قرارات متهوِّرة، ويتمتَّع بالمخاطرة والتشويق، بينما الانطوائي يعمل بشكل أبطأ وأكثر حذرًا، ويحب التركيز على مهمة واحدة يتعمَّق فيها ويفكِّر ويحلِّل.
بجانب ذلك الانبساطي يضيف إلى الحفلات الضحك والحيويَّة، ويُفكِّر بصوت مُرتفع وارتجالي، ويميل إلى التحدُّث عن الإصغاء، بينما الانطوائي فإن مهاراته الاجتماعية تتخذ شكلًا آخر من القوَّة، فهو مُستمع جيد، ويستمع بالدوائر الاجتماعية القريبة كالعائلة والأصدقاء المُقرَّبين، كما أنه يُفضل التعبير عن نفسه بالكتابة، ويستمتع بالمناقشات العميقة.
وعلى الرغم من تميُّز كل سمت بمميزاته المختلفة، فلماذا إذًا أصبح في أذهاننا أن سمت الانبساطي هو الأكثر قدرة على تحقيق الإنجازات، وأنه السمت المثالي؟
كانت بداية هذه الفكرة مع تغيُّر ثقافة المُجتمع الأمريكي، حينما ركَّزت الكُتب والإعلانات على أهمية الإبهار الجماهيري، وأنه لا بد أن يتحلَّى الناس بـ”الكاريزما” و”الجاذبيَّة”، وهذا مُناسب جدًّا لطبيعة المجتمع الرأسمالي الجديد، فتحوَّلت ثقافة المُجتمع من ثقافة الطبع والتي يستطيع المرء فيها أن يتحلَّى بالخصال والقيم الشريفة دون تغيير في طبيعة شخصيته، إلى ثقافة التطبُّع التي تهتم بما يتصوَّره الآخرون عنَّا.
فنجد انتشار كُتب التنمية الذاتية والساحات الجامعية والكليات تُقدِّم النموذج الانبساطي كنموذج للذات المثالية، وبقراءة هذه الكُتب والاختلاط في تلك الساحات يُضحِّي الإنسان بشخصيته الحقيقية في مقابل التطبُّع مع شخصية جديدة جعلها المجتمع الجديد التنافسي نموذجًا للذات المثالية؛ الذات التي تعرف كيف تُسوِّق نفسها.
الفكرة من كتاب الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام
“إنه انطوائي لن يستطيع الاندماج في هذه الحياة!” كثيرًا ما نسمع مثل هذه العبارات حولنا، والتي تحمل في دلالتها أن الشخص الانطوائي هو شخص منغلق، خجول، يخاف من الناس، وأن هذه الصفات تعني عدم تأهُّل الشخص للخوض في الحياة، ولكن هل بالفعل كلمة “انطوائي” تعني هذه الصفات؟ وهل “الانطوائي” شخص عاجز على عكس “الانبساطي”؟ وهل بالفعل تُعدُّ “الانطوائية” اضطرابًا سلوكيًّا يجب التخلُّص منه؟
في هذا الكتاب بذلت الكاتبة جهد سنوات لتُقدِّم لنا مفهوم “الانطوائيَّة” بمعناها الحقيقي الدقيق، وكيف للثقافة المُجتمعية أن تؤثر في مفهوم الانطوائية، وما المُمميزات والمهارات التي يتمتَّع بها الانطوائي، وكيف يمكن للمجتمع والأسرة توظيف تلك المهارات.
مؤلف كتاب الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام
سوزان كين: كاتبة أمريكية ولدت سنة 1968م، درست المُحاماة من كلية هارفارد ثم اتجهت إلى التأليف، فألَّفت كتاب “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يمكنه التوقف عن الحديث” عام 2012، وشاركت في تأسيس شركة Quiet Revolution.
Quiet Journal: Discover Your Secret Strengths and Unleash Your Inner Power.
Bittersweet: How Sorrow and Longing Make Us Whole.
معلومات عن المُترجم:
عماد إبراهيم عبده: ترجم عددًا من الكُتب، منها:
ماذا لو؟ إجابات علمية جدية عن أسئلة افتراضية غير معقولة.
خط الدم أو حمرة الغسق في الغرب.